الكويت الاخباري

أحمد أبو سليم.. رحيل شاعر وروائي انحاز لـ "التجذيف عكس التيار"! - الكويت الاخباري

كتب يوسف الشايب:

 

"مع الأسف، يُعتبر السياسي المثقف عدواً.. المثقف مُحارب، وبذلك يكون جائعاً، فكثير من المثقفين يواجهون الخيار الصعب، أي إما العمل معي أو الجوع، حيث إن الأنظمة تستفيد من واجهة ثقافية لتقديم تبريرٍ أخلاقي لسلوكها، مهما كان مذموماً، ومن هنا، تستخدم بعض المثقفين ليدافعوا عنها ويصبحوا أبواقاً لها مقابل الامتيازات والحياة المريحة، بمعنى أن المثقف يواجه مقايضة، وهي أن يعمل لصالح النظام ويحصل على الامتيازات مقابل دفاعه عنهم، أو يُهمَّش إلى الأبد ولن يسمع به أحد ولن يستطيع إطعام نفسه، وبهذا الشكل، يتنازل المثقف أمام الضغط الذي تمارسه السلطة السياسية".
هذا ما قاله الشاعر والروائي الفلسطيني الأردني أحمد أبو سليم، الراحل مساء الحادي والعشرين من حزيران الجاري، في العاصمة الأردنية عمّان، في لقاء مع موقع إلكتروني، نهاية العام الماضي.
وفي أحد لقاءاته التلفزيونية، يتحدّث أبو سليم، عن تحدّيات الأدب الروائي في ظلّ الإبادة الإسرائيلية المستمرّة، فيشير إلى أن الجامع في السردية العامّة للهوية الفلسطينية هو المقاومة، وأن فلسطين حقّ للإنسان الفلسطيني.. هذا ما يشكّل، برأيه، قاعدة للأدب الذي يصل إلى العالم أجمع، وفي لقاء آخر أُجريَ معه، مؤخراً، أكّد أن مهمة الرواية العربية اليوم توثيق البطولة.
وغيّب الموت، الشاعر والروائي أحمد أبو سليم، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، واتحاد كتاب الإنترنت العرب، بعد مسيرة إبداعية متميزة، ظلّ فيها منحازاً للمقاومة وللقضية الفلسطينية وللشهداء.
نعى تيار القدس الثقافي في رابطة الكتّاب الأردنيين الراحل المبدع الشاعر والروائي أحمد ابو سليم، الذي توفي بعد صراع مع المرض.
ونعى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، الأديب أحمد أبو سليم، مشيراُ في بيان إلى أن “رحيل الشاعر والروائي والفنان البديع أحمد أبو سليم وفي هذه الظروف الصعبة والدقيقة، خسارة من العيار الثقيل، تزيد من أوجاعنا، وتجعلنا أكثر ألماً.. سلوانا أننا نودّع مبدعاً أعطى من جمال روحه، وكتب بحبره المقدّس عن الوطن السليب والحلم المرجو، وناضل من أجل كرامة الإنسان الفلسطيني بكل أمانة وإخلاص".
وُلد أحمد أبو سليم في مدينة الزرقاء الأردنية العام 1965، وتدرّج في تعليمه حتى نال درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من "جامعة الصداقة بين الشعوب" في موسكو العام 1992، لكن رحلته الفعلية مع الشعر لم تبدأ حتى العقد الأول من الألفية الثالثة، حيث أصدر خلالها أربع مجموعات شعرية، هي: "دمٌ غريب" (2005) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، و"مذكّرات فارس في زمن السقوط" (2006)، عن دار كنعان للطباعة والنشر في دمشق ومؤسسة عيبال للدراسات والنشر في قبرص، و"البوم على بقايا سدوم" (2008) عن دار نعمان للثقافة في لبنان، و"آنستُ داراً" (2010) عن الدار ذاتها.
في العقد الثاني من الألفية، قدّم الراحل أحمد أبو سليم أولى رواياته "الحاسة صفر" (2011) عن دار فضاءات للطباعة والنشر في عمّان 2011)، وتناول فيها تجربة خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982، وما تلاه من تشتّت المقاتلين الفلسطينيّين في منافي الدول العربية وانهيار خيار الكفاح المسلّح من أجل استرداد فلسطين. كما ألّف خلال هذه الفترة دراستين: "ناجي العلي: نبض لم يزل فينا" (2013)، بالاشتراك مع سليم النجار ونضال القاسم، و"الكنعاني" (2015) بالاشتراك مع صلاح أَبو لاوي ونضال القاسم.
وصدر للأديب الراحل في الرواية أيضاً: "ذئاب منوية" (2016) عن دار الفارابي في بيروت، و"كوانتوم" (2018) عن دار فضاءات للطباعة والنشر في عمّان، و"بروميثانا" (2020) عن دار هبة للنشر والتوزيع ودار الخليج للنشر في عمّان، و"يس" (2021) عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، وتتناول مجزرة دير ياسين، وفازت بجائزة أفضل عمل أدبي عن مهرجان "زهرة المدائن" للعام 2022، وخلّلت هذه السنوات عودة أبو سليم إلى الشعر مع مجموعة "ضدّ قلبك" (2017) عن دار فضاءات للطباعة والنشر في عمّان.
ختم الكاتب تجربته الإبداعية بعملين روائيين، حمل الأول عنوان "أزواد" (2023) عن الاتحاد العام للكتاب والأُدباء الفلسطينيين، وفاز عنه بجائزة فلسطين الدولية للآداب للعام 2024 عن فئة "الأدب المقاوم"، وهي الرواية التي تعكس واقع الفلسطيني.
شارك أبو سليم في برنامج أمير الشعراء، وحصل على لقب “شاعر القضية”، له قصص قصيرة وقصائد ومقالات منشورة في الصحف الأردنية والعربية، وشارك في عدد كبير من المهرجانات الثقافية في العواصم العربية.
وفي روايته "أزواد" قدّم أبو سليم، النضال الوطني الفلسطيني منذ ثورة 1936، وذكر أن رواية "أزواد" مستوحاة من عملية "عيون الحرامية" التي نفذها الأسير ثائر حمّاد، المحكوم بـ"11 مؤبداً" في السجون الإسرائيلية، فعنوانها يشير إلى المسافر الذي يحمل "زوادة طعامه" أثناء السفر.
وكان أبو سليم زار فلسطين في العام 2022، حيث شارك في فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب، وقتها، وفي تلك الفترة زار المنطقة التي وقعت فيها العملية، والتقى عددا ممن عرّفوه أكثر وعن قرب على منفذها، ليقدّم في الرواية نموذجاً للإنسان القناص المتمرس المثقف، مؤكداً أن النضال الفلسطيني ليس نبتاً شيطانياً، بل هو مواجهة للسردية الإسرائيلية، هو الذي لطالما كان من خلال أعماله الأدبية والشعرية يطرح الأسئلة بهدف الوصول إلى إجابات حقيقية.
التقى رئيسَ بلدية سلواد ومجموعة من أهاليها للتعرف على شخصية "ثائر" عن قرب، ومع ذلك كانت الشخصية الروائية في "أزواد" متخيلة ولكن موازية للشخصية الحقيقية، وهي الرواية التي قدم من خلالها تأطيراً للوطن الفلسطيني باعتبارها نموذجاً رفيعاً للإنسان المناضل.
والرواية الفائزة لم تجعل أبو سليم يغيّر من رأيه، فالجائزة بالنسبة له "ليست مقياساً، فهناك العديد من الأعمال الجيدة التي لا تفوز قد تكون أحياناً أفضل من الأعمال التي تحصل على الجوائز.. لم أتقدم لنيل الجائزة، بل تم اختيار العمل وتقديمه بالمصادفة وفاز، وهذا بحد ذاته أمر جيد"، ليضيف: "قد يكون عدم الحصول على بعض الجوائز هو بمثابة جائزة، والجميع يعرف أنني قمت بسحب ترشيح رواية "بروميثانا" من الجائزة العالمية للرواية العربية في وقت سابق، لأسباب سياسية، ومع ذلك، هناك بعض الجوائز التي تصدر عن الاتحادات أو المؤسسات المدنية التي تكون أقل سوءاً من جوائز أخرى".
وكان أبو سليم أشار في ندوة شارك فيها بعنوان "الرواية العربية في ميزان الجوائز"، ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي للكتاب للعام 2022، إلى أن "العلاقة بيننا وبين الغرب، الذي يمنح الجوائز الأدبية الكبرى عالمياً، لم تخرج عن علاقة المُستعمِر بالمُستَعمَر"، مشيراً إلى أن "الجوائز تهدف إلى تسليط الضوء على أعمال بعينها وكتّاب بأنفسهم، وبالتالي صناعة نجم في الأدب بهدف الترويج لمدرسة فكرية بعينها، وأفكار بعينها، تحت مسمى الحرية والتعددية والإبداع".
يبقى القول إن العديد من المبدعين الفلسطينيين والأردنيين والعرب ممن نعوا أحمد أبو سليم، شددوا على أنه تعرض وإبداعه إلى ظلم كبير، وهو ما أكد عليه، خلال حوار مع "الجزيرة نت"، نهاية العام الماضي، مؤكداً: بصراحة، لم أحصل على شيء من حقي، فلدي الكثير من الأفكار والمشاريع التي أود تقديمها.. هناك "لاءات" تفرض على الكاتب وإملاءات على المبدع، فإذا جذف عكس التيار، عليه أن يدفع الثمن.. دائماً ما تُسلط الأضواء على الكتّاب الذين يسيرون مع التيارات المختلفة، بينما من يحاول أن يعاند ويقدم صورة مختلفة تُغلق أمامه الأبواب.

 

أخبار متعلقة :