الكويت الاخباري

كيف تفاعل السوريون مع الهوية البصرية الجديدة للدولة؟ - الكويت الاخباري

دمشق- بعد عقود من حكم حزب البعث، أعلنت الحكومة السورية، أمس الخميس، عن تغيير الهوية البصرية للدولة، في خطوة حملت دلالات رمزية وسياسية تهدف إلى ترسيخ حضور "سوريا الجديدة"، في وقت يعاني فيه السوريون من آثار حرب دامت أكثر من عقد وأفرزت تغيرات جذرية في البنية السكانية والهوية الوطنية والعلاقات بين الدولة والمجتمع.

يمثل هذا التحول، بحسب مراقبين، محاولة للقطيعة مع إرث الدولة الأمنية وتأسيس عقد اجتماعي جديد، حتى وإن كان التغيير محصورا حاليا في الجانب الرمزي. وأثار الإعلان الجديد جدلا واسعا في الأوساط السورية، بين من يراه خطوة ضرورية لتجاوز الماضي، ومن يعتبره محاولة سطحية لصرف الأنظار عن أزمات أكثر إلحاحا كعودة اللاجئين وإعادة الإعمار.

في هذا التقرير، تستعرض الجزيرة نت آراء شخصيات سورية حول دلالات الهوية البصرية الجديدة، وسياقاتها السياسية والاجتماعية، وتحديات المرحلة الانتقالية.

قطيعة معنوية

يرى الكاتب والصحفي السوري قحطان الشرقي أن التغيير في الهوية البصرية يتجاوز الشكل إلى المضمون. وقال للجزيرة نت إن التغيير لا يقتصر على الشكل، بل يمثل قطيعة رمزية ومعنوية مع 6 عقود من القمع والدمار الممنهج للهوية السورية.

وأوضح أن التصميم الجديد، المتمحور حول رمز طائر العُقاب، يعكس توجها لإعادة بناء الإنسان السوري، "كما أشار إليه الرئيس محمد الشرع". أن العُقاب، الذي كان رمزا للقوة في الفتوحات الإسلامية وما بعد الاستقلال، يجسد اليوم وحدة سوريا عبر جناحيه اللذين يرمزان إلى محافظات البلاد 14، وعناصره السفلية التي تشير إلى أقاليمها الخمسة.

وحسب الشرقي، تحمل الهوية الجديدة 5 رسائل:

الاستمرارية التاريخية. تمثيل الدولة الجديدة. تحرر الشعب. وحدة الأراضي. عقد وطني يصون كرامة المواطن.

وأكد أن التغيير فرصة لإعادة بناء سردية وطنية جامعة.

إعلان

يُشار إلى أن الهويات البصرية ليست مجرد عناصر تصميمية، بل أدوات رمزية تعبّر عن هوية الدول وتوجهاتها، وتؤثر في تشكيل الوعي الجمعي، خصوصا في المجتمعات الخارجة من النزاعات.

أولويات

وبخصوص أولويات المرحلة الانتقالية، دعا زكريا ملاحفجي، الأمين العام للحركة الوطنية السورية، إلى التركيز على مضمون الدولة الجديدة "بدلا من الشكليات". وقال للجزيرة نت: "الاهتمام بالهوية البصرية يبقى شكليا مقارنة بما هو أعمق. نحتاج إلى مضمون يعكس أداء فعّالا، وتطويرا شاملا، وتعايشا حقيقيا بين مكونات المجتمع".

وأشار ملاحفجي إلى أن إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مبادئ الشفافية والكفاءة والتعددية السياسية يجب أن تكون الأولوية القصوى، مضيفا أن "الهوية السورية لا تُبنى فقط بشعار جديد، بل من خلال مشروع وطني جامع يستوعب الجميع".

ووفقا له، فإن أية هوية جديدة يجب أن تشمل ضمانات دستورية لحقوق الأقليات، وإطارا قانونيا يحفظ حرية التعبير والعدالة الانتقالية، مع ضمان عودة اللاجئين كجزء من التفاهم الوطني.

من جانبه، شدد بسام العمادي، سفير سوريا الأسبق في السويد، على ضرورة تحديث المؤسسات بما يتناسب مع التغيير الرمزي. وقال للجزيرة نت: "الخطوة ممتازة ونأمل أن تتبعها خطوات مماثلة، لأنها تعكس توجها لبناء دولة جديدة تسعى لإعادة هيكلة مؤسساتها".

وأضاف أن الدولة السورية، رغم استمرار بعض مؤسساتها خلال سنوات الحرب، لا تزال بحاجة إلى إعادة تنظيم وظيفي وإداري يضمن الفعالية والمساءلة، مشيرا إلى ضرورة الانفتاح على الكفاءات السورية في الداخل والخارج.

تاريخيا، لم تشهد سوريا منذ الاستقلال تحولا مؤسساتيا شاملا إلا بعد انقلابات عسكرية، وكان لكل منها هوية وشعار يعكسان طبيعة النظام الجديد، مما يجعل من هذا التغيير الرمزي فرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع.

توجّه جديد

من ناحيته، عبّر المهجّر يحيى السالم، من مخيمات الشمال السوري، عن إحباطه من التركيز على الرموز في ظل معاناة المهجرين. وقال للجزيرة نت "الهوية البصرية لا تعنينا ما دمنا بعيدين عن ديارنا. الحكومة لا تولي اهتماما كافيا لعودتنا، بينما نشهد اعتداءات من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)".

وطالب بتحقيق الاستقرار وتوحيد البلاد كأولوية "قبل الحديث عن هوية تمثل الجميع"، مشيرا إلى "مقتل طفل واعتقالات في الجزيرة السورية -المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات- كمؤشرات على استمرار التحديات الأمنية".

يلفت هذا الصوت إلى "فجوة قائمة" بين ما يُطرح على مستوى الخطاب الرسمي، وبين ما يعيشه ملايين السوريين في مناطق النزوح، مما يعيد فتح النقاش حول جوهر مفهوم "الهوية الوطنية".

سوريون رأوا أن الهوية البصرية الجديدة تعبر عن توجه سياسي جديد للدولة (الفرنسية)

أما الكاتب والإعلامي إبراهيم الجبين فاعتبر أن الهوية البصرية الجديدة تعبر عن توجه سياسي جديد للدولة. وقال للجزيرة نت: "سوريا الدولة والمجتمع بحاجة إلى تطوير حضورها، خطابها، ومفاهيمها. الهوية البصرية جزء أساسي من ملامح الدولة التي استحوذ عليها نظام البعث منذ 1963 لخدمة مشروعه الأيديولوجي، مسيطرا على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر أدوات مثل منظمات الطلائع والشبيبة وحزب البعث".

إعلان

وأضاف الجبين "لقد طوّق النظام حياة الأفراد منذ الطفولة، من شعار الدولة إلى العملة وجواز السفر والزي المدرسي"، واعتبر أن التغيير الأخير، الذي أقره الشرع، قرار في الاتجاه الصحيح لأنه يعكس هوية سياسية جديدة بعيدة عن الأيديولوجيا الحزبية، ويعيد التأكيد على الانتماء العربي عبر رمز طائر العُقاب وخط الثلث.

وبرأيه، فإن الجدل المثار طبيعي ويعكس حيوية الثورة السورية، لكنه أثار أسئلة دستورية حول مشروعية التغيير دون تصويت برلماني، مضيفا "من المتوقع أن تردّ الدولة بأنها حدّثت الشعار ولم تغيره، وربما تحيله إلى مجلس الشعب".

أخبار متعلقة :