يثير مقتل صحفي غربي في أي منطقة ضجة إعلامية عالمية وإدانات رسمية من الحكومات والبرلمانات، في حين تمر جرائم قتل الصحفيين في غزة في صمت مدوٍ رغم ارتفاع أعدادهم إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، كشف فرانك سمايث، الخبير في أمن الصحفيين ومؤسس "المنظمة العالمية لأمن الصحفيين" -في مقابلة مع برنامج "المنطقة الرمادية"- عن حقائق صادمة حول الاستهداف المنهجي للصحفيين في قطاع غزة، والتمييز الواضح في التعامل الدولي مع ضحايا المهنة.
وبحسب الأرقام التي قدمها سمايث، ارتفع عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين استشهدوا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أكثر من 240 صحفيا، مما يجعل هذا الرقم الأعلى في تاريخ الصراعات المسلحة الحديثة.
وللمقارنة، يفوق هذا العدد بـ6 مرات عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال حرب البوسنة التي استمرت 4 سنوات كاملة والتي شهدت مقتل 45 صحفيا، رغم أنها عُرفت بكونها الصراع الأكثر دموية للصحافة بالتاريخ الحديث.
ومن جانبه، يعزو الخبير الأمني هذا الارتفاع الهائل في أعداد الضحايا إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها منع السلطات الإسرائيلية الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة، مما ترك الصحفيين الفلسطينيين معزولين دون دعم أو تضامن دولي.
كما أضاف سمايث أن معظم هذه الهجمات كانت عشوائية استهدفت السكان المدنيين، لكن توجد أدلة على استهداف متعمد للصحفيين في بعض الحالات، خاصة في جنوب لبنان.
وعلى صعيد آخر، تكشف المقارنات الصارخة في ردود الفعل الدولية عن معايير مزدوجة واضحة في التعامل مع أرواح الصحفيين.
فبينما تثور العواصف الإعلامية والسياسية عند مقتل مراسل غربي، تصمت الأصوات عندما يقتل صحفي فلسطيني بالقصف أو رصاص القناصة.
حقيقة مؤلمة
وفي هذا الصدد، يرى سمايث أن هذا التمييز يعكس حقيقة مؤلمة مفادها أن حياة الفلسطينيين لا تُعتبر متساوية مع حياة الغربيين في نظر العديد من وسائل الإعلام الغربية.
ولعل قضية الصحفية شيرين أبو عاقلة تمثل مثالا صارخا على هذا الإفلات من العقاب، حيث قُتلت المراسلة الأميركية الفلسطينية في الجزيرة برصاص القوات الإسرائيلية رغم كونها جزءا واضحا من الطاقم الصحفي.
إعلان
ورغم ذلك، لم تشهد هذه القضية أي محاسبة أو عدالة، مما يكشف خواء الحماية الدولية للصحفيين عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
وحول الحماية القانونية، يؤكد خبير الأمن أن القوانين الدولية الحالية تحمي الصحفيين كمدنيين، لكن المشكلة تكمن في عدم تطبيق هذه القوانين عمليا.
وفي المقابل، يرفض سمايث فكرة سن قوانين خاصة منفصلة لحماية الصحفيين، معتبرا أن استهداف أي مدني يُعد جريمة حرب بغض النظر عن مهنته، وأن القوانين الموجودة كافية إذا طُبقت بعدالة.
ومن جانب آخر، فتواجه برامج التدريب الأمني للصحفيين تحديات جديدة في ظل الاستهداف المتعمد للمراسلين، حيث يوضح سمايث أن التدريب مفيد في تعليم مهارات الحماية والإسعافات الأولية، لكنه لا يمكن أن يحل محل وجود حكم القانون الذي يُفترض أن يردع المقاتلين عن خرق قوانين الحرب.
وعلى أرض الواقع، وفي ظل القصف العشوائي المكثف، يصبح الأمر مسألة حظ أكثر منها مهارة أو تدريب.
الصحفي أصبح هدفا
وبشكل عام، تغيرت طبيعة المخاطر التي تواجه الصحفيين جذريا منذ أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، عندما كانت كلمة "صحافة" على السترات والمركبات توفر نوعا من الحماية.
واليوم، باتت هذه العلامات تجعل من الصحفي هدفا وليس محميا، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في مناطق صراع أخرى حول العالم.
إلى جانب ذلك، يحذر سمايث من أن انهيار منظومة القانون الإنساني الدولي في غزة يشكل مأساة لا تطال الفلسطينيين وحدهم، بل العالم أجمع.
وبحسب رؤيته، إن لم تكن الحقوق متساوية للجميع، فهي ليست متساوية لأي أحد، حيث يدعو إلى إنهاء الاحتلال كحل جذري للصراع، معتبرا أن المقاومة عمل مشروع في ظل الوضع الراهن.
وتستمر الحرب على الحقيقة في تصاعد، لكن طالما يواصل الصحفيون الظهور والشهادة تبقى الحقيقة حية، كما يقول سمايث للصحفيين الشباب "الحقيقة مهمة، والتاريخ مهم، والوقائع لها وزن، دوركم في كشف هذه الحقائق له قيمة حقيقية، وكل جهد يُبذل لإبراز الحقيقة وتحقيق المساءلة له قيمة. وهذا بحد ذاته يستحق العناء".
أخبار متعلقة :