تُعد منشأة فوردو النووية، الواقعة قرب مدينة قم في إيران، واحدة من أكثر المواقع حساسية واستراتيجية في البرنامج النووي الإيراني، حيث تمثل رمزًا لتحدي طهران للضغوط الدولية وكابوسًا استراتيجيًا "لإسرائيل" والغرب.
تقع المنشأة على عمق يتراوح بين 80 و90 مترًا داخل جبل صخري، مما يجعلها الأكثر تحصينًا بين المنشآت النووية الإيرانية، وتُستخدم لتخصيب اليورانيوم بدرجات نقاء تصل إلى 60%،
وهي نسبة قريبة من العتبة العسكرية اللازمة لتصنيع سلاح نووي. في ظل التصعيد العسكري الأخير بين إيران و"إسرائيل"، برزت فوردو كمركز للنقاشات حول قدرات إيران النووية وإمكانية استهدافها، مما يجعلها محورًا رئيسيًا في التوترات الإقليمية.
التحصين العالي
تم بناء فوردو داخل شبكة من الأنفاق تحت الأرض، على عمق يُقدر بنحو نصف كيلومتر، ضمن قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني، مما يجعلها شبه منيعة ضد الهجمات الجوية التقليدية. تُحيط بالمنشأة جدران خرسانية مسلحة وأنظمة دفاع جوي متقدمة، وهي مصممة لتحمل ضربات مباشرة، بما في ذلك القنابل الخارقة للتحصينات مثل GBU-57 الأمريكية. ويُعتقد أنها جزء من "خطة عماد" الإيرانية السرية، التي يُشتبه بأنها هدفت إلى تطوير أسلحة نووية.
قدرات التخصيب
تحتوي فوردو على قاعتين مجهزتين بنحو 3000 جهاز طرد مركزي متطور، قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية (90%). وفي ديسمبر 2024، أفادت وكالة الطاقة الذرية أن إيران بدأت ضخ اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في فوردو لرفع نقائه إلى 60%. هذه القدرة تجعل فوردو العصب الأساسي في البرنامج النووي الإيراني، حيث يمكنها الاقتراب من "الاختراق النووي" في وقت قصير إذا اتخذت طهران قرارًا بتصنيع سلاح نووي.
رمزية سياسية
تُجسد فوردو استراتيجية إيران لتأمين برنامجها النووي ضد الهجمات الخارجية، حيث تبرر طهران تحصين المنشأة بالتهديدات العسكرية من الولايات المتحدة و"إسرائيل". وتصفها إيران بأنها موقع بديل لضمان استمرارية أنشطة التخصيب في حال تعرضت منشآت أخرى، مثل نطنز، للقصف. ومع ذلك، يرى المحللون الغربيون أنها تمثل "جوهر الطموح النووي الإيراني"، مما يزيد من المخاوف بشأن أهداف طهران الحقيقية.
الضربات "الإسرائيلية" الأخيرة
في يونيو 2025، نفذت "إسرائيل" هجمات جوية واسعة النطاق على مواقع نووية وعسكرية إيرانية ضمن عملية "الأسد الصاعد"، بهدف تقويض قدرات طهران النووية. ومع ذلك، أكدت مصادر إيرانية وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن منشأة فوردو لم تتضرر بشكل كبير، حيث نقلت إيران معداتها تحسبًا للضربات، مما قلل من الأضرار. وأشار المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، إلى أن الأضرار كانت محدودة، بينما تضررت منشآت أخرى في أصفهان، مثل المختبر الكيميائي المركزي ومنشأة تحويل اليورانيوم.
تحديات استهداف فوردو
أكد خبراء عسكريون، مثل داني سيترينوفيتش من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن تدمير فوردو مستحيل بدون دعم أمريكي مباشر، بسبب تحصينها العالي. الولايات المتحدة تمتلك قنبلة GBU-57/B "الخارقة للتحصينات"، التي تزن 15 طنًا ويمكن لقاذفة B-2 Spirit حملها، وهي السلاح الوحيد القادر على اختراق تحصينات فوردو. ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن إسرائيل لم تستهدف فوردو بعد، بينما تركز على مواقع أقل تحصينًا مثل نطنز.
تصعيد دبلوماسي إيراني
ردًا على الهجمات، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن البرلمان الإيراني يدرس الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وهي خطوة قد تُسرع إنتاج سلاح نووي وتؤدي إلى عقوبات دولية أو تصعيد عسكري أمريكي. وكانت إيران قد هددت سابقًا بهذا السيناريو إذا تعرضت منشآتها لهجمات.
منشأة جديدة تثير القلق
كشفت تقارير عن منشأة إيرانية أكثر تحصينًا تُعرف باسم "بيكآكس"، تقع جنوب نطنز، وتضم أنفاقًا أعمق ومداخل أكثر تعقيدًا. ويُعتقد أنها مصممة لتجميع سلاح نووي في حالة هجوم، مما يزيد من تعقيد الخيارات العسكرية "لإسرائيل" والغرب. وتمنع إيران مفتشي الوكالة الدولية من دخول هذه المنشأة، مما يعزز المخاوف بشأن نواياها.
التحديات والتداعيات الإقليمية
تحدي عسكري لإسرائيل: فوردو تمثل "كابوسًا استراتيجيًا" "لإسرائيل"، حيث تعجز الأسلحة التقليدية عن تدميرها، وتتطلب دعمًا أمريكيًا مباشرًا. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أن جيشه "سيضرب كل هدف إيراني"، لكنه أشار إلى صعوبة استهداف فوردو.
موقف الولايات المتحدة: الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أكد أن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، وأن جميع الخيارات مطروحة، بما في ذلك غارة جوية بعيدة المدى باستخدام قنبلة GBU-57. وكشفت تقارير أن البنتاغون يدرس تحركات عسكرية، مع إرسال طائرات تزويد بالوقود إلى الشرق الأوسط تحسبًا لتصعيد محتمل.
تداعيات دبلوماسية: انسحاب إيران المحتمل من معاهدة NPT قد يؤدي إلى عزلة دولية أكبر، مع تصعيد عسكري محتمل من الغرب. ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن إيران قد تستخدم فوردو كورقة ضغط في المفاوضات المستقبلية.
تأثير إقليمي: استمرار عمل فوردو يعزز نفوذ إيران الإقليمي، حيث ترى فيها رمزًا لصمودها أمام الضغوط. ومع ذلك، يثير هذا قلق دول الخليج، التي تدعم الجهود الغربية للحد من البرنامج النووي الإيراني.
منشأة فوردو ليست مجرد موقع نووي، بل رمز للصراع الإقليمي والدولي حول طموحات إيران النووية. تحصيناتها العالية وقدراتها على التخصيب تجعلها هدفًا صعب المنال، بينما تزيد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة وتهديدات إيران بالانسحاب من NPT من تعقيد المشهد. مع تحركات أمريكية محتملة وظهور منشأة "بيكآكس"، تبقى فوردو في قلب التوترات، حيث يتوقف مستقبل المنطقة على القدرة على احتواء هذا "جبل الحصن" أو التصعيد نحوه
أخبار متعلقة :