واشنطن- مع بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب أولى رحلاته الخارجية في فترة حكمه الثانية، التي بدأت بدول الخليج العربي (السعودية وقطر والامارات) تشير معطيات عدة إلى إقدام الولايات المتحدة على تعزيز علاقاتها الإستراتيجية والاستثمارية مع هذه الدول.
وبالفعل، تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات "الضخمة" في مجالات مختلفة بدءا من الطاقة وصولا للذكاء الاصطناعي، كما لم تغب قضايا المنطقة "الملتهبة" عن أجندة الزيارة التي اعتبرها ترامب "مهمة وتاريخية"، ووصفها البيت الأبيض بـ"عودة تاريخية إلى الشرق الأوسط".
ولإلقاء الضوء على زيارة ترامب، حاورت الجزيرة نت خبيرين أميركيين: الباحث والخبير في شؤون الشرق الأوسط، حسين أبيش، والخبير في المجلس الأطلسي الأستاذ بجامعة بارد، فريدريك هوف، المتخصصين في قضايا السياسة الخارجية الأميركية.
أهداف ترامب
يقول أبيش إن ترامب يحتاج إلى "انتصارات اقتصادية"، ويعتقد أنه يستطيع الحصول عليها من دول الخليج، بشكل أساسي. ويستطرد: لكن الزيارة ستتطرق أيضا لمحاولة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وطمأنة دول الخليج حول المفاوضات النووية مع إيران، على الرغم من أن الأمر قد يتعلق بضغط دول الخليج على واشنطن لإبرام صفقة مع طهران.
إعلان
وتشمل أجندة ترامب الاقتصادية مبيعات الأسلحة واستثمارات أخرى، سيتم جمعها لتحقيق أكبر مبلغ ممكن للاستثمار داخل أميركا.
وبغض النظر عن مدى عدم واقعية بعض ما يقوله ترامب، يمكن له -حسب أبيش- التباهي بما سيحصل عليه باعتباره "انتصارا كبيرا لأميركا، كما أن لترامب "صفقات شخصية كبرى" عبر شركته العقارية الخاصة التي تدخل بشراكات مع مؤسسات خليجية، ويريد تحقيق أرباح بمليارات الدولارات له ولأبنائه.
في حين أشار الخبير هوف إلى أن "الأهداف الرئيسية للرحلة تتمثل في تعزيز العلاقات بين أميركا والخليج، وبصورة أساسية تعزيز الاستثمار الخليجي في الاقتصاد الأميركي".

بين السعودية وإسرائيل
ويقول أبيش إن "الزيارة خطوة مهمة وتظهر أن ترامب يعتبر السعوديين شركاء مهمين، ليس فقط دبلوماسيا وإستراتيجيا، ولكن أيضا سياسيا وشخصيا، لقد أحب ترامب الطريقة التي سارت بها الأمور في زيارته الأولى عام 2017، ويسعى لتكرار ذلك، بعد أن وسَّع نطاق طموحاته وأهمية زيارته بإضافة الإمارات العربية المتحدة وقطر إلى جانب السعودية".
كما تساعد الزيارة في تعزيز رؤية ترامب وسياسته للترويج للسعودية كلاعب دولي وإقليمي رئيسي، وفي ذلك شيء من التعويض عن عدم حصول السعوديين على الاصطفاف الإستراتيجي واتفاقيات الدفاع المتبادل التي تفاوضوا عليها في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
ولفت أبيش أن السعودية أدركت أنه من المستحيل التوقيع على معاهدة عسكرية، لأن تصديق مجلس الشيوخ ضروري لجعلها ذات مغزى، ولن يحدث ذلك دون التطبيع مع إسرائيل، وهو ما لا يمكن للسعودية القيام به إذا لم تتحرك إسرائيل نحو إقامة دولة فلسطينية.
لكن ترامب يروج للسعودية كلاعب إقليمي ودولي رئيس عبر إجراء مفاوضات حول حرب أوكرانيا، والقيام بهذه الزيارة "الكبرى"، ودعم المملكة بطرق عديدة أخرى.
إعلان
في حين اعتبر هوف ذلك يعكس أن "أقوى علاقة شخصية لترامب في المنطقة هي مع ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك منذ فترة حكمه الأولى".
ولأن وقف القتال في غزة والتوصل لاتفاق مع إيران تبعدان مواقف ترامب عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يرَ أبيش أن عدم التوقف في إسرائيل يمثل نقطة أو حدثا مهما.
ويقول: إن المحادثات النووية مع إيران التي تعارضها إسرائيل بشدة، يتحمس لها ترامب ويأمل التوصل لاتفاق جديد في صفقة تستمر لفترة أطول من الاتفاق النووي الأصلي لعام 2016.
ويؤكد أن "هاتين القضيتين هما مصدر التوتر بين ترامب وإسرائيل، لكن من غير الواضح -لو لم يكن الأمر كذلك- هل كان سيشمل إسرائيل بهذه الرحلة".
أما هوف فيرى أن ترامب "يدرك أن المصالح الأميركية لا تقع ضمن حسابات نتنياهو، لذا تجنب ترامب زيارة إسرائيل الآن".
ولم يعتبر أبيش أن زيارة ترامب لها أي علاقة بملف التطبيع السعودي المتوقف، بينما رجَّح هوف أن "تظل عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل متوقفة، في ظل عدم تقرير المصير الفلسطيني، واستمرار الحرب على غزة".

غزة والحوثيون
ويعتقد الخبير هوف أنه سيتم معالجة موضوع الحرب على غزة، وأن أميركا تريد وضع حد لها، وأن تتواصل الوساطة القطرية لإنهائها، مؤكدا أن يشجع التضامن الأميركي الخليجي -خلال الزيارة- إيران على تسهيل توصل أميركا لاتفاق جديد معها.
في حين ذكر أبيش، أن هناك "انقسامات كبيرة" بين ترامب وإسرائيل بشأن حرب غزة، التي يريد ترامب إنهاءها، خاصة بعد إفراج حماس عن عيدان أليكسندر، مؤكدا التطرق لهذا الملف في الدوحة.
وفيما يتعلق بالاتفاق مع الحوثيين، يرى أبيش أن "الموقف الأميركي يقترب من وجهة النظر السعودية بشأن الحوثيين، منذ أن بدؤوا بمهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن عقب الحرب على غزة في 2023".
إعلان
ويقول إن ترامب أقرب للسعودية مما كان عليه موقف بايدن، وأضاف "لا أعتقد أن دول الخليج، بالرغم من كل عدائها للحوثيين، تشعر بخيبة أمل من اتفاق وقف إطلاق النار، بل على العكس، فهي أفضل طريقة لتهدئة المنطقة وضمان الأمن البحري والشحن البحري الذي يهمهم، وقد أصيبت إسرائيل بالذهول وخيبة الأمل، ولكن لم يكن ذلك موقف الدول الخليجية".
ومع ذلك -يواصل أبيش- أن الخليجيين سيتطلعون لمناقشة تنسيق السياسات تجاه الحوثيين، وقد تسعى أميركا إلى إشراكهم في الجهود الإقليمية لاحتواء "أنشطتهم الخبيثة"، التي تعتبرها أميركا مشكلة إقليمية أكثر من كونها مشكلة أميركية.
ويعتقد أن الصراع مع الحوثيين، ووقف إطلاق النار الذي أنهي مؤقتًا، يرتبطان ارتباطا وثيقا بإيران والمحادثات النووية، ومن غير المرجح أن تتحرك المجموعة لوقف إطلاق النار مع واشنطن، ولكن ليس مع إسرائيل، دون ضغوط شديدة من إيران، التي لا تريد أن يعطل هذا الأمر المفاوضات مع واشنطن.
واعتبر هوف أن وقف إطلاق النار بين أميركا والحوثيين يبعث برسالة إلى مضيفي الرئيس ترامب، أن الأخير مستعد لإبعاد بلاده عن حكومة نتنياهو، وهو ما سيرحب به العرب، على الرغم من أن السعودية سترحب أيضا باستمرار الضغط العسكري على الحوثيين.
تقاطع مصالح
ويقول أبيش إن ترامب يحاول طمس الخط الفاصل بين شخصه، وبين الدول، وبين المصالح الأميركية ومصالحه الشخصية والعائلية، ولا يريد أن يحكم مثل رئيس منتخب، يدير أميركا من خلال إدارة عادية، ولكنه يريد حكما شخصيا للغاية، حيث تكون مصالحه ومصالح الدولة مترادفة ولا يمكن تمييزها.
ويردف أبيش، أنه في ظل الظروف العادية، فإن قوانين تضارب المصالح ستمنع ذلك، "ولكن بالنظر إلى قبضة الجمهوريين القوية على مفاصل السلطة والدرجة التي عزَّز بها الكونغرس والمحكمة العليا الرئاسة بما يتجاوز كل ما عرفناه واعتدناه في العقود الأخيرة، ولأسباب مختلفة، لا يوجد شيء عمليا يمنع ترامب من الاستفادة من هذه الرحلة".
إعلان
ويشير هوف إلى أن كل دبلوماسية ومواقف ترامب تنبع من قناعاته الشخصية القسرية، وقد ينجح في صياغة اتفاق جديد مع إيران، وأضاف "كانت الدبلوماسية الأميركية تجاه إيران غير قسرية بشكل أساسي لأكثر من 40 عاما، مع ذلك حققت نتائج كارثية".
وختم قائلا "لا يرى ترامب أي تعارض بالضرورة بين مصالح عائلته التجارية وجهوده الدبلوماسية الرسمية"، والسؤال هو ما إذا كان "محاوروه الخليجيون يرون فرصا سياسية ناجمة عن تصوره لعدم وجود صراع، وما إذا كان تحقيق هذه الفرص سيخدم المصالح الأميركية؟".
0 تعليق