الكويت الاخباري

3 نقاط تثير مخاوف دمشق وأنقرة من تحركات أكراد سوريا - الكويت الاخباري

دعا مؤتمر أكراد سوريا إلى سوريا ديمقراطية لا مركزية يتمتع فيها الأكراد بحقوق سياسية وثقافية ضمن رؤية لسوريا اتحادية أو فدراليّة، ما استدعى ردًا من الرئاسة السورية، وسيستدعي اهتمامًا تركيًا بعدّه نكوصًا عن الاتفاق بين الإدارة السورية، وقوات سوريا الديمقراطية.

السياق

كان أكراد سوريا في مقدمة الأطراف المستفيدة من التطورات اللاحقة للثورة السورية، ولا سيما ضعف قوة وقدرات الحكومة المركزية، فأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الإدارة الذاتية بداية عام 2014، على ثلاثة كانتونات في الشمال السوري، وبدأ الحديث عن فكرة دولة/ دُويلة كردية.

وكانت تركيا في مقدمة الرافضين لذلك من باب التأثير السلبي المتوقع على الملف الكردي الداخلي، إذ إن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية وانفصالية في تركيا. وقد أدى ذلك فعلًا لنكوص الأخير عن المسار السياسي الداخلي، واستئناف الهجمات، وإعلان الإدارات الذاتية في جنوب وجنوب شرقي تركيا.

نفذت أنقرة عدة عمليات عسكرية للحيلولة دون إنشاء كيان سياسي على حدودها الجنوبية يرتبط بالكردستاني، وبقي الدعم الأميركي للمليشيات الكردية الملف الخلافي الأبرز بين أنقرة وواشنطن، ولم يخفف منه سعي الأخيرة لتحويل وحدات حماية الشعب – الذراع العسكرية لحزب الاتحاد – إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسَد" بتطعيمها بعناصر إضافية. وبقيت أنقرة تلوّح بعملية عسكرية إضافية ضد قسد ما لم تتخلَّ عن مشاريعها الانفصالية ذات الطابع الإقليمي.

إعلان

مع إطلاق عملية "ردع العدوان" ورصد تحركات لقسد، تحرّكت الفصائل المنضوية تحت الجيش الوطني السوري المقرب من تركيا ضد الأخيرة.

ومع سقوط النظام، تحوّلت مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها قسد إلى مصدر القلق الأبرز لكل من دمشق وأنقرة بعدِّها التهديد المحتمل لوحدة أراضي سوريا، خصوصًا بعد تصريحات من كل من الحكومة "الإسرائيلية" وقيادات في قسد بخصوص التعاون المحتمل، ولا سيما ضد تركيا.

جددت أنقرة تلويحها بعملية عسكرية جديدة ضد قسد، لكنها أبدت ارتياحها لأي مساعٍ داخلية سورية – سورية تمنع سيناريوهات التقسيم، ولذلك فقد عبّرت عن ارتياحها للاتفاق الذي عقده الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قسد مظلوم عبدي في مارس/ آذار الفائت، خصوصًا أنه أتى بعد نداء عبدالله أوجلان بحل العمال الكردستاني، وإلقاء السلاح، وإن ظل ترحيب أنقرة حذرًا ومصحوبًا بتأكيد متابعتها للتنفيذ وإبقائِها جميع الخيارات على الطاولة.

المؤتمر

يوم السبت الفائت، نظمت قوى وأحزاب كردية سورية في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة مؤتمرًا للحوار الوطني الكردي تحت عنوان "مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي"، شارك فيه أكثر من 400 شخصية سياسية من ممثلي الأحزاب الكردية في مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي. كما شارك في المؤتمر قياديون في أحزاب كردية من العراق وتركيا، فضلًا عن ممثلين عن الولايات المتحدة، وفرنسا والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.

وقد جاء المؤتمر الذي هدف لبلورة موقف موحد للقوى الكردية السورية نتاجًا لسنوات من التفاوض بين التيارين الرئيسين في المشهد السياسي الكردي السوري: حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكردي، وبوساطة مباشرة من القيادي الكردي العراقي مسعود البارزاني، وكذلك برعاية فرنسية وأميركية.

جاء توقيت المؤتمر لافتًا، إذ عقد بعد الاتفاق المشار له بين الشرع وعبدي والذي قضى بدمج قسَد في مؤسّسات الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السوريّة، ورفض التقسيم، وتضمن مدة للتنفيذ حتى نهاية العام، ثم بعد مواقف لقسد انتقدت الإعلان الدستوري، ثم تشكيلة الحكومة الأخيرة اللذَين رأت أنهما لا يعكسان التنوع السوري.

إعلان

في ختام المؤتمر، أعلن عن وثيقة سياسية تأسيسية من 26 بندًا موزعة على محورين رئيسين: المجال الوطني السوري، والمجال القومي الكردي، بعدِّها منطلقًا للحوار "مع جميع الأطراف" الكردية منها والإدارة السورية. وقد دعت الوثيقة إلى حقوق سياسية وثقافية للأكراد ضمن رؤيتها لسوريا ديمقراطية ولا مركزية.

وفي تعقيبها على مخرجات المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا دعا قسَد للالتزام الصادق بالاتفاق المبرم مع الإدارة، وانتقد ما أسماه تكريس واقع فدرالي أو إدارة ذاتية دون توافق، وحذّر من توجهات نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، مؤكدًا على أن "وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خط أحمر"، وأن تجاوز ذلك يُعدُّ "خروجًا عن الصف الوطني، ومساسًا بهوية سوريا الجامعة".

مؤشرات مقلقة

يؤكد بيان رئاسة الإدارة السورية أنها ترى في مخرجات المؤتمر نكوصًا عن اتفاق مارس/ آذار بين الشرع وعبدي، لا سيما أنه تزامن مع تعثّر تطبيق الاتفاق الخاصّ بسدّ تشرين.

شكّل المؤتمر في بعض تفاصيله ومخرجاته مصدر قلق لدمشق، وهو قلق تشاركها فيه أنقرة. ففي المقام الأول، لم يكن المؤتمر "كرديًا سوريًا" صرفًا، فكان البعد الكردي الإقليمي حاضرًا بشكل لافت في الحضور والكلمات الرئيسة، وتحديدًا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وممثل مسعود البارزاني من العراق، وحزب ديمقراطية ومساواة الشعوب من تركيا. كما أن مشاركة ممثلين عن واشنطن وباريس والتحالف الدولي منحت المؤتمر بعدًا دوليًا لا تحبّذه دمشق.

لم تقف الرمزيات عند هذا الحد، بل حضر العلم السوري ضمن عدة أعلام أخرى في منصة المؤتمر، ما يقدح من وجهة نظر دمشق في "سوريّة" المؤتمر، والتزام السقف الوطني المحلي، فضلًا عن الإشارة في مخرجات المؤتمر للإدارة السياسية كأحد الأطراف التي سيُتوجه لها للحوار حول الوثيقة السياسية التأسيسية.

إعلان

في المضمون، ثمة ثلاث نقاط رئيسة تثير قلق دمشق بشكل كبير:

أولاها الدعوة الضمنية للفدرالية (أو الإدارة الذاتية؟)، رغم الحديث المتكرر على لسان أكثر من متحدث وفي الوثيقة عن وحدة سوريا. حيث ينص البند الرابع من المحور الأول (الوطني السوري) على "سوريا لا مركزية" تتضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة "بين المركز والأطراف".

كما أن البند الأول من المحور الثاني (القومي الكردي) يدعو إلى "توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سوريا اتحادية". وهي بنود ترى دمشق أنها لا تتفق ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا ونظامًا سياسيًا.

أما الثانية فهي السعي لإقحام أطراف خارجية في ملفات داخلية، مثل الدعوة "لتشكيل هيئة دستورية برعاية دولية" تضم ممثلي كافة المكونات السورية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري "بصلاحيات تنفيذية كاملة"، وهو ما لا يكتفي بنسف الإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية، وإنما يدعو لدور خارجي "يرعى" هذا المسار. وأما النقطة الثالثة فهي الدعوة لنظام حكم برلماني بما يتعارض مع توجهات الإدارة السورية الانتقالية، وإن كان أقل إزعاجًا من البنود المتعلقة بالنظام السياسي، ومكان المكوّن الكردي منه.

هذه النقاط تثير قلق تركيا كذلك، أولًا من حيث هي تراجع عن اتفاق قسد مع الإدارة السورية، وثانيًا لأنها بهذا المعنى تعيد إحياء هواجس الفدرالية والإدارات الذاتية وسيناريوهات التقسيم، وثالثًا بسبب ما تردد عن دعوات لإنهاء الوجود التركي العسكري في سوريا، وإلغاء اتفاق أضنة، وغير ذلك مما يلي أنقرة بشكل مباشر، وإن لم يُنص على ذلك في الوثيقة فيما نشر.

لم يصدر تعقيب رسمي مباشر من أنقرة على المؤتمر، لكن يتوقع أن يكون موقفها محذرًا من المسارات الانفصالية ومشاريع الفدرالية والإدارات الذاتية والنكوص عن اتفاق مارس/ آذار الفائت، وخصوصًا في جزئية اندماج قوات قسد في المؤسسة العسكرية الرسمية.

إعلان

وبالتالي، سيعود الخطاب الرسمي التركي للتلويح بالتدخل المباشر في حال نكصت قيادة قسد عن الاتفاق ورفضت حل نفسها و/أو الاندماج، ما يعني عودة العملية العسكرية ضمن خيارات أنقرة، بشكل منفرد أو – وهو الأرجح – بالتعاون مع دمشق.

لا شك أن قرار عملية عسكرية جديدة لن يكون سهلًا في ظل الظروف الحالية والتطورات الأخيرة، لكن تركيا ترى أنها أمام فرصة تاريخية لا ينبغي التفريط فيها وإلا صير إلى تثبيت حقائق يمكن لها الإضرار بها على المدى البعيد، كما أنها تنظر لقرار سحب بعض القوات الأميركية من سوريا كعنصر ضغط إضافي على قسد سيعمل لصالحها وصالح دمشق.

وهو الأمر الذي تدركه قسد بالتأكيد، ولذلك فقد كان من اللافت تأكيد أكثر من قيادي كردي لوسائل الإعلام على أن الوثيقة السياسية هي منطلق (وليست نهاية) للحوار مع دمشق، وأن هناك مرونة عالية ورغبة حقيقية في التوصل لاتفاق معها.

حتى ذلك الحين، ستطالب أنقرة الإدارة السورية بالتعامل بحزم وحسم مع هذا الملف، وستعرض بالتأكيد دعمها وإمكانية المساعدة في أي مسار تنتهجه دمشق إزاءه. ما يعني أن القرارات النهائية لكل من أنقرة ودمشق ستتبلور بشكل أوضح بعد الحوار المفترض أن يجرى بين الإدارة السورية والقوى الكردية بخصوص الوثيقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

أخبار متعلقة :