مع اشتداد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، اشتعلت جبهة أخرى موازية على ساحة الإعلام، حيث يخوض الطرفان معركة سرديات عنيفة تهدف للهيمنة على الرواية وتوجيه الرأي العام، وسط تضييق على الحريات الصحفية
وتناولت حلقة برنامج "المرصد" بتاريخ (2025/6/23) هذا الصراع الدعائي المواكب للمعركة العسكرية، مسلطة الضوء على الأدوات التي يستخدمها الطرفان في تكريس صورتيهما، سواء عبر المقاطع المنشورة رسميا أو التي ينشرها المواطنون، مع استحضار جوانب الرقابة الصارمة، خاصة في الجانب الإسرائيلي.
ومنذ فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، وبعد الهجوم الجوي الإسرائيلي على طهران، اندلعت مواجهة إعلامية شرسة بالتوازي مع القصف، وبدأت كل من إيران وإسرائيل حملات دعائية مكثفة لتثبيت سرديتهما للوقائع وتوجيهها بما يخدم أهداف الحرب.
وبينما اتخذت طهران إجراءات لضبط النشر والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، بدت الرقابة في إسرائيل أكثر شراسة، إذ بدأت بالتضييق على الإعلام الأجنبي، وشددت الخناق على المصورين والمراسلين، حتى أولئك الداعمين لها مثل قناة "فوكس نيوز".
حرب الصور كانت العنوان الأبرز، فالإيرانيون عرضوا صور حطام مسيرات إسرائيلية لإثبات فاعلية دفاعاتهم، بينما بثت تل أبيب مشاهد دقيقة لغاراتها على المنشآت النووية الإيرانية، مرفقة بصور ثلاثية الأبعاد وتسجيلات لاستهداف قيادات إيرانية بارزة.
الحرب البصرية
وتعاظمت الحرب البصرية مع كل هجوم، فالحرس الثوري الإيراني بث مقاطع لصواريخه تنطلق من منصاتها؛ مشاهد كثيفة اللهب توثق قصف تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى، بينما اكتفى الإعلام الإسرائيلي بإبراز استهدافاته وإخفاء حجم الأضرار في الداخل.
وفي الوقت الذي ضيّقت فيه إيران على من ينشر محتوى يهدد ما وصفته بـ"الأمن النفسي للمجتمع"، سن الكنيست الإسرائيلي قانونا جديدا قبل نهاية الأسبوع الأول من الحرب يقيد النشر والتصوير في زمن المعركة، ويفرض عقوبات تصل إلى 30 شهرا سجنا.
وشملت الإجراءات الإسرائيلية حظر تصوير القصف أو لحظات اعتراض الصواريخ، ومنع بث مشاهد الدمار على وسائل التواصل، وتضييقا على المراسلين الأجانب، خصوصا الذين تعتبرهم الحكومة "معادين"، مع مصادرة معدات بعضهم ومداهمة مقارهم.
إعلان
كما امتد المنع ليشمل المواطنين أنفسهم، إذ وثقت الحلقة تهديد مستوطنين لصحفيين، من بينهم مراسلة قناة ألمانية، واعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قناة الجزيرة تهديدا لأمن إسرائيل، داعيا السكان للإبلاغ عن أي تعاون معها.
وترافق التضييق على مشاهد الدمار مع السماح ببث صور من الملاجئ، في محاولة لجذب تعاطف الجمهور الغربي وتأكيد صورة إسرائيل بوصفها ضحية، رغم فشل منظومتها الدفاعية في صد بعض الضربات، ومنها الهجوم الفرط صوتي الذي ضرب تل أبيب يوم 19 يونيو/حزيران الجاري.
رسالة مضادة
في المقابل، سمحت السلطات الإيرانية لوسائل إعلام أجنبية بزيارة مجمع التلفزيون الذي استهدفته إسرائيل، بعد 3 أيام من الهجوم، في رسالة مضادة تؤكد عودة البث بسرعة وثبات العاملين فيه، وعلى رأسهم المذيعة سحر إمامي.
وظهرت إمامي في بث مباشر بعد دقائق فقط من استهداف المجمع، مما جعل منها رمزا للثبات والشجاعة في نظر الإيرانيين، وعلّقت صورها في الساحات، وتناولتها الصحافة الدولية على أنها رمز للقوة، وحتى الصحف الإسرائيلية أشارت لتحولها إلى أيقونة وطنية.
ومع تقدم أيام الحرب، تراجع دور المقاطع التي يصورها المواطنون تدريجيا، وباتت الرواية الرسمية هي المهيمنة، مدعومة ببيانات المتحدثين العسكريين، حيث برزت ظاهرة توجيه التحذيرات بلغة الطرف الآخر، لتعزيز التأثير الدعائي.
ففي اليوم الثالث للحرب، وجّه المتحدث العسكري الإسرائيلي تحذيرا باللغة الفارسية إلى سكان إيران، تلاه بيان للحرس الثوري باللغة العبرية ينذر سكان تل أبيب بوجوب المغادرة لتفادي الخطر، في مشهد يعكس تصعيدا دعائيا غير مسبوق.
وفي ظل هذا التصعيد، بات التلاعب بالحقائق جزءا من تكتيكات الحرب، إذ يخفي الطرفان ما لا يخدم رواياتهما، ويبثان ما يعزز مواقعهما أمام جمهورهما المحلي والدولي، لتتحول المعركة الإعلامية إلى سلاح فتاك موازٍ لصواريخ السماء.
تسارع كارثي
كما تناولت الحلقة في جزئها الثاني تحذيرات علمية جديدة من تسارع كارثي في ارتفاع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي قد يدفع العالم إلى نقطة اللاعودة، ويهدد باختفاء عديد من الجزر والمناطق الساحلية.
فقد أظهرت تقارير علمية حديثة أن زيادة 1.5 درجة في حرارة الأرض لم تعد هدفا قابلا للتحقق، بل صار مستوى ارتفاع سطح البحر مرشحا لتجاوز 10 مليمترات سنويا، مع ذوبان هائل للأنهار الجليدية، خاصة في غرينلاند وأنتاركتيكا.
وحذر العلماء من أن 230 مليون شخص يعيشون حاليا على بعد متر واحد فقط من خطوط المد العالي، وهو ما يجعلهم عرضة مباشرة للغرق عند أي تسارع إضافي، في حين قد يرتفع العدد إلى مليار إن توسعت زاوية التأثير لتشمل مسافة 10 أمتار.
ومن بيرو إلى جبال الألب السويسرية، ومن جزر المحيط الهادي إلى سواحل آسيا، تسجل الأرض كوارث مناخية متكررة، فيضانات، حرائق، وانهيارات جليدية، بينما تتجاهل الدول الكبرى مسؤوليّاتها، وتستمر في تلويث الكوكب بالوتيرة ذاتها.
وفي وجه هذا الخطر المحدق، تبرز أصوات سكان الجزر والمناطق الساحلية، تطالب العالم بتحمل مسؤولياته، محذّرة من أن غرق جزرهم ليس نهاية فقط لحياة بعينها، بل إنه إنذار صريح بأن البشرية كلها تبحر على متن قارب واحد نحو المجهول.
إعلان
أخبار متعلقة :