دمشق – وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا اتفاق تطويرِ وتشغيلِ ميناء اللاذقية مع شركة "سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) الفرنسية ضمن خطة للنهوض بواقع الموانئ السورية وتحسين كفاءتها التشغيلية.
وقالت الهيئة السورية إن مدة الاتفاق 30 عاما، وهي المدة المعتمدة عالميًا لمثل هذا النوع من الاستثمارات، لضمان الجدوى الاقتصادية وتحقيق الأهداف التطويرية المنشودة، مُبيِّنة أن الشركة الفرنسية ستباشر خلال هذه المدة بضخ استثمارات أولية بقيمة 30 مليون يورو (33.9 مليون دولار) خلال السنة الأولى، مخصَّصة لتطوير البنية التحتية والفوقية، وصيانة المعدات الحالية والأرصفة، بالإضافة إلى إدخال أنظمة تشغيل وتكنولوجيا حديثة تعتمدها الشركة في موانئ عالمية أخرى، كما ستضخ في السنوات الثلاث التالية استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو (226 مليون دولار).
وأشارت إلى أن الاتفاق يمنح الشركة الفرنسية مسؤولية إدارة وتشغيل محطة الحاويات، في حين تحتفظ الدولة بحق الرقابة والتقييم، وتبقى كافة حقوق السيادة الوطنية محفوظة بالكامل ضمن الإطار القانوني الناظم للعقود الاستثمارية البحرية.
ويندرج الاتفاق ضمن أحكام القانون السوري للاستثمار، مع الاحتكام إلى غرفة التجارة الدولية في لندن للتحكيم عند النزاعات، ما يعكس الثقة الدولية ويعزز الموثوقية القانونية للعقد.

آلية تصاعدية
وحسب الهيئة البحرية، تم وضع آلية تصاعدية لتوزيع الأرباح، إذ سترتفع نسبة الدولة من العائدات كلما زاد حجم المناولة وعدد الحاويات. ووفقًا للاتفاق، تبدأ حصة الدولة عند مستوى معين، ثم ترتفع تدريجيًا حتى تصل إلى 70%، مقابل 30% للشركة المشغلة، كما أن كافة النفقات التشغيلية ستكون من مسؤولية الشركة، ما يضمن أقصى قدر من الفائدة الاقتصادية للدولة.
إعلان
في السياق، أكد مدير العلاقات في الهيئة، مازن علوش في حديث للجزيرة نت أن أهمية الاتفاقية تكمن في كونها ستجلب استثمارات ضخمة خلال السنوات الأولى، ما سيسهم بشكل مباشر في تحسين البنية التحتية البحرية ورفع كفاءة عمليات المرفأ، مشيرا إلى أن الاتفاق سيعزز من تنافسية سوريا في قطاع النقل البحري، كما يُتوقع أن يسهم التعاون في خلق فرص عمل، وتحسين الإنتاجية، ودعم قطاعَي التصدير والاستيراد.
وشدد على أن جميع العمليات ستتم تحت إشراف الدولة ووفق القوانين النافذة، من دون منح أي امتيازات تشغيلية استثنائية للشركة الفرنسية، موضحًا أن العمل سيعتمد على الكوادر السورية، مع تنفيذ برامج تدريب وتأهيل تعتمد أحدث الأنظمة التشغيلية.
وكشف علوش عن وجود مشاريع جديدة قيد الدراسة تهدف إلى تحديث البنية التحتية البحرية وإعادة تأهيل المرافئ السورية، من بينها إمكانية تنفيذ استثمارات مماثلة في مرفأ طرطوس وبعض المنافذ البرية الحيوية.
وحسب علوش، شهدت محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية اهتمامًا كبيرًا من عدة شركات دولية، وعُرضت عدة مقترحات للاستثمار، إلا أن عرض الشركة الفرنسية كان الأكثر تميزًا من حيث الكفاءة الفنية والمالية، مما يضمن استمرارية التشغيل دون حدوث اضطراب في العمليات.
وتمت مراجعة جميع العروض المقدمة من قبل الشركات ضمن إطارٍ من الشفافية التامة، لضمان تحقيق أفضل النتائج لسوريا، بحسب وكالة الأنباء العربية السورية (سانا).
وبيّنت الوكالة أنه تمت متابعة المفاوضات من قبل فريق متخصص من الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، إضافةً إلى فرق مختصة في مؤسسة الرئاسة السورية، لضمان أعلى مستويات الدقة والمهنية في تقييم العرض ومتابعة التنفيذ وفق القوانين السورية.

أول استثمار حقيقي
وقال رئيس مركز "قاضي للاستشارات" الاقتصادية والإدارية والمالية في كندا وسوريا، أسامة القاضي في حديث خاص للجزيرة نت، إن الاستثمار الجديد في ميناء اللاذقية يُعد أول استثمار حقيقي بهذا الحجم في سوريا منذ عقود.
إعلان
وأشار إلى أن هذا المشروع قد يمثل تحولا اقتصاديا كبيرا في ظل الإدارة الجديدة للميناء.
وأوضح القاضي أن هذا الاستثمار، الذي تقوده شركة "سي إم إيه سي جي إم" الفرنسية، يعكس اهتمامًا دوليًا متجددًا بسوريا كموقع لوجستي مهم في شرق البحر المتوسط، مضيفا أن توسيع الميناء سيزيد من قدرته الاستيعابية، إذ يمكِن أن ترتفع الطاقة من نصف مليون حاوية إلى ما بين 2.5 و3 ملايين حاوية سنويًا.
ونوّه القاضي إلى أن الميناء كان يعاني من ضعف البنية التحتية، خاصة في ظل غياب الاستثمارات لعقود طويلة، إضافة إلى تعرضه لأضرار كبيرة نتيجة القصف وبعض العمليات العسكرية، بما في ذلك هجمات إسرائيلية خلال السنوات الأخيرة. وقال "الميناء بحاجة إلى أرصفة جديدة وتوسعة شاملة، مثل الأرصفة التي تتراوح بين 15 و17 مترًا، لتسهيل استقبال السفن الضخمة".
وفي مقارنة مع تجربة الصين في ميناء بيريوس اليوناني، حيث استثمرت بكين حوالي 600 مليون يورو (678 مليون دولار)، أوضح القاضي أن "سي إم إيه" الفرنسية ستستثمر نحو ثلث هذا المبلغ في اللاذقية، وهو رقم معقول لكنه يتطلب جهودًا أكبر لتطوير الميناء بشكل فعّال.
وتوقف القاضي عند البعد الرمزي لهذا الاستثمار، مشيرًا إلى أن مالك الشركة، رودولف سعادة، هو حفيد رجل أعمال سوري من مدينة اللاذقية، وقال "رودولف سعادة الجد غادر سوريا إلى لبنان ثم إلى فرنسا، وتزوج هناك من فرنسية. أما ابنه، جاك سعادة، فقد أسس واحدة من أكبر شركات الشحن البحري في العالم، ليقود الحفيد اليوم الشركة التي تعود للاستثمار في مسقط رأس الأسرة".
بدوره، يطالب الباحث السياسي عبد الله الخير بنشر تفاصيل مثل هذه الاتفاقات في الإعلام الرسمي وخصوصا أن الشركة خاصة وليس لها علاقة بالحكومة الفرنسية، بهدف أن يطّلع عليها الشعب السوري وتحقق الشفافية.
إعلان
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الشركة تعود لعائلة سورية، وهو أمر مهم، لكن ذلك لا يمنع من خلق جو تنافسي مع الشركات الأجنبية من خلال طرح هذه العقود الاستثمارية ضمن مزاد علني وشفاف، لأن الشعب قد سئم من الاتفاقات العلنية التي تصدر عن نظام الأسد والتي تُهدر فيها خيرات سوريا.
0 تعليق