الكويت الاخباري

"طهران الضوء القاتم".. رواية عن "الخوف من الخوف"! - الكويت الاخباري

 

كتبت بديعة زيدان:

 

"كنا وكأننا وضعنا رأسنا في فم بئر لا يسمع صوتنا أحد إلا نحن... إن الإنسان غريب حتى في بلده".. تختصر هذه العبارة رواية "طهران الضوء القاتم"، النسخة العربية لرواية الإيراني أمير حسن جهلتن الأولى، المعروفة بعنوان "روضة قاسم" بالفارسية، وكتبها في العام 1983، بينما كان على الجبهة منخرطاً في صفوف الجيش الإيراني يحارب العراقيين، لكن أصدقاء له، نشروها بعد سبعة عشر عاماً أو عشرين عاماً، على اختلاف الروايات والمراجع، إثرَ رفض الرقابة نشرها، لأسباب لا يزال يجهلها صاحبها، خاصة أنها تدين القمع بأشكاله المتعددة، وخاصة العنف السياسي والأمني في عهد الشاه محمد رضا بهلوي بشكل أساسي.
الرواية الصادرة عن منشورات الربيع في العاصمة المصرية القاهرة، بترجمة غسان حمدان، ترصد حكاية أسرة في عهد الملكية في إيران، يتم اعتقال أحد أفرادها، ويدعى "قاسم"، ويُقتل الآخر "العم حسين"، لكونهما معارضيْن شيوعيّين، متناولاً تلك الفترة المظلمة في إيران، وما كان يحدث فيها من سجن وتعذيب واغتيالات، وهو ما يرويه الشقيق الأصغر ابن العاشرة عن شقيقه الذي يعود إلى المنزل بعد عامين من الاعتقال مريضاً نفسياً من آثار التعذيب، وهول ما رآه خلال فترة اعتقاله، حتى تقرر العائلة إيداعه مصحة نفسية، يخرج منها معارضاً للنظام من جديد، أو لعله مُعارضاً للنظام الجديد.
في الليلة الأولى التي غاب فيها قاسم عن المنزل، ذهبت عائلته إلى جامعته وبحثت عنه، لكنهم لم يعثروا عليه، وبعد قليل يُدهم المنزل للتفتيش، ما يجعل العائلة على قناعة أن اختفاءه مرتبط بنشاطاته المناهضة للنظام، إلا أنها تستمر في البحث عنه.
وعلى لسان من نعرف أنه "فرهاد"، في الصفحات الأخيرة من الرواية، نتعرف على التغيرات والمآسي التي حدثت لعائلته، إذ ينقل جهلتن صور النساء الثاكلات المتعبات وتفاصيل عن حياتهن، أيام حكم الشاه وبُعيده، كما يتضح من تأويل السرد، ومآلات السارد، في رحلة مفعمة بالمرارات التي لم تثقل كاهلهن فحسب، بل طحنتهن.
يرافق الطفل الراوي، أو "فرهاد"، والدته في رحلة البحث عن أخيه "قاسم" على أبواب المسؤولين، ويصف الاستعلاء من قبلهم، وشعورهم بالتفوق على المواطنين، وطريقة تعاملهم السيئة مع العامة، وكيف أنّ بحثهم كان محكوماً بالفشل لأنّ مصير المعتقلين السياسيين كان مجهولاً، بل إنه في أغلب الأحيان تتم تصفيتهم تحت ذرائع واتهامات ملفقة.
يسلط جهلتن الضوء على بعض مما كان يمارس في السجون الإيرانية أيام الشاه، والتي استمرت في حكم السلطات التالية، من تصفيات للمعارضين بوسائل مختلفة تثير الاشمئزاز، والتي تعبر عن مدى أحقادهم وعنفهم العدواني، حد الساديّة.
في مطلع الرواية يأخذنا الراوي أو الروائي أو كلاهما إلى حكاية "العمة بلقيس"، إحدى شخصيات الرواية، التي تحدثنا عن زوجها الذي انفصلت عنه، وعلاقته بالكولونيل البريطاني، وفترة فرض حظر الحجاب في إيران بقرار من الشاه، وكيف صفعت الجدّة، والدتها، جندياً حاول نزعه عن رأسها عنوة.
في سرد من نعرف أنه "فرهاد" متأخراً، نعيش المشاعر الحزينة لسكان البيت الذي لم يعد يسكنه "قاسم"، والدته ووالده، والخالة "رباب"، والخالة "أقدس"، والعم "يحيى"، علاوة على "العمة بلقيس"، و"الملا حسين" جارهم وزوجته، والمهندس "اشترى" وزوجته، وغيرهم.
نقل لنا الطفل ما عانته أسرته في مواجهة المجهول ومحاولتها تقدير مصير الرجلين اللذين اختفيا، ولم يتمكنوا من معرفة مصيرهم، فعبر سيرورة السرد وصيرورته نتعرف على حال المجتمع الإيراني الاجتماعي والثقافي في تلك الفترة الحساسة من التاريخ السياسي الإيراني.
شخصيات الرواية معظمها نسائية، لذا كان السرد طازجاً على الدوام، فتحت المظلة الكبيرة، ثمة العديد من التفاصيل الإنسانية الصغيرة التي قد لا يهم أياً منها إلا صاحبها أو صاحبتها، أو عدد قليل من المحيطين فيه، فهي رواية قد تبدو في شكلانيّتها سياسية، لكنها في واقع الأمر رواية أسرية حميمة تدور أحداثها داخل جدران بيت إيراني تفوح من رائحة زكيّة كالمأكولات اللواتي تصنعها نسوته، بعيداً عن صدامات ومسيرات وقنابل غاز وعنف شرطة في الشارع يغيب عن السطور والصفحات.
وبلغة سلسة مفعمة بالجماليات البصرية، نصل إلى الفصل الأخير، الذي يصدمنا بحيلة منح الراوي اسماً، وكأنه يميط اللثام عنه، كما أماطه عن تفاصيل كانت مُغيّبة عن حقبة الشاه الأخير، وما قبل، وما بعد، فالرواية تصور الفساد الاجتماعي والنفاق الأخلاقي في إيران خلال تلك الفترة، وتكشف عن استخدام السلطة لعصابات من العالم السفلي لفرض أهدافها، كما تتطرق لقمع المثقفين والمعارضين، كاشفة عن تفاصيل حول الوشاية والاضطهاد الممنهج.
تتمحور الرواية حول قضايا عدة، من بينها تصوير القمع، والعنف والبلطجة، وإسكات الأصوات المُعارِضة، كما تذهب "طهران الضوء القاتم"، أو "روضة قاسم" إلى الكشف عن مظاهر الفساد والمحسوبية التي كانت تتفشى في المجتمع الإيراني، وقتذاك، علاوة على إبرازها مصير المثقفين الذين تعرضوا للاضطهاد والسجن والتهجير بسبب آرائهم.. باختصار، تقدم رواية "طهران الضوء القاتم" صورة واقعية ومرعبة عن القمع والاضطهاد الذي كان يعيشه الشعب الإيراني في عهد الشاه، وتسلط الضوء على الجوانب المظلمة للنظام البهلوي، حيث وصل الأمر إلى درجة "الخوف من الخوف".
ويُعرَف جهلن بكونه واحداً من أبرز كتّاب الجيل الثالث من الروائيين الإيرانيين، في حين يصفه كتاب "قراءات في الرواية الإيرانية" لسليم عبد الأمير حمدان، بأنه متكأ مرحلة حلقة الوصل في الرواية الإيرانية، هو الذي كافح مع الرقابة حتى وصلت روايته الأولى "روضة قاسم" إلى المطبعة في العام 1983، غير أنها أوقفت في مرحلة التجليد لسبعة عشرة عاماً، إلى أن طبعها بعض أصدقائه خارج بلاده، في حين يشير الناشر بالعربية وآخرون إلى أن الرواية انتظرت عشرين عاماً قبل أن تُطبع.

 

أخبار متعلقة :