عاجل

شبح "الرجال الخضر الصغار" يخيم على دول البلطيق - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

في عام 2016، قدم المخرج البريطاني غابرييل رانج فيلما وثائقيا صوَّر فيه سيناريو تخيليا لانتفاضة الأقلية الناطقة بالروسية في مدينة دوغافبيلس اللاتفية، بدعم من الكرملين، نتيجة سياسات التمييز الحكومي ضدهم، لتستخدم روسيا ذلك كذريعة لغزو لاتفيا.

استند الفيلم في بنائه الدرامي إلى سيناريو خيالي جاء بعد عامين فقط من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ذات الغالبية الروسية، وقبل الاجتياح الروسي الواسع للأراضي الأوكرانية في فبراير/شباط 2022 وضم نحو 20% من مساحتها حيث تعيش غالبية ناطقة باللغة الروسية.

واليوم، يتصاعد القلق في دوغافبيلس، ومدينة نارفا في إستونيا، ومناطق أخرى في ليتوانيا، من سيناريو حقيقي فوق أراضيها غير بعيد عما تكهن به غابرييل رانج في الفيلم الوثائقي "حرب عالمية ثالثة: داخل غرفة الحرب".

ولا تنحصر دوافع القلق تلك في مساعي إحياء الماضي السوفياتي أو في سعي موسكو لتوسيع رقعة الحرب في أوكرانيا واعتمادها سوابق تاريخية في المنطقة، بل تتعزز أيضا بفعل المناورات العسكرية الروسية-البيلاروسية المشتركة، وما يصاحبها من حشد مبكر، فضلا عن تزايد المخاوف بشأن "ممر سوالكي" الإستراتيجي.

خريطة لدول البلطيق ((إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)
(الجزيرة)

نفوذ عبر "الشتات الروسي"

رغم مرور عقود على تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، ما تزال موسكو تنظر إلى "تالين" و"ريغا" و"فيلنيوس" كجزء من الحديقة الخلفية، لكن وبحكم الجغرافيا والتاريخ لا تملك دول البلطيق خيار القطيعة الكاملة مع روسيا.

إعلان

وتحتل الدول الثلاثة مكانة استثنائية بالنسبة لدائرة النفوذ الروسي لكونها من جهة إحدى دول الجوار المرتبط بالحزام السوفياتي القديم ومن جهة أخرى تمثل اليوم جزءا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي وما يطلق عليها من قبل الكرملين بـ"الغرب الجماعي".

وتتنوع مظاهر النفوذ الروسي في المنطقة بين إستراتيجية الضغط والتأثير في المجالات العسكرية والاقتصادية والإعلامية والإنسانية، ليشمل على وجه الخصوص الأقليات الناطقة بالروسية، وهو ما ينسحب على دول البلطيق.

ويظهر هذا النفوذ عبر أحزاب سياسية -مثل "الاتحاد الروسي" و"الحزب الاشتراكي الديمقراطي" (هارموني) في لاتفيا، بالإضافة إلى حزب "الوسط الإستوني"- التي تقدم نفسها كخط الدفاع الأول عن الأقليات الناطقة بالروسية وعن الثقافة الروسية بشكل عام.

وتشير بيانات -جمعتها الجزيرة نت من عدة مصادر بحثية- إلى أن نسبة الأقليات الروسية من بين السكان في إستونيا ولاتفيا تعد أكثر من 24%، بينما لا تتعدى نسبة 5.6% في ليتوانيا، كما تعتبر الروسية اللغة الأولى لـ30% من سكان إستونيا و34% من سكان لاتفيا.

لكن الحضور الروسي كان طاغيا بشكل أكبر في إقليم دوغافبيلس في لاتفيا، الذي ينحدر 50% من سكانه من أصول روسية، وتمثل الروسية اللغة الأم لـ75% من سكان هذه المنطقة التي تشهد من حين لآخر توترا، كما تمثل مسرحا للدعاية الروسية.

في كتابه "الهوية الوطنية الروسية والسياسة الخارجية"، يربط عالم السياسة الروسي إيغور زفيليف علاقة موسكو الوثيقة بجوارها من دول البلطيق بالشتات الروسي أو "العالم الروسي" الذي يقوم على فكرة الهوية الذاتية كما يراها فلاديمير بوتين، وهو مجال النفوذ الثقافي واللغوي العابر للحدود الجغرافية والعرقية الروسية.

لكن من الناحية السياسية والأمنية، فإن الفكرة السائدة وفق زفيليف، هي جعل هذا الفضاء ما بعد الحقبة السوفياتية منطقة عازلة، ونظريا يمثل ممر "سوالكي" تجسيدا ممكنا لهذه الفكرة.

إعلان

"سوالكي".. ثغرة الناتو في أوروبا

بالمقارنة مع دولتي إستونيا ولاتفيا، فإن ليتوانيا تعد الدولة الأقل ارتباطا بروسيا من بين دول البلطيق من حيث التركيبة الديمغرافية ومن ثم أيضا التأثير السياسي، حيث لا يمثل الناطقون بالروسية قاعدة انتخابية مؤثرة.

لكن خبراء يرون أن التهديد الروسي الرئيسي يتمثل في الخطر العسكري القادم من جيب كالينينغراد المجاور، وهو ما تؤكد عليه أيضا إدارة أمن الدولة في ليتوانيا في تقرير لها نشر في مارس/آذار عام 2023.

وجغرافيا، ترتبط منطقة كالينينغراد وبيلاروسيا بممر "سوالكي" الذي يبلغ طوله 65 كيلومترا وتقل فيه نسبة السكان، وهو يمثل في الوقت نفسه الحدود الفاصلة بين ليتوانيا وبولندا.

وتعني فرضية استيلاء روسيا على هذا الممر بكل بساطة فصل دول البلطيق تماما عن الاتحاد الأوروبي.

وتنقل مجلة "إكسبراس" الفرنسية في تقرير لها عن الجنرال بن هودجز الذي عمل قائدا سابقا للقوات الأميركية في أوروبا، أنه يتعين على أعضاء حلف الناتو الإدراك أن جميع نقاط ضعف إستراتيجية الناتو ووضعه العسكري تتجمع في ممر سوالكي، ومن هنا فإن القوات الروسية تهدد السلامة الإقليمية للحلف بأكمله.

يمثل هذا الممر الإستراتيجي ذو الأهمية البالغة مصدر توتر محتمل في المستقبل، ويعود ذلك إلى قرار اتخذته ليتوانيا عام 2022 على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، بمنع عبور البضائع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي عبر أراضيها إلى مقاطعة كالينينغراد الروسية، وهو ما اعتبرته موسكو خطوة غير قانونية وحصارا للمقاطعة كما حذرت ليتوانيا من تبعاته الخطيرة وتعهدت برد عليه.

وينظر الآن الى حشد القوات الروسية في بيلاروسيا كتهديد مباشر لليتوانيا وباقي دول البلطيق.

A lorry with goods passes the Lithuanian border sign to enter Lithuania on June 29, 2022 at Polish-Lituanian border on the busy E67 road. The Polish border with Lithuania is situated between Kaliningrad oblast (part of Russia) and Belarus and stretches 100 kilometers. The Area is called Suwalki Gap and is the only connection between Baltic States and the rest of the NATO and European Union. After Lithuania refused to transport sanctioned goods via rail from Russia's mainland to Kaliningrad, Vladimir Putin, Russian president, threatened Lithuania with serious consequences. Both NATO and European Union worry that Suwalki Gap, a relatively narrow corridor with Baltic States can be attacked by Russia
شاحنة تعبر لافتة تدخل ليتوانيا عبر "ممر سوالكي" وهو نقطة الاتصال الوحيدة بين دول البلطيق وبقية دول الناتو والاتحاد الأوروبي (شترستوك)

ماذا يحدث في بيلاروسيا؟

يقوم الكرملين بحشد قواته في بيلاروسيا تمهيدا لمناورات "زاباد 2025" المشتركة مع جارتها وحليفتها، وتجرى هذه التدريبات كل 4 سنوات منذ عام 2009. وفي آخر تدريب شارك أكثر من 200 ألف جندي، وكانت المناورات الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

إعلان

وقد أعقب التدريبات الأخيرة اجتياح  الجيش الروسي لأوكرانيا، لذلك تثير هذه التعزيزات العسكرية على مقربة من حدود حلف الناتو المخاوف من عدوان محتمل في المستقبل قد يشمل بولندا أو دول البلطيق، ولا سيما ليتوانيا.

وبحسب المحلل المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، بيتر سوتشو، فإن هناك عدة مؤشرات ميدانية تشير إلى تحرك عسكري محتمل. وقد أوردت مجلة "ناشونال إنتريست" هذه المؤشرات في النقاط التالية:

رفعت موسكو إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 3.6% قبل أن تشن غزوها لأوكرانيا قبل أكثر من 3 سنوات. زاد المجمع الصناعي العسكري الروسي من وتيرة الإنتاج، ووسع خطوط التصنيع، كما افتتح منشآت جديدة. الحشد العسكري الروسي لا يقتصر على بيلاروسيا، بل تعمل موسكو على توسيعه على الحدود مع فنلندا، العضو في حلف الناتو. تسارع وتيرة التوسع بشكل ملحوظ لا سيما في منطقة القيادة العسكرية في لينينغراد على حدود إستونيا ولاتفيا وفنلندا.

وكانت الصحيفة حذرت نقلا عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الدانماركية في فبراير/شباط 2025 من هجوم روسي محتمل وواسع النطاق على دول البلطيق وبولندا في غضون 5 سنوات، إذا ما تراجعت قدراتها على الرد.

وقد يشمل ذلك، وفق المصدر ذاته، أنشطة شبه عسكرية في منطقة "نارفا" الحدودية شرق إستونيا، التي تضم عددا كبيرا من السكان من أصل روس، مثلما لا يستبعد خبراء أن يكون التحرك الروسي نحو منطقة دوغافبيلس في لاتفيا.

ويضع المحلل بيتر سوتشو احتمال أن يعيد الكرملين استخدام الإستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، عبر نشر قوات شبه عسكرية روسية تعرف باسم "الرجال الخضر الصغار".

This handout picture made available by the Russian Defence Ministry on September 13, 2021 shows the
التدريبات العسكرية المشتركة "زاباد-2021" للقوات المسلحة للكرملين وبيلاروسيا في قاعدة مولينو العسكرية (الفرنسية)

الحشد المضاد

في مارس/آذار2025، أعلنت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا بالإضافة إلى بولندا مجتمعة عن نيتها الانسحاب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، المعروفة باسم "اتفاقية أوتاوا"، بحجة تزايد التهديدات العسكرية للدول الأعضاء في حلف الناتو والمجاورة لروسيا وبيلاروسيا، وقد انسحبت ليتوانيا ولاتفيا بالفعل من الاتفاقية.

إعلان

وستعمل هذه الدول على زيادة إنتاج الألغام الأرضية، حيث من المرجح حسب المراقبين، أن تستخدم هذه الأسلحة الفتاكة على طول المناطق الحدودية التي تشهد تحصينات متزايدة.

بخلاف ذلك تسارع دول البلطيق في اتخاذ عدة قرارات من أجل الوصول الى الجاهزية الكاملة لصد أي هجوم في المستقبل.

وفي هذا السياق، أصدرت الحكومة في ليتوانيا قرارا بإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية لأول منذ عام 2008، ومن المقرر أن يبدأ العمل به العام المقبل مع زيادة عدد الشباب المدعوين إلى التدريب السنوي من 5 آلاف إلى 7 آلاف. وتريد أيضا توظيف المنظمات شبه العسكرية التطوعية مثل "اتحاد الرماة" العريق للتحايل على الكلفة المرتفعة لإعادة التسليح.

Soldiers look at German Air Force helicopters taking off at the airfield of Pajuostis in Panevezis, Lithuania on May 6, 2025, during the „Griffin Lightning 2025“ military exercises.
طائرات مروحية تابعة للقوات الجوية الألمانية في ليتوانيا خلال التدريبات العسكرية "غريفين لايتنينغ 2025" (الفرنسية)

لكن ليتوانيا ستتمتع كذلك بدعم عسكري مهم يتمثل في بناء ألمانيا أول قاعدة عسكرية خارجية لها في هذا البلد، لتكون بذلك القاعدة العسكرية الأولى لألمانيا في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية، بكلفة تعادل 1.1 مليار دولار، وفق ما ذكرت وزارة الدفاع في ليتوانيا.

ويأتي بناء القاعدة في إطار الاتفاق الألماني الليتواني في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 الذي يقضي بنشر 4800 عسكري و200 موظف مدني ألماني كما ستضم القاعدة 2000 مركبة، حسب وزارة الدفاع الألمانية.

وفي إستونيا، اختارت الحكومة نهج الزيادة في الضرائب وتوسيعها لتشمل أيضا المتقاعدين من أجل تمويل خطط الدفاع عن البلاد، وهو ما سيوفر إيرادات بحوالي 800 مليون يورو وفق صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية، ستوجه معظمها إلى القوات المسلحة، أي ما يعادل نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة مقارنة بنسبة 3.7% حاليا.

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن "ضريبة الدفاع غير المسبوقة هذه، تشكل مثالا صارخا على الجهود المطلوبة للوصول إلى حالة الاستعداد للحرب".

UK and Baltic defence ministers meet in Estonia to discuss providing heavy weaponry to Ukraine Estonian NATO troops stand in line during a news conference of British Secretary of State for Defence Ben Wallace, Baltic defence ministers and representatives from other NATO members in Tapa Army Base, Estonia, January 19, 2023. REUTERS/Ints Kalnins DATE 19/01/2023 SIZE 5500 x 3667 SOURCE REUTERS/Ints Kalnins
قوات إستونية تابعة لحلف الناتو في قاعدة تابا العسكرية (رويترز)

حلف شمال أوروبا

تذهب عمليات الحشد داخل دول البلطيق إلى أبعد من ذلك مع دعوة صحيفة "آي كيو" في ليتوانيا دول البلطيق ودول الشمال الأوروبي إلى التفكير في تكوين حلف بديل عن "حلف شمال الأطلسي"، تحسبا لمواقف الإدارة الأميركية المتأرجحة والمشككة في سياسات الدفاع المشتركة.

إعلان

وترى "آي كيو" أنه في ظل الانزلاق الواضح لحلف الناتو نحو التفكك بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الحلف الجديد الذي أطلقت عليه "حلف شمال أوروبا"، سيكون أكثر قدرة على تقييم "التهديد الروسي بشكل مناسب".

يختلف التصور المؤسس لـ"حلف شمال أوروبا" عن فكرة "التحالف الطوعي" المفتوح الذي كان دعا له وزير الخارجية البريطاني كير ستارمر في مارس/آذار الماضي من أجل حشد الدعم العسكري لحماية أوكرانيا.

يضم الحلف الجديد المقترح علاوة على دول البلطيق الثلاث، دول فنلندا والسويد والدانمارك والنرويج وبولندا وألمانيا والمملكة المتحدة، بحجم سكاني يقدر بنحو 220 مليون نسمة وبناتج محلي إجمالي يفوق 10 تريليونات دولار.

وتقول الصحيفة الليتوانية "يمكن لحلف شمال أوروبا أن يكون قدوة في مساعدة أوكرانيا وأن يصبح حلا احتياطيا في حال انهار حلف شمال الأطلسي فعليا".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق