طهران- رغم المطالبة الأميركية بتفكيك المنشآت النووية ووقف تخصيب اليورانيوم الذي تعتبره إيران خطا أحمر، فقد وصف طرفا التفاوض، الأحد الماضي، المباحثات النووية بأنها مشجعة وجادة. في حين تحدث الوسيط العماني عن "أفكار مفيدة ومبتكرة تعكس الرغبة في التوصل إلى اتفاق مشرّف"، مما رسم علامة استفهام كبيرة حول طبيعة المقترح الجديد.
وفي اليوم التالي، كشفت صحيفة "خراسان" الناطقة بالفارسية، عن مقترح -غير رسمي- طرحَه الجانب الإيراني في الجولة الرابعة من المفاوضات النووية، مؤكدة أنه أحدث تطورا لافتًا في وتيرة المفاوضات التي كادت تبلغ طريقا مسدودا جراء المطالب والشروط الأميركية المسبقة لأي اتفاق محتمل.
وفي تقرير تحت عنوان "الدبلوماسية في الضباب"، كشفت الصحيفة عن طرح الفريق الإيراني المفاوض خلال الجولة الرابعة "مبادرة بإنشاء كونسورتيوم (ائتلاف) مشترك لتخصيب اليورانيوم" بحضور إيران والسعودية والإمارات، وباستثمارات رمزية أميركية لتخصيب اليورانيوم داخل إيران ثم شحنه للاستخدامات المدنية في الدول الخليجية.
وأوضحت الصحيفة، أنه من شأن المقترح الجديد أن يضمن لطهران تقنيتها النووية وأن يزيل هاجس الأمن والشفافية للجوار والقوى الغربية، مضيفة أن فريق التفاوض الأميركي رأى أن الاقتراح "مفاجئ، إلا أنه يستحق الدراسة".

تفاصيل المقترح
ووفقا لهذا التقرير، فإن المقترح يتضمن مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة أقل من 5% على الأراضي الإيرانية، وذلك للتغلب على عقبة التخصيب المتواصل بنسبة 60% في إيران، وتجاوز المطالبة الأميركية بوقفه بالكامل.
إعلان
في غضون ذلك، ينقل موقع "أكوإيران" التحليلي عن مصادر مطلعة أن المقترح لا يشمل مراقبة مفاعل التخصيب في "نطنز" و"فوردو" لأنها مشيّدة في أعماق الأرض، بل من المقرر إنشاء منشأة مشتركة واحدة على أقل تقدير وبمراقبة مشتركة.
كما كشفت المصادر، عن نقاشات تدور حول تشييد المنشأة في إحدى الجزر الإيرانية نظرا إلى قربها الجغرافي لكل من الإمارات والسعودية، وأن وزير الخارجية عباس عراقجي قد أثار الموضوع خلال زيارته الأخيرة إلى كل من الرياض وأبو ظبي، وأن الأخيرة تفاعلت معه بإيجابية، في حين تعاملت معه السعودية بحذر.
من ناحيته، أكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني وحيد أحمدي صحة هذه التقارير، معتبرا "الائتلاف النووي" حلا مناسبا لبناء الثقة بين إيران والدول الأخرى من جهة، ولسلب الذريعة من القوى الغربية من جهة أخرى.
وفي تصريح لوكالة أنباء "رُكنا"، وصف النائب أحمدي، المطالب بنقل المخزون الإيراني من اليورانيوم عالي التخصيب إلى خارج البلاد بأنه "فخ يعارض المصالح الوطنية"، مؤكدا ضرورة ضمان طهران إنجازاتها النووية، إذ تشكل ركيزة للتطور العلمي والتقني للبلاد.
ردود متباينة
أثار المقترح بتشكيل ائتلاف نووي خليجي ردود فعل واسعة لدى الأوساط الإيرانية؛ بين فئة ترى فيه مخرجا يحفظ للبلاد منجزاتها النووية ويبعد شبح الحرب عن المنطقة، وطيف آخر يحذر من تداعياته السلبية على استقلال البلاد وحرمانها من الردع النووي جراء الضغط الأميركي على الشركاء الجدد.
في السياق، يعتقد الباحث السياسي سجاد طباطبائي، أن المقترح الجديد يأتي لإيجاد مصالح مشتركة مع دول الجوار بغية تحييد الدور السلبي الذي تبنته بعض الدول عقب الاتقاق النووي المبرم عام 2015 انطلاقا من عدم انتفاعها منه.
وفي مقابلته لصحيفة "فرهيختكان"، يحثّ طباطبائي على توظيف المصالح الإقليمية المشتركة لضمان صمود أي اتفاق محتمل بشأن النووي الإيراني وإزالة الهواجس الغربية.
إعلان
في المقابل، يخشى الباحث في العلاقات الدولية حسين آبنكي، أن يشكل المقترح بوابة لتقويض البرنامج النووي الإيراني وإشراك دول أخرى فيه ونقل منشآته الموزّعة في وسط البلاد إلى جزيرة وسط المياه الخليجية.
وفي مقابلة مع صحيفة "فرهيختكان"، يحذر الباحث من أن يقتني الجانب الأميركي أسهما في الائتلاف النووي المشترك ليتحول من عائق أمام برنامج طهران النووي إلى حلقة مؤثرة فيه "لا سيما من خلال نفوذه على الشركاء الخليجيين"، متسائلا ماذا لو قرر الشركاء تعطيل المشروع ووقف التخصيب بشكل كامل؟ فهل ستلبي طهران القرار وتنهي برنامجها النووي بالكامل؟

تجارب مشابهة
أما رئيسة تحرير موقع "نور نيوز"، كتايون لامع زاده، فتعتقد أن المشروع الجديد يمكن أن يضمن لإيران حقها في تخصيب اليورانيوم شريطة أخذها الملاحظات القانونية والتقنية بعين الاعتبار، إلى جانب قدرته على جذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز علاقات الجمهورية الإسلامية مع محيطها الإقليمي.
وفي مقال نشرته على موقع "دبلوماسي إيراني" المقرب من الدبلوماسي البارز صادق خرازي، تحذّر الكاتبة من أن الغفلة عن الجوانب القانونية أو نقض الشركاء تعهداتهم في المشروع المشترك من شأنه تحويله إلى تهديد لاستقلال البلاد في صناعتها النووية، وتحث طهران على رسم خطوط حمراء تضمن لها حقوقها في التكنولوجيا النووية ومجالات البحث والتنمية وتوفر لها حصانة أمام العقوبات.
وأوضحت الكاتبة، أن تجربة المشروع النووي المشترك، وإن بدت حديثة في الشرق الأوسط، فإنها لم تعد الأولى من نوعها في العالم؛ إذ سبق أن أطلقت أوروبا مشروع "يورينكو" للوقود النووي، كما أن روسيا أطلقت مشروعا مشابها تحت عنوان "المركز الدولي لإثراء اليورانيوم في أنغارسك".
إعلان
واستدركت أن طهران سبق وشاركت بـ40% من أسهم ائتلاف "يوروديف" الفرنسي في سبعينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تجنِ ثمرته بعد، محذرة من تكرار التجربة في القرن الـ21.
مخاطر وتحديات
ورأت لامع زاده، أن المقترح الجديد لا يخلو من تحديات وتهديدات بالنسبة لإيران التي ستجد نفسها بحاجة للتوصل إلى اتفاق مع أحد الشركاء لاتخاذ القرارات الكبرى في المشروع، ناهيك عن أن حضور كادر أجنبي لا سيما من أميركا سيعرّض تقنياتها وبياناتها للنفوذ ويسهل اختراقها أو تعريضها لهجمات سيبرانية.
وأضافت أن بعض الأوساط الإيرانية تعتبر التعاون مع الإمارات "خيانة إستراتيجية" بسبب تطبيعها مع إسرائيل.
وفي ظل الضغوط الأجنبية المتواصلة على طهران وحاجة الأخيرة لتعزيز علاقاتها الإقليمية والصعوبات التي تعترض عودة العملة الصعبة إلى داخل إيران، تستنج الكاتبة أن "الموافقة المشروطة" على الائتلاف النووي المشترك تبدو حكيمة في التوقيت الراهن، وأن المشروع من شأنه أن يوفر ضمانة دبلوماسية لبرنامج إيران النووي.
0 تعليق