تُعد جامعة المنصورة واحدة من أعرق الجامعات المصرية التي استطاعت أن تحجز لنفسها مكانًا متميزًا على خريطة التعليم العالي والبحث العلمي، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل والإقليمي والدولي أيضًا.
وتأتي جهود الجامعة في هذا الإطار انعكاسًا لرؤية طموحة وخطط استراتيجية واضحة تسعى من خلالها إلى تعزيز التميز الأكاديمي، وتحقيق الريادة في مجالات البحث العلمي، بما يتماشى مع متطلبات التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وفي قلب هذه المنظومة الحيوية، يبرز دور الدكتور طارق غلوش، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، الذي يتولى مسؤولية الإشراف على أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا في مسيرة الجامعة العلمية. فمن خلال خبرته الأكاديمية والإدارية الطويلة، وسعيه الدائم إلى تطوير البرامج البحثية وتوسيع آفاق التعاون العلمي مع المؤسسات المحلية والدولية، استطاع أن يقود هذا القطاع نحو تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
وفي هذا الحوار الحصري مع جريدة "الفجر"، يفتح الدكتور غلوش ملفات متعددة تتعلق بالواقع الحالي للدراسات العليا في جامعة المنصورة، ومستقبل البحث العلمي في ظل التحديات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة.
كما يتطرق إلى السياسات الجديدة التي تتبناها الجامعة لتحفيز النشر العلمي في المجلات الدولية، وآليات دعم الباحثين، وبرامج التعاون الدولي، بالإضافة إلى رؤيته لتطوير المعامل البحثية وتحديث البنية التحتية، ودور الجامعة في إنتاج المعرفة وربطها باحتياجات المجتمع وسوق العمل.
حوار نكشف فيه الكثير من التفاصيل، ونسلط الضوء على طموحات جامعة المنصورة في أن تظل منارة علمية وبحثية رائدة على كافة المستويات.
• في ضوء استراتيجيتكم الحالية، كيف تُقيّمون واقع البحث العلمي في جامعة المنصورة مقارنة بالجامعات المصرية والإقليمية؟
تسير جامعة المنصورة بخطى ثابتة في دعم وتطوير البحث العلمي بما يتماشى مع خطتها الاستراتيجية، حيث أحرزت تقدمًا ملحوظًا مقارنة بالعديد من الجامعات المصرية والإقليمية. ومن أبرز مظاهر هذا التقدم هو السعي نحو تعظيم الاستفادة من المشروعات البحثية الدولية السابقة والحالية، لا سيما تلك الممولة من جهات كبرى مثل الايراسموس (Erasmus+)، الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD)، معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا (KIST)، مؤسسة البحث والتطوير المدني (CRDF)، المركز الدولي للهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية (ICGEB)، مجلس أبحاث البيئة الطبيعية (NERC)، الجمعية الملكية للكيمياء بإنجلترا (RSC).
يُخطط قطاع الدراسات العليا والبحوث حاليًا لإنشاء قاعدة بيانات شاملة للمشروعات البحثية التي شاركت فيها الجامعة، بهدف تحليلها لاستخلاص نقاط القوة لتعزيزها، ومعالجة نقاط الضعف لتجنبها في المستقبل. كما تسعى الجامعة إلى الاستفادة من التوصيات الصادرة عن تلك المشروعات في تطوير منظومة الدراسات العليا والبحث العلمي.
وتُعد مشاركة الجامعة في مشروعات استراتيجية وممولة دوليًا مؤشرًا واضحًا على كفاءتها العلمية والتنافسية، وهو ما ينعكس على تعزيز تصنيفها الدولي وسمعتها الأكاديمية في المنطقة وخارجها.
ما أبرز المشروعات البحثية الدولية التي تشارك فيها الجامعة حاليًا؟ وكيف تُسهم في تعزيز التصنيف الدولي للجامعة؟
من أبرز المشروعات البحثية الدولية التي تشارك فيها جامعة المنصورة حاليًا هو مشروع مشترك مع جامعة ريغنسبورج في بافاريا، ألمانيا، بتمويل من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية (DAAD)، ضمن برنامج مشروعات التنمية المستدامة. ويُعد هذا المشروع امتدادًا لمشروع سابق ناجح بين جامعة المنصورة وجامعة مارتن لوثر الألمانية لتطوير رياضة ذوي الإعاقة في مصر، والذي نُفذ بين عامي 2021 و2023 بمشاركة أكثر من 48 عضو هيئة تدريس، واشتمل على ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة.
يمثل المشروع الحالي إنجازًا مهمًا كونه:
1. يعزز التصنيف الدولي للجامعة من خلال التعاون مع جامعات أوروبية مرموقة، ونقل الخبرات والتقنيات الحديثة إلى أعضاء هيئة التدريس، وبالأخص في مجال علم النفس الرياضي.
2. يُعد الأول من نوعه الذي تفوز به جامعة مصرية في فئة مشروعات التنمية المستدامة ضمن تمويل DAAD، حيث تم قبول 17 مشروعًا فقط من أصل 85، وجاء ترتيب جامعة المنصورة في المركز السابع.
3. يدعم استمرار ريادة الجامعة في مجال رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويُعد برنامج الماجستير في علم النفس الرياضي بجامعة المنصورة الأول من نوعه في الشرق الأوسط وألمانيا، وهو ما يعزز مكانة الجامعة كجهة رائدة أكاديميًا وبحثيًا في هذا المجال.
هذه المشروعات تمثل ركيزة أساسية في استراتيجية الجامعة للارتقاء بترتيبها الأكاديمي على المستويين الإقليمي والدولي، وتحقيق تأثير فعلي في المجتمع من خلال ربط البحث العلمي بالتنمية المستدامة.
ما حجم التمويل المخصص للبحث العلمي في جامعة المنصورة؟ وهل هناك تنوع في مصادر التمويل بين محلية ودولية؟
في إطار سعي جامعة المنصورة لتعزيز مكانتها البحثية، خصصت جامعة المنصورة تمويلات كبيرة لدعم مشروعات البحث العلمي، بلغت أكثر من 71 مليون جنيه خلال عام 2024، وفقًا لما أعلنته الجامعة مؤخرًا. هذا الدعم شمل 54 مشروعًا بحثيًا ممولًا بالتعاون مع عدد من الجهات، أبرزها هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار (STDF) وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.
ولم تقتصر جهود الجامعة على التمويل المحلي فحسب، بل امتدت إلى التعاون الدولي، حيث حصلت الجامعة على دعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بمشروع بحثي تجاوزت قيمته 30 مليون دولار لإنشاء مركز تميز في الطاقة بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، ويشمل الشراكة مع جامعات عين شمس وأسوان، إضافة إلى تمويل من برنامج Erasmus+ التابع للاتحاد الأوروبي، ومشروعات دولية أخرى مهمة، مثل مشروع تطوير دبلوم مهني جديد في تقنيات العيادة النباتية بالتعاون مع جامعات أوروبية ضمن برنامج Erasmus+، ومشروع "الإدارة البيولوجية للسموم الفطرية في الحبوب الغذائية في حوض المتوسط" الممول من برنامج PRIMA والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مشروعات بحثية مشتركة مع المملكة المتحدة حول تأثيرات التغير المناخي على أمراض القمح والذرة، وحفظ التراث الثقافي الأخضر فضلًا عن شراكات مع جامعات وهيئات علمية في ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
وعلى الصعيد المحلي، خصصت جامعة المنصورة في العام الأكاديمي 2022-2023 مبلغ 4.5 مليون جنيه لدعم مشروعات بحثية داخلية لأعضاء هيئة التدريس، موزعة على القطاعات الطبية، العلمية، والإنسانية، وبحد أقصى 300 ألف جنيه للمشروع الواحد في المجالات العلمية والطبية.
وتؤكد هذه الأرقام أن الجامعة تنتهج سياسة واضحة في تنويع مصادر تمويل البحث العلمي، بما يشمل الجهات المحلية والدولية، ما يسهم في دعم الابتكار وتعزيز الإنتاج العلمي لأعضاء هيئة التدريس والباحثين. كما يبرز دور مكتب دعم الابتكار ونقل وتسويق التكنولوجيا (TICO) بالجامعة في تسهيل الوصول إلى هذه الموارد وتوسيع آفاق التعاون البحثي عالميًا.
كيف تدعم الجامعة الباحثين وطلاب الدراسات العليا في نشر أبحاثهم في المجلات العالمية المصنفة؟
في إطار استراتيجية الجامعة لتعزيز البحث العلمي والارتقاء بتصنيفها الأكاديمي عالميًا، تقدم جامعة المنصورة مجموعة متكاملة من المبادرات والحوافز لدعم أعضاء هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا في نشر أبحاثهم في المجلات الدولية المصنفة، بما يسهم في ترسيخ ثقافة التميز العلمي والانفتاح الأكاديمي.
تمنح الجامعة حوافز مالية مباشرة تصل إلى 15 ألف جنيه مصري للباحثين الذين ينشرون في مجلات Q1 المصنفة ضمن قواعد Web of Science، و12 ألفًا لمجلات Q2، و5 آلاف و3 آلاف جنيه لمجلات Q3 وQ4 على التوالي. كما يحصل الباحثون على 5000 جنيه لمجلات Q1 المدرجة في Scopus فقط، و3000 جنيه لـ Q2 ضمن نفس القاعدة.
وإدراكًا منها لأهمية دعم النشر المبكر، تخصص الجامعة مكافآت إضافية لطلاب الدراسات العليا المصريين، سواء من الهيئة المعاونة أو المسجلين من الخارج، تصل إلى 5000 جنيه عند النشر في مجلات Q1 ضمن Web of Science و3000 جنيه لمجلات Q2، إذا كان البحث مستخرجًا من الرسالة العلمية. وتدعم الجامعة أيضًا الباحثين فنيًا عبر ورش عمل ودورات تدريبية منتظمة حول مهارات النشر، إعداد الأوراق العلمية، واختيار المجلات المناسبة. وتقدم وحدات دعم البحث العلمي بالكليات استشارات متخصصة في الكتابة الأكاديمية، التحليل الإحصائي، والتدقيق اللغوي.
كما تُتيح الجامعة استخدام أدوات تقنية مثل Turnitin وiThenticate لفحص التشابهات وضمان أصالة الأبحاث، وتقدم خدمات موجهة لتقييم المجلات العلمية، ما يساعد الباحثين في اتخاذ قرارات نشر مدروسة.
ويُذكر أن جامعة المنصورة تحتفي سنويًا بإنجازات باحثيها من خلال فعاليات "عيد العلم"، حيث يتم تكريم المتميزين في النشر الدولي، تأكيدًا على تقديرها للدور المحوري الذي يلعبه البحث العلمي في دعم التنمية والتقدم الأكاديمي.
• ما مدى تفعيل الشراكات مع القطاع الصناعي والمجتمع المدني لتحويل الأبحاث إلى تطبيقات عملية؟
في إطار سعيها لربط البحث العلمي بالواقع العملي، أطلقت جامعة المنصورة مشروعًا مؤسسيًا بالتعاون مع هيئة الرقابة الإدارية، يهدف إلى تطوير الصناعة وحل مشكلات المناطق الصناعية والاستثمارية في الدقهلية وقطاع الدلتا. يشارك في هذا المشروع رجال الأعمال والمستثمرون، بالإضافة إلى خبراء وأعضاء هيئة التدريس، لتسويق واستثمار مخرجات البحوث العلمية بما يخدم التنمية المستدامة.
كما أطلقت الجامعة مبادرة "Inno-Scan" التي تهدف إلى تسويق المخرجات البحثية التطبيقية وتطبيق البحوث في المصانع والهيئات المرتبطة. تساعد هذه المبادرة الباحثين على إيجاد وسائل اتصال مع الهيئات الصناعية والتطبيقية، وتوفير فرص للباحثين للتفاعل مع الصناعة والاستفادة من الخبرات العملية لدعم الصناعة المحلية والاقتصاد الوطني.
وفي سياق تعزيز الشراكات مع المجتمع المدني، نظمت جامعة المنصورة فعاليات ومؤتمرات تهدف إلى تحويل مخرجات البحث العلمي الأكاديمي إلى تطبيقات عملية تُنفّذ على أرض الواقع، وتُسهم بشكل فعّال في تحقيق التنمية المستدامة.
تؤكد هذه المبادرات التزام جامعة المنصورة بتفعيل دورها في خدمة المجتمع والبيئة المُحيطة، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال التعاون المثمر مع القطاع الصناعي والمجتمع المدني.
حدثنا عن البنية التحتية البحثية بالجامعة؟
المعامل المركزية، المراكز البحثية، ومبادرات التحول الرقمي في خدمة البحث العلمي.
في إطار سعي جامعة المنصورة المستمر لتعزيز البحث العلمي ودعم الابتكار، كثفت جامعة المنصورة جهودها لتطوير بنيتها التحتية البحثية، من خلال إنشاء معامل مركزية عالية التجهيز، مراكز بحثية متخصصة، وتفعيل مبادرات التحول الرقمي، بما يعزز مكانتها كواحدة من الجامعات الرائدة في مصر والمنطقة.
وتضم الجامعة معامل مركزية متطورة تخدم مختلف التخصصات العلمية، منها وحدة الميكروسكوب الإلكتروني، ووحدة الرنين النووي المغناطيسي، إضافة إلى معامل التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية، التي توفر للباحثين خدمات تحليلية دقيقة تواكب المعايير الدولية. وتجدر الإشارة إلى اعتماد 10 معامل دوليًا بجامعة المنصورة، تتوزع بواقع 5 معامل بكلية الطب، و2 بكلية الزراعة، و2 بكلية الهندسة، ومعمل واحد بمركز أمراض الكلى والمسالك البولية، ما يعكس التزام الجامعة بتطبيق أعلى معايير الجودة المعملية المعتمدة عالميًا.
وفيما يخص المراكز البحثية، أنشأت الجامعة عددًا من المراكز المتخصصة، أبرزها مركز البحوث الطبية التجريبية (MERC) الذي يسد الفجوة بين البحث الأساسي والتطبيقي، ويعمل في مجالات دقيقة مثل الخلايا الجذعية وعلوم الأعصاب. كما يبرز مركز أبحاث الجينوم والسرطان، الذي يقدم خدمات متقدمة في البيولوجيا الجزيئية، ومركز النانوتكنولوجي الذي يطور تطبيقات دقيقة في مجالات الطاقة والصحة والبيئة.
ولم تغفل الجامعة أهمية التحول الرقمي، إذ أطلقت مبادرة "شهادة أساسيات التحول الرقمي" كمتطلب رئيسي لطلاب الدراسات العليا، بهدف تنمية قدراتهم على استخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة في البحث. كما طورت بنيتها المعلوماتية من خلال تحديث الشبكات، تأمين البيانات، وتوفير منصات إلكترونية تدعم العمل البحثي والإداري. وفي هذا السياق، أطلقت الجامعة منصة "Knowture" الرقمية، وهي منصة معرفية متخصصة تهدف إلى تطوير تجربة التعليم العالي، وتضم مجموعة من المحاضرات والموارد العلمية المقدمة من خبراء جامعة المنصورة وعدد من الجامعات العالمية المرموقة، بما يربط الطالب والباحث بأحدث المعارف والتقنيات الأكاديمية عالميًا.
وتؤكد هذه الخطوات حرص جامعة المنصورة على توفير بيئة علمية متكاملة تُمكّن الباحثين من الوصول إلى أعلى مستويات الأداء العلمي، وتسهم في تحقيق رؤية الجامعة نحو التميز والريادة في مجالات البحث والابتكار..
كيف تتعامل الجامعة مع التحديات التي تواجه الباحثين، مثل صعوبة النشر أو ضعف فرص السفر والمشاركة في المؤتمرات الدولية؟
في ظل التحديات التي تواجه الباحثين وطلاب الدراسات العليا، وعلى رأسها صعوبة النشر العلمي وضعف فرص السفر للمشاركة في المؤتمرات الدولية، تواصل جامعة المنصورة تقديم دعم شامل عبر برامج تحفيزية، واتفاقيات تعاون دولي، ومبادرات تقنية وأكاديمية..
فعلى صعيد النشر العلمي، يمثل النشر في المجلات العلمية المصنفة عالميًا أحد أبرز التحديات التي تواجه الباحثين وطلاب الدراسات العليا في الجامعات المصرية، نتيجة الارتفاع الكبير في تكاليف النشر، وتعقيد شروط القبول في الدوريات المحكمة، خاصة في مجلات التصنيف الأول (Q1) والثاني (Q2). وفي مواجهة هذه العقبة، قدمت جامعة المنصورة نموذجًا طموحًا واستثنائيًا في دعم النشر الدولي، عبر حزمة من الحوافز المالية والتيسيرات المادية والمعنوية.
فقد أقرت الجامعة نظامًا متكاملًا لتشجيع النشر في الدوريات الدولية، يشمل مكافآت مالية مجزية تُمنح لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم عن كل بحث يُنشر في مجلات علمية رفيعة المستوى، خصوصًا مجلات Nature وScience والمجلات المصنفة ضمن قوائم "Top Journals" حسب تصنيف Shanghai Academic Excellence Survey.
ويصل سقف المكافآت إلى 100 ألف جنيه للباحث الرئيسي المنتسب للجامعة، و50 ألفًا للباحث الأول، وهو ما يعكس التقدير العملي للجهد المبذول في نشر الأبحاث ذات الجودة العالية.
كما لم تغفل الجامعة عن دعم الباحثين في قطاع العلوم الإنسانية، إذ تساهم في تغطية تكاليف النشر في مجلات Scopus، وفقًا لتصنيف المجلة، وتصل المساهمة إلى 15 ألف جنيه للأبحاث المنشورة في مجلات Q1، نزولًا إلى 2،000 جنيه لمجلات Q4، بشرط تقديم مستندات الدفع الرسمية.
ومن أجل تشجيع الجيل الجديد من الباحثين، خصصت الجامعة مكافآت إضافية لطلاب الدراسات العليا – سواء من الهيئة المعاونة أو من الباحثين المستقلين – عند نشر أبحاثهم المستخرجة من الرسائل العلمية في مجلات Web of Science، بواقع 5،000 جنيه لمجلات Q1، و3،000 جنيه لمجلات Q2.
بهذا النهج، تعالج جامعة المنصورة واحدة من أبرز العقبات التي تعرقل المسار الأكاديمي للباحثين، وتؤسس لبيئة علمية محفزة قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا، وهو ما يُترجم فعليًا في تزايد معدلات النشر الدولي وتحسن تصنيف الجامعة في مؤشرات التميز البحثي.
وأولت الجامعة اهتمامًا خاصًا لتعزيز الحضور الدولي لعلمائها، من خلال مكتب العلاقات الدولية الذي يقود جهود توقيع وتفعيل أكثر من 145 اتفاقية تعاون دولية مع 35 دولة حول العالم، تشمل مناطق الشرق الأوسط، أوروبا، آسيا، أمريكا الشمالية، وإفريقيا.
ومن أبرز الشراكات التي تخدم هذا التوجه:
• برنامج Erasmus+ الأوروبي، الذي يوفر فرصًا للتبادل الأكاديمي والسفر للمشاركة في مشروعات بحثية وتعليمية.
• اتفاقيات مع جامعة سينوب بتركيا، ومختبر الدولة الرئيسي للروبوتات والأنظمة في معهد هاربين للتكنولوجيا بالصين، تعزز التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
• بروتوكولات تعاون مع جامعة شمال أريزونا وكلية الطب بجامعة تينيسي في الولايات المتحدة الأمريكية، تسهم في نقل الخبرات الطبية والبحثية المتقدمة.
• شراكة فاعلة مع المركز القومي لبحوث المياه بشبرا الخيمة، تعكس التوجه نحو خدمة قضايا التنمية المستدامة.
وتغطي الاتفاقيات بلدانًا متنوعة منها:
• الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مصر، العراق، ليبيا، السعودية، الكويت، الإمارات، عمان، البحرين، الجزائر، اليمن، الأردن.
• أوروبا: إنجلترا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المجر، رومانيا، بلغاريا، النرويج، البرتغال، فنلندا، روسيا، ليتوانيا.
• آسيا: الصين، اليابان، كازاخستان، أوزبكستان، أذربيجان، باكستان، إندونيسيا، تايلاند.
• أمريكا الشمالية وإفريقيا: الولايات المتحدة، كندا، نيجيريا.
إلى جانب ذلك، توفر الجامعة حوافز مالية للباحثين لنشر أبحاثهم في مجلات مفهرسة عالمية، وتنظم ملتقيات مثل "ملتقى شباب الباحثين" الذي يشجع التفاعل العلمي المحلي والدولي، إلى جانب تقديم ورش تدريبية لدعم مهارات النشر العلمي والتواصل مع المجلات ذات التصنيف المرتفع.
هذه الجهود مجتمعة تُترجم رؤية جامعة المنصورة في أن تكون جامعة عالمية بمعاييرها، ومركزًا إقليميًا للإبداع البحثي والتعاون الدولي.
ما تقييمكم لمدى ارتباط الأبحاث العلمية بقضايا المجتمع واحتياجات الدولة التنموية، خصوصًا في مجالات الصحة والبيئة والطاقة؟
ترسخ جامعة المنصورة نموذجًا واضحًا في تحويل البحث العلمي إلى أداة عملية لخدمة قضايا المجتمع والدولة، حيث توجه منظومتها البحثية نحو التحديات الفعلية في مجالات الصحة العامة، البيئة، والطاقة، مع الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
في قطاع الطاقة والبيئة، أنجزت الجامعة مشروعًا رائدًا يتمثل في تصميم وحدة متنقلة عالية الكفاءة لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من غازات عادم السفن، والذي يُعد من الابتكارات المتقدمة في تقنيات الحد من الانبعاثات الكربونية.
تستهدف الوحدة التقاط أكثر من 80% من انبعاثات CO₂ بكفاءة عالية وبأقل استهلاك للطاقة، مع إمكانية استخدامها في الصناعات الثقيلة مثل الأسمنت والأسمدة. ويأتي هذا المشروع في سياق تحويل مصر إلى مركز استراتيجي للطاقة النظيفة، مستفيدة من موقعها البحري وبنيتها التحتية.
أما في القطاع الزراعي، فقد طور باحثو الجامعة مبيدًا حيويًا يُعرف باسم "قاهر الهالوك"، لمواجهة أحد أبرز التحديات الزراعية التي تهدد الأمن الغذائي في مصر، وهي حشيشة الهالوك التي تسبب فقدًا كليًا لمحصول الفول البلدي. ويتميز هذا الابتكار بكونه آمنًا بيئيًا، وفعالًا في خفض الاعتماد على المبيدات الكيميائية، ما يعزز من الإنتاج المحلي ويقلل فاتورة الاستيراد.
وفي مجال الزراعة الذكية، أطلقت الجامعة مشروع VerTechX، وهو بيت زجاجي ذكي يجمع بين الزراعة العمودية، الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء (IoT)، بهدف تعظيم الإنتاج الزراعي وتقليل استهلاك الموارد.
ويعتمد المشروع على شبكة من الحساسات المتصلة بأنظمة تحكم سحابية لضبط البيئة المثالية لنمو المحاصيل، مما يجعله نموذجًا عمليًا للتكيف مع تغير المناخ وندرة المياه.
في ميدان الابتكار الصحي والتقنيات المساعدة، طوّر فريق بحثي بالجامعة كرسي WASSELA المتعدد الوظائف لذوي الشلل النصفي، والذي يمكّن المستخدمين من الوقوف وأداء مهامهم اليومية باستقلالية، بما في ذلك الدخول إلى الحمام دون مساعدة. يستهدف هذا المشروع أكثر من مليون شخص في محافظات دلتا مصر، ويسهم في تحسين جودة حياتهم نفسيًا ووظيفيًا.
ويأتي هذا التوجه البحثي التطبيقي مدعومًا ببنية تنظيمية قوية، تمثلت في إنشاء كلية الدراسات العليا التي تُعنى بإطلاق برامج بينية حديثة، تجمع بين مجالات متعددة لتقديم حلول مبتكرة للقضايا المجتمعية. وتسهم الكلية في تعزيز التصنيف الدولي للجامعة، عبر شراكات مع جامعات عالمية، وتطوير برامج تستجيب للمتغيرات التنموية والتكنولوجية.
كما نظّمت الجامعة المؤتمر الدولي الأول لقطاع الدراسات العليا والبحوث، الذي تناول التعاون الدولي والابتكار في التعليم العالي، مع التركيز على دور الذكاء الاصطناعي في الطب، والطاقة، وعلوم الحياة، بمشاركة خبراء محليين ودوليين، وهو ما يعكس توجه الجامعة نحو البحث التطبيقي متعدد التخصصات.
وتُسهم المبادرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي أطلقتها الجامعة، في نشر الوعي بهذه التقنيات، وتحديد أفضل استخداماتها في التعليم والبحث، تماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، بما يدعم الابتكار ويعزز من جاهزية الخريجين للتعامل مع تحديات الاقتصاد الرقمي.
من خلال هذه الجهود التكاملية، تؤكد جامعة المنصورة أن البحث العلمي ليس نشاطًا أكاديميًا منفصلًا، بل رافد حقيقي للتنمية المجتمعية والاقتصادية، ومحرك فعّال في مسيرة مصر نحو المستقبل.
ما خططكم المستقبلية لتطوير منظومة الدراسات العليا وزيادة برامج الماجستير والدكتوراه المشتركة مع جامعات دولية؟
في إطار سعي جامعة المنصورة المتواصل لتعزيز جودة منظومة الدراسات العليا والارتقاء بها إلى المستويات العالمية، وضعت جامعة المنصورة خطة مستقبلية طموحة ترتكز على التوسع في البرامج الأكاديمية متعددة التخصصات، وتعزيز الشراكات الدولية مع جامعات مرموقة، بما يسهم في دعم البحث العلمي التطبيقي، وتخريج كوادر بحثية قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
وفي مقدمة هذه الخطة يأتي تفعيل دور كلية الدراسات العليا، التي مستهدف إنشاؤها مؤخرًا بهدف تنسيق البرامج البينية، وتطوير شراكات علمية وأكاديمية مع مؤسسات تعليمية دولية. وتسعى الكلية إلى طرح برامج ماجستير ودكتوراه مزدوجة أو مشتركة (Joint/Dual Degrees) مع جامعات ذات تصنيفات متقدمة، في مجالات حيوية مثل الصحة، الطاقة، الذكاء الاصطناعي، والعلوم الاجتماعية.
وتعمل الجامعة حاليًا على تحديث اللوائح الأكاديمية لمرحلة الدراسات العليا، بما يسمح بإدخال أنظمة مرنة لتبادل الأساتذة والطلاب، واعتماد الساعات المعتمدة والنقاط الأوروبية (ECTS)، لتسهيل معادلة الشهادات وفتح آفاق التسجيل المشترك مع جامعات أجنبية، خاصة ضمن برامج Erasmus+، واتفاقيات التعاون الحالية التي تربط الجامعة بـ35 دولة حول العالم.
وتولي الجامعة اهتمامًا خاصًا بتعزيز المهارات البحثية للطلاب من خلال توسيع قاعدة التدريب العلمي المتقدم، والربط بين موضوعات الرسائل العلمية وأولويات التنمية في الدولة، وتشجيع الأبحاث التطبيقية ذات الأثر المجتمعي، في إطار استراتيجية وطنية لدعم الابتكار.
وفي المستقبل القريب، تستهدف الجامعة إنشاء درجات بحثية مشتركة في المجالات عالية التخصص مثل التكنولوجيا الحيوية، الهندسة الحيوية، الطاقة المتجددة، والعلوم الطبية الدقيقة، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية في أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية.
بهذه الرؤية، تؤكد جامعة المنصورة التزامها بتطوير منظومة دراسات عليا مرنة، دولية، ومرتبطة بالتحديات الواقعية، بما يعزز من مكانة الجامعة في التصنيفات العالمية، ويرسّخ دورها كمؤسسة بحثية فاعلة في صناعة المستقبل.
• كيف تسهم جامعة المنصورة من خلال البحث العلمي في تنفيذ أهداف "رؤية مصر 2030"، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والابتكار؟
تلعب جامعة المنصورة دورًا محوريًا في تنفيذ محاور "رؤية مصر 2030"، حيث وضعت البحث العلمي في قلب استراتيجيتها، وسعت إلى تسخير إمكانياتها الأكاديمية والطبية والبحثية لتقديم حلول واقعية تدعم تحسين جودة التعليم، النهوض بالخدمات الصحية، وتعزيز الابتكار لخدمة المجتمع والاقتصاد الوطني.
في قطاع الصحة، قادت الجامعة العديد من المبادرات البحثية والعلاجية من خلال مركز الكلى والمسالك البولية، أحد أبرز المراكز في الشرق الأوسط في مجال زراعة الأعضاء. كما تم توقيع اتفاقية مع المجلس العربي للاختصاصات الصحية، تم بموجبها اعتماد مستشفيات جامعة المنصورة كمراكز تدريب تمنح شهادات مهنية عالية المستوى، مما يسهم في تأهيل الكوادر الطبية وفق المعايير الدولية. وتسهم مستشفيات الجامعة كذلك في دعم البحوث السريرية وتطوير أساليب التشخيص والعلاج في تخصصات دقيقة.
وفي مجال الابتكار، أطلقت الجامعة مشاريع بحثية تطبيقية تعكس التزامها بأهداف الاستدامة البيئية والاقتصادية، منها مشروع لالتقاط ثاني أكسيد الكربون من عوادم السفن، والذي يُعد خطوة استراتيجية نحو الاقتصاد الأخضر، ومشروع "قاهر الهالوك"، وهو مبيد حيوي صديق للبيئة يعالج واحدة من أكبر مشكلات الزراعة في مصر. كما قدمت الجامعة نموذجًا متقدمًا في مجال الزراعة الذكية من خلال مشروع "VerTechX"، الذي يجمع بين الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين الإنتاج وتقليل استهلاك الموارد، إلى جانب ابتكار "WASSELA"، وهو كرسي متحرك متعدد الاستخدامات يُمكّن ذوي الإعاقة من الاعتماد على أنفسهم في أداء المهام اليومية.
أما في التعليم، فتستهدف جامعة المنصورة إلى انشاء "كلية الدراسات العليا" لتقديم برامج بينية تتماشى مع احتياجات التنمية وسوق العمل، تُسهم في تحسين التصنيف الدولي للجامعة. وتعمل الكلية على إضفاء البُعد الدولي على المقررات الدراسية من خلال شراكات مع جامعات ذات تصنيف عالمي، كما تُشرف على مراجعة وتحديث اللوائح الدراسية بالتنسيق مع لجان متخصصة في كل كلية لضمان توافق البرامج مع المواصفات العالمية للخريجين.
كما أطلقت الجامعة منصة "Knowture" الإلكترونية لتقديم محتوى رقمي متطور ومحاضرات من أساتذة مصريين وعالميين، ما يعكس توجه الجامعة نحو التعليم الذكي. وتُشجع الجامعة المبعوثين إلى الجامعات الأجنبية على عقد بروتوكولات تعاون دولي تفتح مجالات البحث المشترك وتبادل الخبرات.
من خلال هذه المنظومة المتكاملة، تُجسد جامعة المنصورة نموذجًا ناجحًا للجامعات المنتجة والمؤثرة، التي تربط بين العلم والتنمية، وتسهم بفعالية في تحقيق مستقبل أفضل لمصر وفقًا لأهداف "رؤية 2030".
وأخيرًا، ما الرسالة التي توجهونها للباحثين الشباب في جامعة المنصورة؟ وكيف يمكنهم المساهمة في نهضة مصر العلمية؟
في ظل المتغيرات العالمية والتحديات الوطنية، توجه جامعة المنصورة رسالة واضحة ومفعمة بالثقة والأمل إلى الباحثين الشباب من أبنائها: أنتم طليعة النهضة العلمية، وركيزة مستقبل مصر القائم على المعرفة والابتكار.
تؤمن الجامعة بأن الشباب هم المحرك الأول لتقدم البحث العلمي، وأن كل مشروع بحثي يبدأ بفكرة، ويكبر بالإصرار، ويُحدث الفرق بالعلم. لذلك، تدعو الجامعة الباحثين الشبان إلى أن يضعوا أمام أعينهم هدفًا أسمى من مجرد النشر أو الترقية، وهو إنتاج معرفة تُترجم إلى حلول حقيقية لقضايا المجتمع المصري، سواء في الصحة أو البيئة أو الغذاء أو الصناعة أو الطاقة.
كما تحثهم على استثمار الفرص التي توفرها الجامعة من دعم مالي، وحوافز نشر، وبرامج تبادل علمي دولي، ومنصات رقمية، ومراكز بحثية متقدمة، مؤكدة أن الإمكانيات موجودة، لكن الفارق يصنعه الشغف والجدية والاستمرار.
وتشجع الجامعة شبابها على العمل بروح الفريق، والانفتاح على التخصصات الأخرى، والانخراط في برامج الدراسات العليا البينية، والسعي نحو شراكات بحثية مع جامعات عالمية، من خلال المكتب الدولي ووحدات الابتكار والتعاون العلمي.
وتؤمن الجامعة أن الباحث الشاب لا يؤدي فقط دورًا علميًا، بل يُسهم في بناء الصورة الذهنية لمصر كدولة تضع البحث والابتكار على قمة أولوياتها. لذلك، فإن كل ورقة علمية يُنجزها، وكل مشروع تطبيقي يشارك فيه، هو لبنة حقيقية في بناء اقتصاد المعرفة والتنمية المستدامة.
وفي ختام هذا الحوار، تتجلى ملامح رؤية واضحة يقودها الدكتور طارق غلوش لتطوير قطاع الدراسات العليا والبحوث في جامعة المنصورة، قائمة على أسس الابتكار، وتحفيز التميز، والانفتاح على التجارب العالمية. فالإصرار على الارتقاء بالبحث العلمي وتحويله إلى ركيزة للتنمية المستدامة، لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة وطنية في ظل ما يشهده العالم من تحولات معرفية وتكنولوجية عميقة.
ولعل ما يميز الدكتور غلوش، ليس فقط قدرته على الإدارة الرشيدة لهذا الملف الحيوي، بل أيضًا خلفيته الأكاديمية والعلمية الثرية؛ فهو حاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من كلية العلوم بجامعة المنصورة، وشغل العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية المرموقة، من بينها عمادة كلية العلوم، إلى أن صدر قرار تعيينه نائبًا لرئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث.
وقد شارك في العديد من المشاريع البحثية محليًا ودوليًا، وله إسهامات علمية منشورة في مجلات دولية محكمة، إلى جانب إشرافه على عدد كبير من الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه.
إن مسيرة الدكتور طارق غلوش تمثل نموذجًا للعالم الأكاديمي الذي يوازن بين العمل الإداري والتفوق العلمي، ويؤمن بأن مستقبل الجامعات المصرية يبدأ من الاستثمار الحقيقي في العقول، والتمكين الكامل للبحث العلمي كقاطرة للتقدم والنهوض الوطني.
0 تعليق