مثل البيان الذي أعلن فيه مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الجهاد ضد الأميركان في المنطقة تحولا جذريا في أفكاره، كما يقول المفتي السابق للتنظيم محفوظ ولد الوالد.
ووفقا لما قاله ولد الوالد خلال برنامج "مع تيسير"، فقد كان بن لادن يعتبر القوات الأجنبية المتواجدة في المنطقة قوات احتلال لكنه لم يكن ينادي بإخراجها بالقوة قبل هذا البيان.
وجاءت هذه الدعوة بعدما قوبلت محاولات زعيم القاعدة التحول من القتال إلى السياسة بالرفض من جانب الولايات التي ضغطت على حكومة السودان لإبعاده عن أراضيها، كما يقول ولد الوالد.
وعندما خرج من السودان إلى جلال آباد الأفغانية، لم يكن مع "بن لادن" من المال ما يكفيه للإنفاق على نفسه ومن معه شهرا، وقد امتنعت حكومة الخرطوم عن دفع عشرات ملايين الدولارات التي كانت تدين بها له.
قرار غير واقعي
لذلك، يقول ولد الوالد إن بن لادن عندما أعلن الجهاد ضد الأميركيين كان في أضعف حالاته، ويرى أنه كان خطوة غير واقعية لأن فارق القوى بين الطرفين كان حاسما.
كما أن بن لادن لم يخرج من السودان لتنفيذ برنامج محدد كما يقول المفتي السابق للقاعدة، وإنما خرج مبعدا بطلب من الحكومة. ورغم أنه بنى دعوته للجهاد على أسس شرعية، فإنه تجاهل أمورا واجبة كثيرة ومنها الأرض التي سينطلق منها في هذه الحرب، حيث لم تكن أفغانستان مؤهلة لهذا الأمر، كما يقول ولد الوالد.
فقد كانت أفغانستان ممزقة بين الحكومة وعدد من القوى المسلحة التي تسيطر كل واحدة منها على منطقة من المناطق، فضلا عن تعرض البلاد لعملية سلب ونهب واسعة من القادة، وفق المتحدث.
إعلان
وعلى هذا فقد كان غياب الأمن وانتشار الفساد والفسق عنوانا عريضا لأفغانستان التي كان ينتظر البعض أن تصبح عاصمة للدولة الإسلامية المأمولة، وهذا ما دفع زعيم حركة طالبان الملا عمر، للاستعانة ببعض الطلاب لفرض الأمن ومواجهة قطاع الطرق.
ونجحت هذه المجموعة، وفق ولد الوالد، في ما فشلت فيه حكومة كابل وغيرها من القوى، فأعادت الأمن لقندهار وأورزغان، حتى استعانت بهم باكستان لاستعادة قافلة مساعدات استولت عليها مجموعة من اللصوص.
وبعد هذه الواقعة، استولت طالبان على قندهار دون مقاومة، وبدأت جمع السلاح من الناس وعملت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى طلبت منها ولايات أخرى في الغرب والشمال حمايتها بما في ذلك العاصمة كابل.
ويرى ولد الوالد أن نظافة الحركة وإقامتها للعدل وفرض الأمن منحها قبولا كبيرا في الشارع الأفغاني حتى إن قوات الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، لم تصمد أمامها، واضطرت لطلب التعاون معها، بعد أن سيطرت على غالبية الولايات.
وحتى حكومة باكستان التي كانت داعما تاريخيا لحكمتيار، بدأت دعم طالبان بعدما رأته من تأييد لها في الشارع الأفغاني، ورغم هذا الدعم رفضت الحركة تسليم أسامة بن لادن، ولم تستجب للضغوط التي مارستها عليها إسلام آباد، كما يقول ولد الوالد.
وفور سيطرة طالبان على مدينة جلال آباد، سارعت لإرسال رسالة مباشرة إلى بن لادن ومن معه من قادة القاعدة لطمأنتهم، حيث أكدوا له أنه ومن معه "ضيوف الحركة".
رسالة طمأنة من طالبان
في ذلك الوقت، كان وزير داخلية أفغانستان أبلغ بن لادن بأن حكومة برهان الدين رباني قد تعهدت للولايات المتحدة والسعودية بتسليمه حال القبض عليه، ومن ثم فقد تنفس الصعداء بعد رسالة طالبان، رغم أنه كان متشككا في الحركة.
وعندما زار بن لادن عددا من الخنادق التي استعان بها المجاهدون الأفغان في حربهم ضد السوفيات، وقبور من سقطوا خلال هذه المعارك، وجبال أفغانستان العالية، فكان رأيه أن هذه الأماكن التي هُزم منها السوفيات قد تكون هي نفسها التي يُهزم منها الأميركان.
إعلان
ولأنه ترك في السودان مستشاريه الذين كانوا يتبنون خيار التروي وعدم شن الحروب غير المحسوبة، وخصوصا أبو عبيدة البنشيري، الرجل الثاني في القاعدة، لم يجد بن لادن فيمن حوله من يراجعه في إعلان دعوته للجهاد ضد الأميركيين أو دفعه للتفكير في هذه الخطوة الكبيرة، كما يقول ولد الوالد.
واستجاب ولد الوالد لرغبة بن لادن في زياته بجلال آباد لعله ينجح في إقناعه بالتراجع عن فكرة مواجهة الأميركيين بالسلاح، أو بتركه (ولد الوالد) للتفرغ لمواصلة طلب العلم بعيدا عن التنظيم الذي سلك مسارا لم يعد مقنعا له، كما يقول.
لكن ولد الوالد عندما وصل إلى جلال آباد، وجد بن لادن مقتنعا بأنه سيجلب الأميركيين لكي يلحق بهم هزيمة مثل التي ألحقها بالشيوعيين السوفيات، وأنه قرر شن هجمات على أهداف أميركية خارج أفغانستان.
0 تعليق