سعيّد عن الانتقادات الغربية في قضية التآمر: الصورة لا تحتاج إلى توضيح (الجزيرة)
سعيّد عن الانتقادات الغربية في قضية التآمر: الصورة لا تحتاج إلى توضيح (الجزيرة)
6/5/2025
"هي فضيحة.. ووصمة عار على القضاء. أعدتها وأقولها: القضاء في وضعية دمار شامل. ووضعه ليس بعيدا عن وضع غزة. وهذا موقف يلزمني وحدي. السكاكين ليست موجهة على المعتقلين، بل على رئيس الدائرة الذي سيصدر الحكم الآن".
كان هذا التصريح المقتضب لأحمد صواب عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين التونسيين على ذمة قضية التآمر على أمن الدولة قبيل دقائق من إعلان الأحكام الصادمة، كافيا كي تزجه السلطات الأمنية في السجن. فتجرؤه على الإشارة للضغوط، التي تمارسها السلطات على القضاة في سياق القضية، كان كافيا لاتهامه بـ"التحريض على العنف". فما بالك بالملاحقين في إطار القضية ذاتها والذين صدرت بحقهم أحكام تعتبر الأقسى في تاريخ القضاء التونسي.
استغرق عمل أجهزة التحقيق والقضاء على هذا الملف الغامض سنتين وشهرين، بدأت في فبراير/شباط 2023 بحملة اعتقالات شملت عشرات السياسيين المعارضين ورجال الأعمال، وانتهت آخر فصوله في 19 أبريل/نيسان الماضي عندما أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية في تونس أحكاما تتراوح بين 13 و66 عاما ضد المتهمين بقضية "التآمر على أمن الدولة".
حقبة السجناء السياسيين
لم تثر القضية المصطنعة استغراب الهيئات الحقوقية الدولية حتى قبل صدور الأحكام الخاصة بها، فخلصت هيومن رايتس ووتش مثلا في تقرير نشرته في 16 أبريل/نيسان الماضي إلى أن "تونس لم تشهد قمعا كهذا منذ الثورة في 2011"، في إشارة إلى نظام حكم زين العابدين بن علي التسلطي (نوفمبر/تشرين الثاني 1987- يناير/كانون الثاني 2011).
وأوضح بسام خواجة نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش أن "حكومة الرئيس قيس سعيد أعادت البلاد إلى حقبة السجناء السياسيين، وسلبت التونسيين الحريات المدنية التي حصلوا عليها بصعوبة".
ويلاحق في قضية "التآمر على أمن الدولة" 40 شخصا، من بينهم قياديون بارزون من المعارضة من جبهة الخلاص الوطني، وحركة النهضة الإسلامية، بالإضافة إلى سياسيين مستقلين.
ومن أبرز المدانين في القضية رجل الأعمال كمال اللطيف (السجن 66 سنة)، والأمين العام السابق لحزب التكتل الديمقراطي خيام التركي (السجن 48 سنة)، والقيادي بحزب حركة النهضة نور الدين البحيري (السجن 43 سنة)، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج (السجن 18 سنة).
وأدين أيضا أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي (السجن 18 سنة)، والوزير الأسبق غازي الشواشي (السجن 18 سنة)، والرئيس السابق لاتحاد المزارعين عبد المجيد الزار (السجن 33 سنة) ورئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي (السجن 18 سنة).
ورغم أن القضية شغلت الرأي العام المحلي والدولي والهيئات الحقوقية طوال 25 شهرا فإن المسوغات التي بنيت عليها الاتهامات لم تظهر في نص الحكم. وتشير ترجيحات المراقبين إلى أن مضمونها ورد عن لسان الرئيس التونسي في شريط فيديو نشره موقع الرئاسة في أعقاب اجتماع يوم 21 مارس/آذار الماضي لمجلس الأمن القومي، عندما قال "أسبوع للانتحارات بإضرام النار، وأسبوع لحالات تسمم، وأسبوع لقطع الطرقات، وغياب مفاجئ في بعض المناطق للسلع والبضائع، ورشق بالحجارة بعد الإفطار تقريبا كل يوم على الساعة 21:15 بعدد من المناطق (..) الأوان حان لوضع حد للعصابات الإجرامية التي تنشط في عديد المرافق العمومية عبر وكلائها".
الردود
أما ردود الأفعال على الأحكام القاسية داخل تونس فبقيت محدودة بأسر المعتقلين الذين نفذوا وقفات احتجاجية أمام المحكمة بعد منعهم من دخولها، ولدى المنظمات الحقوقية المحلية.
وعقدت المحكمة الابتدائية المكلفة بالنظر في القضية جلسة أولى في 4 مارس/آذار 2025 وثانية في 10 أبريل/نيسان الماضي استبقتها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومكتب فرع منظمة العفو الدولية بتنظيم محاكمة صورية في قاعة سينما هدفها محاكاة لشروط "المحاكمة العادلة".
أما المتهمون أنفسهم فاستبق 6 منهم صدور الأحكام ونظموا في 9 أبريل/نيسان الماضي إضرابا عن الطعام.
ووزعت تنسيقية عائلات المعتقلين الستة بيانا بشأن ما سمتها "قضية التآمر الوهمية" تضمّن احتجاجا على تغييبهم "عن المحاكمة بعد أكثر من عامين من الاحتجاز القسري وحرماننا من حق دفع التهم الباطلة والمحاضر المزورة".
وأعربت كذلك عن رفضها منع وزارة العدل التداول الإعلامي للملف، و"تسخير شهود زور محجوبي الهوية".
وفي يوم النطق بالحكم كان لافتا حضور ممثلين لسفارات فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي، مما أثار الأسئلة عن قدرة هذه الدول على الضغط على حكومة قيس سعيد لإجبارها على رفع يد السلطة السياسية عن القضاء.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس مركز جنيف للديمقراطية وحقوق الإنسان أنور الغربي للجزيرة نت إن "هذه الأطراف هي شريكة رئيسية لتونس في مجمل المعاملات الدولية، كما أن اتفاق الشراكة المتميزة بين تونس والاتحاد الأوروبي يُلزم في بنده الثاني الدولة التونسية باحترام حقوق الإنسان، وفي حال عدم احترام ذلك فإن الاتفاق برمته يصبح مهددا".
ويضيف أن "حضور هذه الأطراف مهم من هذه الزاوية، خاصة أنهم يدركون جيدا أن هذه المحاكمة شابتها العديد من الخروقات، من بينها اختطاف أشخاص من الشارع، واحتجازهم في ظروف غير قانونية، ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم أو الاستماع إليهم من طرف قاضي التحقيق".
جانب من احتجاج المعارضة وأهالي المساجين أمام المحكمة بالعاصمة تونس في أبريل/نيسان 2025 (الجزيرة)
جانب من احتجاج المعارضة وأهالي المساجين أمام المحكمة بالعاصمة تونس في أبريل/نيسان 2025 (الجزيرة)
وخلص الغربي إلى القول إن "العملية ككل افتقرت لمقومات المحاكمة العادلة من حيث الجريمة والتقاضي والمرافعة، وهي إجراءات أساسية لم يقع احترامها".
حضور السفراء هو شهادة دعم مهمة للمتقاضين، كما أن اقتصار السماح على الدبلوماسيين دون منظمات المجتمع المدني التونسي والجمعيات الحقوقية يطرح تساؤلات جدية.

أما داخليا فتباين تقييم المحاكمة غير المسبوقة بين الأحزاب الموالية لنظام سعيد والمعارضة له.
لا يتدخل
فعن تقييم "هيومن رايتس ووتش" للمحاكمة بأنها أتت في "سياق قمعي استفاد منه الرئيس قيس سعيّد لاستغلال النظام القضائي التونسي لمهاجمة المعارضين السياسيين"، يقول رئيس حزب "حركة الشعب يريد" عبد المجيد أولاد علي إن تقييم المنظمة الحقوقية "ليس صائبا ولا واقعيا، لأن السيد الرئيس قيس سعيّد هو رئيس لكل التونسيين، وهو لا يتدخل في القضاء".
واعتبر أولاد علي في تصريح للجزيرة نت أن "قضية التآمر على أمن الدولة جاءت في سياق متصل بهذه المجموعة، وكانت لدى القضاء والأمن التونسي المعطيات الكافية، الأمن والقضاء في تونس مستقلان ويعملان بكل تفانٍ، ومن ارتكب خطأ عليه أن يتحمل مسؤوليته".
وذكر أن "الواقع السياسي في تونس يثبت أننا في دولة نحترم فيها بعضنا البعض ونختلف في الرأي، ونرفض الهمجية واستعمال النفوذ السياسي لأي غاية أخرى".

بدوره، نفى الأمين العام الوطني لحزب المسار بدر الدين الغرسلاوي "وجود محاكمات سياسية في تونس، وليس لنا سياسيون في السجن، لكن هناك أناس خالفوا القانون بالحجة والمستند، وأثبتت التقارير الفنية أنهم قاموا بذلك ويجب أن يحاسبوا".
وأضاف الغرسلاوي "هناك عدد من السياسيين ينتقدون الرئيس، بما في ذلك حزبنا، ولا يقع لهم شيء، وهناك وقفات احتجاجية والناس يعبرون عن رأيهم في وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ولا يُحاسب أحد".
بالمقابل، رأى رئيس كتلة حزب قلب تونس في البرلمان السابق أسامة الخليفي أن "هذه الأحكام الصادرة أقل ما يقال عنها إنها أحكام رجعية ومتخلفة أعادت تونس إلى ما وراء الوراء، جاءت في قضية أفرغ من الفراغ، قضية ملفقة تعكس المنهج الاستبدادي لسلطة الانقلاب اليوم، هي إحدى قضايا التآمر التي بلغ عددها أكثر من 20 قضية".
ترهيب وإقصاء
وتابع الخليفي قائلا للجزيرة نت "تعكس هذه الأحكام تمشّي السلطة الحالية في سياسة الترهيب وإقصاء المعارضين السياسيين، واستعمال مرافق الدولة للتنكيل بالخصوم والزج بهم في السجون، لكن هذه القضايا، على عكس ما أريد لها خلقت ديناميكية داخل المعارضة، وقد تكون محورا فاصلا في مستقبل تونس الرافض للاستبداد والظلم".

أما الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض نبيل حجي فيرى أن تهمة التآمر على أمن الدولة هي تهمة سياسية مفبركة.
وأضاف حجي لوكالة الأناضول أن المتهمين كلهم سياسيون، وبعد الاطلاع على ملف القضية نجد أن ما فيه لا يرتقي إلى تهم.
ولم يقتصر رفض قضية التآمر على المعارضين لنظام سعيد، بل امتد إلى الأمم المتحدة ودولتين أوروبيتين مهمتين، فأدانت مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة مبكرا ما اعتبرته" اضطهاد المعارضين".
ودعا الناطق باسمها ثمين الخيطان السلطة في 18 فبراير/شباط الماضي إلى "الإفراج الفوري لأسباب إنسانية عن المسنين الذين يعانون مشكلات صحية".
وحض المفوض السامي تونس "على إعادة النظر في تشريعاتها الجنائية، وضمان توافقها مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره".
وبعد صدور الأحكام أدانتها متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية في بيان صدر في 4 أبريل/نيسان الماضي.
وقالت الوزارة في البيان "في نظرنا، الطريقة التي تمت بها المحاكمة لا تحترم حقوق المتهمين في محاكمة عادلة ومستقلة"، معربة عن أسفها "لاستبعاد المراقبين الدوليين -بما في ذلك السفارة الألمانية في تونس- في اليوم الأخير من المحاكمة".
وفي بيان مماثل صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية في اليوم ذاته قالت باريس إنها "علمت بقلق بالأحكام الثقيلة بحق أفراد عدة متهمين بالتآمر ضد أمن الدولة، من بينهم رعايا فرنسيون"، مضيفة "يؤسفنا عدم توافر ظروف المحاكمة العادلة".
تدخل سافر

وفي أحدث تصريح لسعيد عن الموضوع، انتقد علنا ضغوط الغرب والهيئات الحقوقية الدولية الرافضة للأحكام.
وقال سعيد في 29 أبريل/نيسان الماضي إن "التصريحات والبيانات الصادرة عن جهات أجنبية مرفوضة شكلا وتفصيلا وتعد تدخلا سافرا في الشأن الداخلي التونسي".
وهي العبارات ذاتها التي رددها في ختام اجتماع مجلس الأمن القومي في 21 مارس/آذار الماضي وختمها بالقول "كل هذا تزامن مع محاكمة المتهمين في قضية التآمر على أمن الدولة، والصورة لا تحتاج إلى توضيح".
المصدر : الجزيرة
0 تعليق