عاجل

تعديلات «نزاهة» وأثرها في زيادة فاعلية مكافحة الفساد - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

تم إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد «نزاهة» بموجب قانون رقم 2 لسنة 2016، في خطوة مهمة تهدف إلى تعزيز جهود دولة الكويت في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة في جميع قطاعاتها، وقد جاءت هذه الهيئة كجزء من استراتيجية وطنية شاملة تستهدف تحسين بيئة الأعمال والإدارة العامة، وتوفير إطار قانوني وعملي لمكافحة الفساد، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.

وتتمتع الهيئة في الكويت بصلاحيات معقولة منذ إنشائها، أتاحت لها الفرصة لإجراء التحقيقات الاستدلالية في جرائم الفساد، وجمع إقرارات الذمة المالية، وتقديم المشورة والنصح للجهات الحكومية في كيفية تعزيز سياسات الحوكمة الرشيدة، كما أن الهيئة تمثل ركيزة أساسية في تعزيز الشفافية ومكافحة الممارسات غير القانونية، مما ساهم في بناء الثقة بين المواطنين والحكومة، وتعزيز سمعة دولة الكويت على الصعيدين المحلي والدولي في مجال النزاهة والحوكمة.

وبعد مرور قرابة 10 سنوات على التطبيق الفعلي والعملي، جاءت التعديلات الأخيرة على قانون نزاهة كخطوة محورية جادة في تعزيز النزاهة والشفافية في المؤسسات الحكومية بالكويت، بصدور مرسوم بقانون رقم 69 لسنة 2025 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 2 لسنة 2016 بشأن إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد، والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، حيث تسهم بعض هذه التعديلات في زيادة رفع مستوى الرقابة والمساءلة وتعزيز دور الهيئة في مكافحة الفساد، وذلك من خلال توسيع نطاق الخاضعين للقانون، وتعزيز صلاحيات الهيئة، وإدخال آليات تكنولوجية متقدمة، وأصبحت الدولة في موقف أقوى لمواجهة الفساد وتحقيق مستوى أعلى من الشفافية في جميع المؤسسات الحكومية، كما أن تلك التعديلات من المفترض، حسب السياق الطبيعي للأمور، أن تعكس التزام الكويت بتحقيق الحوكمة الرشيدة والمساهمة في تحسين البيئة المستدامة، والتأثير المباشر على مؤشرات مدركات الفساد العالمية.

ونستعرض أبرز التعديلات والملاحظات التي طرأت على قانون نزاهة، ومدى تأثيرها في زيادة فاعلية النزاهة والشفافية في المؤسسات الحكومية بالكويت، وهي كالتالي:

أولا: توسيع نطاق الخاضعين الوارد في المادة رقم 2 من المرسوم بقانون، ليشمل عدداً أكبر من الأشخاص في المناصب الوظيفية الحساسة، حيث أفرز التطبيق العملي السابق ضرورة إدراجهم ضمن الخاضعين، وهم على مستوى أعضاء الإدارة القانونية في الجهات التالية:

- بلدية الكويت.

- المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية.

- هيئة أسواق المال.

- وحدة تنظيم التأمين.

- جهاز حماية المنافسة.

- الإدارة العامة للجمارك.

كما وسع المشرع نطاق ولايته ليشمل بذلك المديرين ونوابهم والمفتشين والموظفين الفنيين، وكل من يملك سلطة الضبطية القضائية في الإدارة العامة للجمارك، وحرصا أيضا من المشرع على العمل الخيري في الكويت أدرج ضمن قائمة الخاضعين رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات الخيرية والأهلية، وأصبح بالإمكان بموجب ذلك تعزيز الرقابة على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية مما يزيد من شفافيتها.

ثانيا: في المادة 22 بند 13 من المرسوم، تمت إضافة الجرائم المنصوص عليها في المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 1979 بشأن الجمعيات التعاونية، ويعكس ذلك توسيع نطاق مكافحة الفساد ليشمل تلك الأموال ذات الطبيعة الخاصة.

ثالثا: في المادة 5 بند 2 من المرسوم، جاء التعديل لتعزيز صلاحيات «نزاهة»، بزيادة فاعلية نزاهة ومنحها صلاحيات أوسع في جمع الأدلة والاستماع للأقوال وضبط المخالفات، يمنحها قدرة أكبر على محاسبة المخالفين بشكل أسرع وأكثر فعالية، مما يسرع في اكتشاف الفساد ومكافحته. وإن كنا نأمل أيضا أن يطول هذا التعديل قدرة «نزاهة» على إصدار قرارات تحفظية تطول المبلغ ضده، وتهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على الأموال المتحصلة من الفساد.

رابعا: في المادة 6 من مرسوم القانون تمت إعادة هيكلة وتشكيل مجلس إدارة نزاهة (سابقا مجلس الأمناء)، بتقليص عدد أعضاء المجلس من سبعة أعضاء إلى خمسة أعضاء، بمن فيهم رئيس الهيئة ونائبه، وبالإشارة إلى هذا التعديل وما سبقه من تطبيق لنظام مجلس الإدارة، سواء تحت مسمى «أمناء/ إدارة»، نرى أن هذا النظام رغم الممارسة السابقة العملية له في الكويت، لم يكن له مثيل على مستوى الهيئات وأجهزة إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد في العالم، مما كان يستوجب على المشرع تقييم هذه التجربة وما حملته من مزايا وعيوب في مجال مكافحة الفساد وأثرها على أعمالها. لاسيما أن المرسوم بالقانون الجديد قد التزم نفس المنهج السابق واشترط التفرغ لشغل هذا المنصب، كما أن النص الجديد قد أغفل الإشارة إلى قانون تعارض المصالح رقم 1 لسنة 2023، وإمكانية وجود حالة تعارض مصالح متعلقة بالأعضاء غير المتفرغين في مجلس الإدارة وطرق تفاديها قانونا.

خامسا: أدرج المرسوم بقانون في المادة 9 مكررا حماية خاصة لموظفي الهيئة عبر اختصاص النيابة العامة بالتحقيق معهم مع ضرورة توافر الإخطار المسبق، وهذا من شأنه أن يعزز نسبيا نوعا من أنواع الحماية لموظفي الهيئة، لكن لا يصل إلى مستوى الحصانة القضائية كمطلب فرضه الواقع العملي لما قد يتعرض له موظف «نزاهة» من ضغوط وتهديدات أثناء أدائه واجباته الوظيفية، وهو من متطلبات استقلالية الهيئة، ويضمن عدم تأثير أي جهة على سير التحقيقات داخلها.

سادسا: من أجل تحقيق أعلى قدر من الشفافية في اتخاذ القرارات قصرت صدور قرارات حفظ البلاغات من المادة 29 مكررا مجلس إدارة نزاهة، مع تبرير تفصيلي لأسباب الحفظ، مما يعزز من الشفافية ويمنع من أي شكوك حول إغلاق القضايا بدون مبرر قانوني واضح. وسمح المرسوم بقانون أيضا بحق التظلم من القرارات الصادرة من جهات التحقيق المختصة بحفظ البلاغات المحالة إليها، وذلك يعد ضمانة قانونية تكفل التأكد من جودة قرارات حفظ البلاغات.

سابعا: سعى التشريع الجديد في المادة 32 مكررا إلى تلافي تردد القانون السابق في تفعيل وتطبيق الوسائل التكنولوجية في تقديم إقرارات الذمة المالية، ورغم ما يحمله استخدام هذه الوسائل من مخاطر تقنية ومعلوماتية لكن من شأنه أن يعزز الشفافية ويسهل متابعة الإجراءات المقررة لإيداع الذمة المالية، كما يساعد على تسريع عملية الفحص والمراجعة، خاصة في الحالات المعقدة، مثل الدبلوماسيين والبعثات الخارجية والمرضى في الخارج، وزيادة فترة تحديث الإقرار المالي من ثلاث سنوات الى أربع سنوات (المادة 32 بند 2).

ثامنا: أقر التعديل الجديد في المادة 46 مكررا لأول مرة التصالح في جريمة التأخر عن تقديم إقرار الذمة المالية بمقابل مالي يصل إلى 100 دينار، ويرتب هذا الصلح عدم تحريك الدعوى الجزائية في هذا الإطار، وهذا سيسهم بلا شك في تقليل نسب تراكم تلك القضايا أمام النيابة العامة.

في الختام، تمثل التعديلات والملاحظات الأخيرة على قانون مكافحة الفساد خطوة مهمة أخرى طال انتظارها نحو تعزيز النزاهة والشفافية في المؤسسات الحكومية بالكويت، بما يعكس التزام الدولة القوي بمحاربة الفساد وتعزيز الحوكمة الرشيدة، وينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق