كتب غدعون ليفي أن صديقه (م) في قطاع غزة أخبره أن الأنسولين يكاد ينفد منه، وهو المصاب بالحماض الكيتوني السكري المهدد للحياة.
وأوضح ليفي -في زاويته بصحيفة هآرتس- أن صديقه كان يحصل على الأنسولين من صيدلية وكالة غوث وتشغيل للاجئين (أونروا). ولكن منذ أن أوقفت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية، لم يعد الأنسولين متوفرا، وقد طمأنه بأن هذه المادة لا تؤخذ إلا عند تناول الخبز، وهو لا يحتاج إليها الآن لعدم وجود خبز.
وقال (م) في مكالمة هاتفية من منزله المحترق في بيت لاهيا، شمال غزة الذي عاد إليه مؤخرا، إنه لم يتبق لديه سوى قطرتين، أو ربما يقصد وحدتين من الأنسولين، وهو يدخر آخر جرعة منه لعله يجد هو وعائلته قطعة خبز.
وخرج ابنه يبحث لساعات عن فشار لتهدئة معدته يوم الأربعاء، ولكن دون جدوى، وقال الأب "أخبرته أنه لن يجد شيئا" وقال إنه للمرة الأولى منذ بدء الحرب "أنا جائع، جائع جدا" رغم أنه دائما ما يحاول تهدئة الأمور، والتخفيف من وطأة محنته كي لا يثير الشفقة ويحفظ كرامته.
لماذا يقصفون؟
أما يوم الأربعاء، فاعترف (م) بأنه جائع حقا، فقد كان الثلاثاء عصيبا للغاية لأن إسرائيل قصفت شمال القطاع بلا توقف، وقد أراد الأطفال المغادرة، لكنه سألهم "إلى أين نذهب؟" فجلسوا جميعا في ما تبقى من منزلهم تحت دوي القذائف، قبل أن يقرروا أنهم سيغادرون إذا لم يهدأ القصف بحلول الخامسة مساءً، ولحسن الحظ هدأ القصف قبل ذلك.
إعلان
ويتساءل (م) الذي عاد إلى أنقاض منزله بعد أشهر طويلة في مخيم بمنطقة المواصي "الإنسانية" المجاورة لخان يونس: لماذا لا يزالون يقصفون مع أنه لا يوجد محتجزون ولا حماس (حركة المقاومة الإسلامية) في بيت لاهيا، ولا يوجد سوى أكوام من الأنقاض.
وعندما عاد (م) البالغ 63 عاما -والذي أصيب بجلطة دماغية، وكلفته الرحلة من المخيم إلى منزله المحترق 334 دولارا- وجد ما كان منزلهم سابقا مجرد هيكل متهالك مغطى بالسخام، وهو الآن يخشى أن يضطر قريبا للفرار حفاظا على حياته وحياة عائلته.
وكانت محادثاتي مع (م) محبطة -كما يقول الكاتب- بسبب عجزي عن مساعدته، فقد جلس خارج منزله الأربعاء، وهو ينظر إلى بقايا سيارة المرسيدس -التي كان يقودها لسنوات معتمدا أحيانا على البنزين عندما يوجد، وأحيانا على زيت القلي المستعمل من أكشاك الفلافل عندما ينفد البنزين.
وأصبحت سيارة المرسيدس الصفراء الآن هي الأخرى عبارة عن هيكل محترق، ويحزن (م) عليها أكثر مما يحزن على منزله، لأنه قضى من الساعات داخلها أكثر مما قضى فيه، ويقول إنه أحيانا يربت عليها، وهو يختنق، ويفتح صندوقها المحترق ويستعيد ذكرياته، فقد اشترى لها قبل الحرب بأيام قليلة 4 إطارات جديدة، ولكنه لم تتح له قيادتها.
وختم الكاتب بأن سيارة الأجرة أصبحت الآن هشة مثل صاحبها الجائع، فقد تناول الثلاثاء بعض العدس، والأربعاء لم يأكل شيئا، وعندما يتمكن من الحصول على دقيق أو خبز فسوف يحقن نفسه بآخر قطرات الأنسولين المتبقية لديه.
أخبار متعلقة :