رغم الأجواء الإيجابية التي يبدو أن الجانبين الإيراني والأميركي اتفقا على عكسها أمام وسائل الإعلام، فإنه بعد ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وتأجيل الجولة الرابعة، يمكن القول إن عقبات كثيرة لا تزال تواجه الجانبين للتوصل إلى اتفاق يُرضيهما.
لا يخفى على أحد أن معارضي الاتفاق بين الجانبين اليوم ليسوا أقل قوة وتأثيرًا من مؤيديه. وأول هؤلاء المعارضين، بلا شكّ، إسرائيل التي تسعى لجرّ الولايات المتحدة لمحاربة إيران حتى آخر جندي أميركي، لمصلحة نتنياهو، الذي يعيش على شرب دماء شعوب المنطقة كي يستمر بالحياة.
تصبّ تصريحات ترامب الأخيرة بشأن أنه لن يقع في فخّ نتنياهو لمحاربة إيران، في هذا السياق، وتعكس مدى الضغط الذي يتعرض له الرئيس الأميركي من قبل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة للدخول في حرب مع إيران لمصلحة نتنياهو، وتجنّب مسار المفاوضات.
وحسب ما صرّح به نتنياهو الأسبوع الماضي: "إن إسرائيل تسعى للسيطرة العسكرية على المنطقة"، وتُعدّ إيران العائق الوحيد أمام هذا الحلم الصهيوني.
واستنادًا لتصريحاته في المكتب البيضاوي للبيت الأبيض وأمام وسائل الإعلام، يطالب نتنياهو الإدارة الأميركية بتطبيق السيناريو الليبي على إيران، والمقصود هنا تجريد إيران من كل قدراتها الدفاعية لتكون لُقمة سهلة لمهاجمتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.
إعلان
ولم يكتفِ نتنياهو بذلك، بل قام بتهديد إيران بهجوم نووي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عامين. وعلى الرغم من أن مكتب نتنياهو أعلن أن هذا الكلام كان زلة لسان، فإن الإيرانيين لا يعتبرونه كذلك، وخاصة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك سلاحًا نوويًا في المنطقة، وما فعلته في غزة ولبنان وسكوت المجتمع الدولي على جرائمها وتجاوزها للقوانين الدولية، يُثير التخوف من أن نتنياهو قد يتشجع ويقصف إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة بالسلاح النووي، دون أن يتعرّض لأي محاسبة على هذه الجريمة أيضًا.
واستنادًا إلى ما سبق، فإن إيران غير مستعدة لبحث أي موضوع يتعلق ببرامجها الدفاعية أو علاقاتها بحلفائها في المنطقة، على اعتبار أن هذين الموضوعين يُعدّان الرادع الوحيد أمام أي تهديد أميركي أو إسرائيلي، مشترك أو منفرد، تجاهها.
ولم يعد خافيًا على أحد أن إيران استطاعت تجاوز العتبة النووية، وبات لديها التكنولوجيا اللازمة لتصنيع السلاح النووي خلال فترة قصيرة تتراوح بين يومين وأسبوعين. بيدَ أن القرار السياسي في إيران هو أن الوصول إلى هذه المرحلة كافٍ، ولا حاجة للمضي أبعد من ذلك.
يكمن السبب في هذا القرار في أن القيادة الإيرانية تعتبر هذا المستوى من القدرات كافيًا لردع إسرائيل أو الولايات المتحدة من مهاجمة إيران بأسلحة نووية أو غير تقليدية، لأنهما تعلمان جيدًا مدى التطور التكنولوجي الذي بلغه الإيرانيون، وأن أي هجوم على إيران يهدد وجودها قد يدفعها إلى تغيير سياستها النووية واتخاذ قرار تصنيع السلاح النووي لضمان بقائها.
وقد ورد هذا الموقف على لسان العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين مثل كمال خرازي، رئيس لجنة السياسة الخارجية في مكتب المرشد الإيراني في مقابلة مع قناة الجزيرة، أو علي لاريجاني، المستشار السياسي للمرشد، خلال مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني.
إعلان
وعلى هذا الأساس، ، وعدم السماح بخروجه، ما دام ليست هناك ضمانات كافية تكفل لها وللمنطقة الحماية من إسرائيل وخططها للسيطرة العسكرية على المنطقة.
وأقل ما تطالب به إيران هو أن تُجبر الولاياتُ المتحدة، إسرائيلَ على التخلي عن أسلحتها النووية والانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وأن تقوم مفتشية الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتطبيق نفس معايير التفتيش التي تُطالب بها إيران.
وعمليًا، يمكن القول إن معظم دول المنطقة تُشارك إيران هذا المطلب.
وفي حين تريد الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق سريع يمكن للرئيس الأميركي التباهي به دون تقديم تنازلات كبيرة، وتأجيل القضايا الخلافية لاحقًا، فإن إيران تسعى إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات بشكل كامل وضمان أمنها.
وتكمن عقدة المفاوضات بين الجانبَين في هذه النقطة، إذ لم تقدم الولايات المتحدة أيَّ عرض ملموس بشأن مطالب إيران برفع العقوبات، وضمان عدم خروج واشنطن من أي اتفاق مجددًا، أو التزامها بتنفيذ تعهداتها.
ويُذكر أن المفاوضات لم تبدأ مع الجولة الأولى العلنية في مسقط، بل كانت هناك مفاوضات غير علنية منذ عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وخلال تلك المفاوضات، عرض الأميركيون السماح بدخول الشركات الأميركية الكبرى إلى السوق الإيرانية والاستثمار في المشاريع الاقتصادية الكبرى كضمانة لعدم انسحاب أي إدارة مستقبلية من الاتفاق، نظرًا لما لهذه الشركات من نفوذ داخل الكونغرس.
كما وضع الجانب الأميركي مقترحًا جديدًا يقضي بأن يتحول أي اتفاق إلى معاهدة سلام تُوقع من قبل رؤساء الدول وتُصادق عليها برلمانات البلدين (الكونغرس الأميركي ومجلس الشورى الإسلامي الإيراني). لكنّ الأميركيين اشترطوا أن يتم الاتفاق قبل الانتخابات النصفية للكونغرس، إذ يستطيع ترامب حاليًا تمريره، لكن التغييرات السياسية بعد الانتخابات قد تحول دون ذلك.
إعلان
ورغم هذا، يعتبر الإيرانيون هذه المقترحات شفوية وغير كافية، في حين أن ما تطلبه الولايات المتحدة من تقليص للبرنامج النووي الإيراني مطالب ملموسة وعملية.
وفي الجولة الثالثة من المفاوضات اجتمع الخبراء الأميركيون والإيرانيون لبحث مطالب الولايات المتحدة بشأن ما يقنعها بسلمية البرنامج النووي الإيراني، وقدم الأميركيون في هذا الصدد عدة مطالب، أهمها كان:
أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، وتقوم باستيراد اليورانيوم الذي تحتاجه لبرنامجها النووي من الخارج مع ضمانات بأن تقوم روسيا بتقديم اليورانيوم الذي تحتاجه إيران لبرنامجها النووي، وهذا ما تم رفضه من قبل الجانب الإيراني على أساس أنه يسلب إيران حقوقها المشروعة دوليًا. أن تسمح لمفتشين أميركيين بتفتيش المنشآت الإيرانية المشكوك بأمرها. والموقف الإيراني كان أنه يمكن السماح للأميركيين بالمشاركة في فرق تفتيش المنظمة الدولية للطاقة الذرية شرط أن يكون التفتيش مقصورًا على المنشآت النووية. يحتاج الأميركيون للتأكد من أن إيران لا تقوم بتصنيع صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية، وعلى هذا الأساس يريدون تفتيش بعض المنشآت العسكرية الإيرانية، وهذا ما تمّ رفضه بشكل كامل، حتى إن الجانب الإيراني هدد بوقف المفاوضات إذا ما طرح الأميركي هذا الموضوع مجددًا، وحسب ما تسرّب عن الجولة الثالثة من المفاوضات، فإن وزير الخارجية الإيرانية أعلن أنه لن يستمر بالمفاوضات، وسوف ينسحب الوفد الإيراني، وتوقفت المفاوضات لمدة ساعتين، حتى توسط وزير الخارجية العُمانية، وسحب الأميركي هذا الطلب، وقبل ألا يطرحه مجددًا حسب الشروط المتفق عليها قبل بدء المفاوضات. إخراج اليورانيوم المخصب بنسب تزيد عن الـ 3.67% من إيران إلى روسيا أو ترقيقه وتحويله إلى قضبان نووية لا يمكن استخدامها لصناعة الأسلحة. وقد ردت إيران بأنه ما دام ليس هناك أي ضمانات عملية من قبل الجانب الأميركي، فإنها تريد الإبقاء على هذا اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية تحت إشراف المنظمة الدولية للطاقة الذرية، مع شرط السماح بشكل مكتوب لها بإخراج هذا اليورانيوم والاستفادة منه إذا ما نكثت الولايات المتحدة أي تعهد لها في الاتفاق أو خرجت منه. استثمار الشركات الأميركية في المشاريع النووية الإيرانية كي تكون الولايات المتحدة على إشراف كامل لهذا البرنامج. ويبدو أن إيران لا تمانع في هذا الموضوع، وهي مستعدة لإعطاء الشركات الأميركية عددًا من المشاريع، إما بشكل كامل، أو في صورة أسهم في شركات مشتركة يتم تأسيسها من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، وصرّح وزير الخارجية الإيرانية رسميًا بأن إيران تريد إنشاء 19 محطة نووية جديدة يمكن للولايات المتحدة المشاركة في تأسيس أي من هذه المشاريع. أن يكون الاتفاق دون إطار زمني مثل الاتفاق النووي الذي هو محدود بفترة زمنية بعنوان الغروب.إعلان
أما ما تطالب به إيران، فهو:
رفع العقوبات الأميركية بشكل كامل، وتكون الخطوة الأولى هي رفع كل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران بعد خروجها من الاتفاق النووي، بمجرد التوقيع على اتفاق جديد، مع ضمان عدم عودة هذه العقوبات بعناوين أخرى على إيران. ضمان تنفيذ الولايات المتحدة كل تعهداتها في أي اتفاق، وأن يكون هناك بنود واضحة لتغريم الولايات المتحدة، والسماح لإيران بوقف تنفيذ تعهداتها إذا ما لم تقم الولايات المتحدة بتنفيذ تعهداتها، أو تعللت في تنفيذ تعهداتها. أن تقدم الولايات المتحدة ضمانات مقبولة من أنها لن تخرج من أي اتفاق يتم، ولا تقوم أي إدارة مقبلة بالخروج من الاتفاق مجددًا. تعويض إيران عن الأضرار التي تكبدتها جراء خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي السابق، والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة خارج البلاد، وفتح القنوات المصرفية للتعامل مع إيران. أن تتولى الولايات المتحدة مسؤولية وقف تهديدات الأوروبيين بتنفيذ بند الزناد في الاتفاق النووي، وإعادة العقوبات الدولية بدل العقوبات الأميركية على إيران. وقف الولايات المتحدة كل أعمالها العدائية تجاه إيران، العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، مع بدء المفاوضات أو بعد التوصل لأي اتفاق. وفي حين قبل الجانب الأميركي ضمنيًا بهذا البند، ولكن استمرار تهديدات الوزراء الأميركيين تجاه إيران، واستمرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على إيران، كان أحد الأسباب التي أدت إلى تعليق الجولة الرابعة من المفاوضات.وكان مقرّرًا أن يجتمع الخبراء الاقتصاديون للجانبين في الجولة الرابعة من المفاوضات كي يبحثوا العروض الاقتصادية الأميركية للإيرانيين مقابل طلباتهم، ولكن في اللحظات الأخيرة أعلن الأميركيون أن فريقهم الاقتصادي غير جاهز، ما أدى إلى تأجيل هذه الجولة. يضاف إلى ذلك أن بقاء ستيف ويتكوف مسؤولًا عن المفاوضات ليسَ محسومًا.
إعلان
وعمومًا، فإسرائيل ليست الطرف الوحيد المنزعج من هذه المفاوضات، فهناك أطراف أخرى أهمها هي الترويكا الأوروبية، المنزعجة من تهميش دورها في المفاوضات النووية، لإدراكها أن هذا التهميش مقصود من قبل الجانب الأميركي، الذي يريد اتفاقًا حصريًا لنفسه، وأن تحظى الولايات المتحدة بالكعكة الاقتصادية الإيرانية.
يعتبر الأوروبيون أنهم كانوا أكبر المتضررين من العقوبات الأميركية، بسبب خسارة شركاتهم مشاريعها الاقتصادية في إيران، في حين يعتبر الأميركيون أن الأوروبيين قاموا باستغلال العقوبات الأميركية على الشركات الأميركية التي تتعامل مع إيران لسلبها حصتها في الأسواق الإيرانية.
ويمكن القول إجمالًا إن الإيرانيين يفضلون تقسيم كعكتهم الاقتصادية مع دول مختلفة، وعدم حصرها بالولايات المتحدة، ولكنهم عمومًا منزعجون أيضًا من الأوروبيين الذين دخلوا المفاوضات النووية كضامنين للاتفاق النووي، ولكنهم انسحبوا من الأسواق الإيرانية قبل الأميركيين أنفسهم، ولم يلتزموا بتعهداتهم تجاه إيران.
من جهة أخرى، تولي روسيا اهتمامًا كبيرًا بهذه المفاوضات حتى إنها لعبت أحيانًا دور الوساطة بين إيران وإدارة ترامب. وفي حين أنها تفضل أن يتم الاتفاق بين إيران والولايات المتحدة بالتزامن مع اتفاق روسي أميركي حول أوكرانيا، فإنها تبقى مهتمة جدًا بالحفاظ على علاقاتها مع إيران، وخاصة المعاهدة الطويلة الأمد التي تم توقيعها بين البلدين، وألا يؤدي أي اتفاق إيراني أميركي إلى التأثير على العلاقات الإيرانية مع روسيا، ولهذا فإنها مستعدة كي تلعب دور الوسيط أو الضامن نوعًا ما.
أما الصين، فقد بنت علاقات تجارية وطيدة مع إيران خلال السنوات الماضية، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وهي أيضًا تنظر باهتمام للمفاوضات الإيرانية الأميركية، وحريصة على الإبقاء على دورها وحصتها في الاقتصاد الإيراني.
إعلان
ولهذا السبب نرى الطرف الإيراني يحاول جهده لطمأنة الجانبين الروسي والصيني، أن أي اتفاق مع الولايات المتحدة لن يؤدي إلى إضعاف علاقات إيران مع هذه الدول. ويسافر وزير الخارجية الإيرانية إلى موسكو وبكين لوضع الحليفين الروسي والصيني في صورة ما يحصل في المفاوضات، وإضافة إلى ذلك، يخطط الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لزيارة الصين قريبًا للتأكيد على أن إيران لن تتخلى عن معاهدة التعاون الإستراتيجي بين البلدين إذا ما تم التوصل لأي اتفاق بين إيران وأميركا.
وعرض وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي عقد اجتماع مع الترويكا الأوروبية في روما لوضعهم في إطار المفاوضات، والتأكيد على أن إيران سوف تحتفظ بحصة الأوروبيين من الاقتصاد الإيراني، ولكنّ الأوروبيين تراجعوا في اللحظات الأخيرة عن الاجتماع، حيث كانوا ينتظرون رؤية نتيجة الجولة الرابعة من المفاوضات، التي تأجلت.
ويمكن القول إن سبب كل ذلك يكمن في أن الجانب الإيراني لا يثق بالجانب الأميركي، وهو متخوّف من أن الأميركي ممكن أن يتلاعب به، ولهذا لا يريد خسارة حلفائه الذين لا يزال يعوّل عليهم، ويريد الاحتفاظ بشعرة معاوية مع الأوروبيين على عكس ما يريده الأميركي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أخبار متعلقة :