عاجل

مسرحية "على خط النار".. "تتعوّدوش"! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

كتب يوسف الشايب:

"تتعوّدوش"، هي الرسالة التي خلص إليها "بكر"، الشخصية المحورية في العرض المسرحي "أمام خط النار"، من إنتاج مسرح رسائل، ومقره مدينة نابلس، من تأليف وإخراج الفنان معتصم أبو حسن، وأداء وتمثيل: محمود أبو عيطة وجمال جعص، واحتضنتها قاعة مسرح وسينماتك القصبة بمدينة رام الله، مساء أول من أمس.
وكانت الرسالة التي ختم بها الصحافي "بكر"، قبل أن ينهي العرض وينتهي معه، كما كان يشتهي، تحذر من اعتياد الفلسطيني قبل العربي وكل غربي حرّ المشهد في قطاع غزة، خاصة في ظل حرب الإبادة المتواصلة والمتصاعدة منذ عام ونصف العام، أو إزاء ما حدث ويحدث في مخيمات شمال الضفة، لاسيما في جنين وطولكرم، والاعتداءات اليومية للمستوطنين في كامل أنحاء الضفة، وتهويد القدس، وغيرها.
ويقدم جعص دور الصوت الداخلي، أو "ضمير" أبو عيطة، أو "بكر"، ويعمل مراسلاً ميدانياً لتلفزيون أو فضائية محلية، في عمل ليس فقط يقرع أكثر من خزان، بل يحكي بصراحة حد السكين، في قضايا عدّة، من بينها علاوة على جرائم الاحتلال ومستوطنيه، الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وتبعات اتفاقيات أوسلو التي وصفها أحدهما أو كلاهما بـ"الكارثية"، وطبيعة تكوين القيادات الفلسطينية في الفصائل والأحزاب ذات الرايات متعددة الألوان، والانحياز لدى بعض صانعي القرار نحو المنفعة الخاصة على المصلحة الجمعية.
كما يناقش "أمام خط النار" موضوعات تتعلق بعديد المفاهيم، بينها ماهية "الوطن" لدى الشخصية المحورية في العمل المسرحي، الذي يحاكي، كما رأيتُ، أو ربما أردتُ، شيئاً من حكايات بكر عبد الحق، المراسل السابق لتلفزيون وفضائية فلسطين الرسمية في نابلس، وما رافق سيرته كما قدمها أبو حسن وفريقه، من صراع داخلي جسده أبو عيطة وجعص، عبر النص الذي كان صاحب الحظوة الأكبر في العمل، ولم يخلُ من مباشرة كان بالإمكان تخفيفها، وإن كنت أرى أن صاحبها أرادها كما هي خادشة جارحة.
وهذه المُباشرة التي كسّر فيها أبو حسن حداثة مسرحية كانت منتظرة، انسحبت أيضاً على منح المُشاهد مساحة لتأويل ماهية وتكوين ما صرّح بأنه "ضمير" المراسل التلفزيوني، الذي يحمل روحه لا على راحته فحسب، بل تكاد تفرغ كما بطاريّات الكاميرا، فكان أن أكد على ذلك أكثر من مرّة، ما حصر المتلقي في إطار رغبة مؤلف العمل الذي هو مخرجه، وربّما هذا ما أراده عن سبق إصرار، كي لا يُخرِج التأويل، الذي هو من بين عوامل نجاح أي عمل إبداعي برأيي، العمل المسرحي هذا على وجه الخصوص، عمّا أراده له.
وفي خضم سرد السيرة التي تتنقل بين أزمنة وأمكنة عدّة، وبين شخوص تستعيدهم الذاكرة، كوالد بكر، المناضل واللواء السابق الذي تنحى أو نُحي، بعد أن غرّد خارج السرب، في انتفاضة العام 2000، "الثانية" سموها أم "الأقصى"، فالأمر سيّان، ومن بينهم خاله المناضل، والشباب الذين كان يلتقيهم في الأزقة الضيفة بحارات البلدة القديمة لمدينة نابلس، وكانوا يشكلون "عرين الأسود"، قبل انفراط عقدهم.
والصراع الجواني البراني ما بين "بكر" وبينه، لم يقتصر على الجانب السياسي، أو المفاهيمي، أو الوطني، بل انسحب إلى المهني، بين المطلوب منه، والمفترض أن يقدمه، فكان أن فرغ من نفسه مع انتهاء البطارية، ومع الصورة الأخيرة له على الشاشة العملاقة خلفه مراسلاً في بث مباشر بالفيديو، وحده، أو رفقة صوته الداخلي أحياناً.
ويمكن اعتبار مسرحية "أمام خط النار"، عملاً درامياً بانورامياً يمتد على عقود، وفي أيام أو ساعات قليلة، رغم تعارض الامتداد الزمني، يتناول بجرأة الكثير ممّا يحشره عديد الفلسطينيين في دواخلهم، خشية تبعات ما قد يترتب على علو أصواتهم، أو ما يخرج من نقرات أصابعهم على "الكيبورد" في مواقع التواصل الاجتماعي، فكان تحليلاً فنيّاً لما يزيد على ثلاثين عاماً، أو أكثر، كما شكّل محاكاة للواقع غير المسبوق فلسطينياً في ظل الإبادة التي تفرش سوادها على كامل جغرافيتنا ويوميّاتنا، و/ أو محاكمة على شكل مسرحية، وصرخة تلو الأخرى، كان آخرها الأهم برأيي، بأن لا تعتاد المشهد، أو "تتعوّدوش".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق