تظهر القضية الفلسطينية في الأفلام السينمائية بأشكال مختلفة، ففي بعض الأحيان تكون كخلفية للأحداث، وفي أحيان أخرى حدثا رئيسيا. غير أن الوضع تغير بعد طوفان الأقصى، حيث عُرضت في المهرجانات العالمية أفلام مختلفة تُسلط الضوء على هذه القضية.
نركز هنا على أفلام حديثة للغاية، عُرضت بعد طوفان الأقصى، يركز بعضها على أحداث غزة تحديدا، مثل "من المسافة صفر"، بينما توضح أخرى أوجهًا مختلفة للصعوبات التي يضطر الفلسطينيون إلى التعامل معها يوميا فقط للبقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsمن "الست" إلى "روكي الغلابة".. هيمنة نسائية على بطولات أفلام 2025
رامي مالك في "الهاوي".. لوحة المفاتيح تواجه أجهزة الاستخبارات
الفيلم عمل فدائي
يسعى الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة إلى محو الهوية والتراث الفلسطيني بكل السبل. إحدى هذه الطرق تتمثل في تدمير الأرشيف الفلسطيني. في عام 1965، تم تأسيس مركز أبحاث فلسطين (PRC) في بيروت بهدف الحفاظ على الأرشيف الثقافي لتاريخ فلسطين ونضالها السياسي. وبعد سبعة عشر عامًا، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا على هذا الأرشيف واستولت على هذا التراث الثقافي.
على الجانب الآخر، لدينا المخرج الفلسطيني كمال الجعفري، المعني أساسا بالحفاظ على هذا الأرشيف واستخدامه كسلاح ضد هذه الاعتداءات. ففي فيلمه السابق "استعادة" (2015)، جمّع مواد من أفلام إسرائيلية صورت مدينة يافا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، حيث يظهر الفلسطينيون في الخلفية بشكل عابر، ثم استخدم التقنيات السينمائية، فمحا الممثلين الإسرائيليين من وسط الصور، وأعاد الفلسطينيين إلى الصدارة بعدما كانوا حبيسي الهامش.
إعلان
يستخدم كمال الجعفري سحر الأرشيف مرة أخرى في إنشاء قصة سينمائية مغايرة في فيلمه "الفيلم عمل فدائي"، والذي يستند إلى لقطات مصورة على مدار سنوات طويلة، وإعادة تجميعها مرة أخرى لتُظهر الصورة الوحشية التي مزق فيها الاحتلال فلسطين.
عُرض "الفيلم عمل فدائي" في عدة مهرجانات عالمية خلال 2024، وحصل على جوائز مختلفة منها جائزة لجنة التحكيم من مهرجان "فيجن دو ريل" (Visions du réel) وهو مهرجان دولي للفيلم الوثائقي، تأسس في عام 1969 في مدينة نيون، سويسرا.
برتقالة من يافا
يركز فيلم "برتقالة من يافا" للمخرج محمد المغني على مصاعب الحياة اليومية لفلسطيني لا يستطيع التحرك في بلاده بحرية. فالشاب الفلسطيني محمد (سامر بشارات) لا يرغب سوى في العبور من منطقة إلى أخرى، ولكنه يحتاج للمرور من تجمع أمني إسرائيلي، الأمر الذي يعني رفض مروره بنسبة 99%، بل تعريض حياته وحياة من يقله إلى خطر داهم.
غير أن حاجته الشديدة للمرور تجعله يخوض المغامرة، ويطلب من سائق سيارة أجرة أن يأخذه في رحلة. يظن فاروق (كامل الباشا) أن الشاب يحمل تصريح مرور، ولا يكتشف غياب هذا التصريح إلا بعد فوات الأوان، ليصبح مع محمد تحت رحمة الجندي الإسرائيلي الذي يتعرض لضغط من والدته لعمله في يوم السبت، الأمر المكروه دينيا من وجهة نظرها.
يقدم الفيلم قصته في أقل من نصف ساعة، الأمر الذي أدى إلى تكثيف الأحداث، وكذلك المشاعر المتضاربة لدى كل من الشخصيتين الرئيسيتين. وتصوير أغلب المشاهد بداخل السيارة أوصل للمتفرج شعور الضيق على الشخص السجين في محيط محدود، رغم اتساع العالم خارج هذا السجن. لتصبح السيارة مجازًا عن محبس الفلسطينيين داخل بلادهم.
فلسطين الراقصة
"فلسطين الراقصة" هو وثائقي يتناول عملية محو أخرى للتراث الفلسطيني، وهذه المرة لرقصة الدبكة الفلسطينية. يبدأ الفيلم بعملية بحث على شبكة الإنترنت عن هذه الرقصة، ليظهر عدم وجود المحتوى في بعض المواقع المعنية بالتراث، وضعفه في مواقع أخرى، ما يظهر عملية المحو الممنهجة لهذه الرقصة وتبعيتها للتراث الفلسطيني، كما حدث من قبل مع أكلات فلسطينية نسبت إلى إسرائيل.
إعلان
يقدم الفيلم سردا متوازيا لقصة الدبكة. يتمثل خط السرد الأول في الدبكة وتاريخها، وكيف ارتبطت بالتاريخ الفلسطيني من قبل النكبة وحتى الآن، بينما يركز الخط الآخر على تجربة مجموعة من الشباب الفلسطينيين الآن تعلم وتعليم رقصة الدبكة، لضمان استمرارها حتى في ظل الظروف المؤلمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
فكما أوضح فيلم "الفيلم عمل فدائي" من قبل، فإن الأرشيف، سواء بالوثائق أو الشفوي أو الفني، هو وسيلة للحفاظ على الوجود الفلسطيني في ظل عملية المحو والتطهير العرقي الذي يتعرض له الفلسطينيون في الوقت الحالي.
من المسافة صفر
"من المسافة صفر" هو مشروع سينمائي يوثق أحوال الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك على يد مجموعة من المخرجات والمخرجين الفلسطينيين. أطلق هذا المشروع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، بهدف توفير منصة للفنانات والفنانين الشباب للتعبير عن أنفسهم وما يعايشونه من آلام ومصائب وفقد من خلال فنهم.
يتكون "من المسافة صفر" من 22 فيلما قصيرا، يتراوح طول كل منها من 3 إلى 6 دقائق، ويقدم وجهة نظر واقعية بشكل مؤلم عن الواقع الحالي في غزة. حيث يعكس المشروع التجارب المتنوعة لحياة الناس اليومية، بما فيها من تحديات ومآس ولحظات صمود.
تتنوع الأفلام بين الوثائقي والرواية والرسوم المتحركة وحتى السينما التجريبية، مع تنوع غني من القصص التي تعكس الحزن والفرح والأمل الكامن في حياة كل مواطن في غزة. وعلى الرغم من ظروف التصوير القاسية، إلا أن التجربة الفنية التي يقدمها الفيلم ضرورية لفهم صور التعايش التي يضطر إليها سكان غزة يوميا، مقدمًا صورة حميمية وقوية عن الحياة اليومية ومعاناة الشعب الفلسطيني.
"لا أرض أخرى"
"لا أرض أخرى" هو الفيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي لهذا العام، يوثق فيه المخرج الشاب باسل عدرا طرد وتدمير أهالي القرى الجبلية الصغيرة مسافر يطا في جنوب الضفة الغربية. العملية التي تجري منذ طفولته باستلاب أجزاء من هذه الأرض عاما بعد عام. يستعرض الفيلم الذكريات المبكرة له كطفل والجنود الإسرائيليين يقتحمون منزله، ويعتقلون والده الناشط الفلسطيني، والاعتداءات المستمرة من المستوطنين.
إعلان
يوثق باسل على مر السنوات عمليات الإبعاد القسري، والجرافات التي تُدمر المنازل، والعنف الدائم. تقع أحداث الفيلم قبل 2023، غير أن عرض الفيلم بعد أحداث طوفان الأقصى أدى إلى تسليط الضوء على الاعتداءات المستمرة واليومية على الفلسطينيين، والتي تجعل حياتهم على أرضهم مستحيلة، حتى بعيدًا عما يجري الآن في فلسطين.
"لا أرض أخرى" هو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، بإخراج الرباعي باسل عدرا، وحمدان بلال، ويوفال إبراهيم، وراحيل تسور، وهم ناشطون فلسطينيون وإسرائيليون داعمون للقضية الفلسطينية، وعُرض في قسم البانوراما في مهرجان برلين السينمائي.
0 تعليق