عاجل

أردوغان دق ناقوس الخطر.. لماذا لا تثمر سياسة التحفيز السكاني بتركيا؟ - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

إسطنبول- تشهد تركيا منذ سنوات تراجعا مطردا في معدلات المواليد، في ظل تحولات اجتماعية واقتصادية باتت تغيّر من بنية الأسرة التركية وتؤخر سن الزواج والإنجاب، ومع تسجيل البلاد عام 2023 أدنى عدد من المواليد منذ 3 عقود، تصاعد القلق الرسمي والمجتمعي من تسارع شيخوخة السكان وتقلص قاعدة الشباب.

وفي هذا السياق، جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيره مما وصفه بـ"التهديد الديمغرافي الوجودي"، مؤكدا أن البلاد تقف على أعتاب مرحلة تراجع سكاني صريح خلال السنوات المقبلة، رغم الحوافز الحكومية المستمرة منذ قرابة عقد من الزمن لدعم الأسرة وتحفيز الإنجاب.

وجاء تحذير أردوغان الأخير خلال كلمته في الاجتماع العام الخامس لجمعية "المرأة والديمقراطية" بإسطنبول أبريل/نيسان الماضي، حيث حذّر من أن الأسرة التركية "تتعرض لتقويض غير مسبوق"، مشيرا إلى تزايد حالات العزوف عن الزواج والإنجاب في السنوات الأخيرة.

وقال أردوغان إن استمرار هذه الاتجاهات الديمغرافية قد يؤدي إلى انكماش عدد سكان تركيا خلال العقد المقبل، متوقعا تراجع عدد السكان بنحو 10 ملايين شخص بحلول نهاية القرن الحالي، ما لم تتغير السياسات الأسرية والاجتماعية. ووصف أردوغان هذا المسار السكاني بأنه "ينذر بمشكلة بقاء تواجه الأمة".

أردوغان خلال الاجتماع العام الخامس لجمعية المرأة والديمقراطية- الرئاسة التركية
أردوغان حذّر من تعرّض الأسرة التركية "لتقويض غير مسبوق" خلال اجتماع جمعية المرأة والديمقراطية (الرئاسة التركية)

انخفاض الخصوبة

وحسب بيانات معهد الإحصاء التركي لعام 2023، تراجع معدل الخصوبة الكلي في البلاد إلى 1.51 طفل لكل امرأة، وهو رقم أدنى بكثير من معدل الإحلال السكاني البالغ 2.1 المطلوب لضمان استقرار عدد السكان. كما سجلت البلاد ولادة نحو 958 ألف طفل فقط خلال العام، في أدنى رقم منذ تسعينيات القرن الماضي.

إعلان

وتباطأ معدل النمو السكاني السنوي بدوره من أكثر من 604 آلاف نسمة في 2022 إلى أكثر من 290 ألف نسمة في 2024. وسبق أن كشف الرئيس أردوغان، في خطاب سابق أمام كتلته البرلمانية في مارس/آذار الماضي، عن "مؤشرات مقلقة"، من بينها انخفاض معدل الخصوبة من 2.38 طفل لكل امرأة في عام 2001 إلى 1.51 مؤخرا، وارتفاع نسبة السكان فوق 65 عاما إلى أكثر من 10% لأول مرة في تاريخ تركيا.

وتشير التوقعات الرسمية إلى أن نسبة كبار السن مرشحة لتجاوز 19% بحلول عام 2030، وأن تصل إلى نحو 26% بحلول عام 2040، كما ارتفع سن الزواج الأول إلى 28 عاما لدى الرجال و26 عاما لدى النساء، وتجاوز سن الإنجاب الأول للأمهات 29 عاما.

An elderly man pushes a wheels carte in a street market in Eminonu commercial district in Istanbul, Turkey, Thursday, July 20, 2023. Turkey's central bank raised its key interest rate on Thursday July 20, 2023 to 17.5% in a further sign of commitment to orthodox economic policy following elections in May. (AP Photo/Khalil Hamra)
معدل الخصوبة في تركيا تراجع من 2.38 في عام 2001 إلى 1.51 حاليا بينما يبلغ مستوى التجديد السكاني المطلوب 2.1 (أسوشيتد برس)

عام للأسرة وحزمة حوافز

وفي محاولة لاحتواء التدهور الديمغرافي، أعلنت الحكومة التركية عام 2025 "عام الأسرة"، وأطلقت حزمة وطنية جديدة لدعم الزواج والإنجاب، وتشمل الحزمة قرض زواج دون فوائد بقيمة 150 ألف ليرة تركية (نحو 3950 دولارا)، يتم سداده خلال 4 سنوات، مع إعفاء من الأقساط في أول عامين، وذلك ضمن "صندوق دعم الأسرة والشباب" الذي بدأ تطبيقه في مناطق الزلزال ثم عمّم على عموم البلاد.

ورفعت الحكومة منحة الولادة للمولود الأول إلى 5 آلاف ليرة (132 دولارا)، وأقرت مساعدات شهرية بقيمة 1500 ليرة (40 دولارا) للمولود الثاني، و5 آلاف ليرة (132 دولارا) للطفل الثالث وما بعده، تُحوّل مباشرة إلى حساب الأم.

وتتضمن الحوافز أيضا خططا لتمديد إجازة الأمومة في القطاع العام إلى 12 شهرا مدفوعة الأجر، و18 شهرا غير مدفوعة، إضافة إلى تعزيز خدمات رعاية الأطفال، وتشجيع نظام العمل المرن للنساء العاملات.

وتضاف هذه التدابير إلى سياسات قديمة تبنّتها الحكومة منذ عام 2015، من بينها منح مالية للمولودين الجدد، وبرنامج "حساب المهر" لتشجيع الادخار للزواج، إلى جانب تسهيلات للأمهات العاملات في القطاع العام، وتوفير علاجات مجانية للعقم في المستشفيات الحكومية.

إعلان

عوامل معقّدة

وتقول وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية إن التحولات السريعة في نمط الحياة، وتنامي النزعة الفردية، وتأخر سن الزواج والإنجاب، كلها عوامل أضعفت من وظائف الأسرة التقليدية، وقللت من قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

وأوضحت الوزارة، للجزيرة نت، أن تراجع عدد الشباب من جهة، وتزايد أعباء رعاية المسنين من جهة أخرى، يفرضان ضغوطا كبيرة على قطاعات التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية، محذّرة من أن استمرار هذه الاتجاهات دون تدخل شامل سيؤدي إلى خلل في التوازن السكاني، وتباطؤ اقتصادي، واضطرابات هيكلية يصعب تصحيحها لاحقا.

ورأت الوزارة أن السياسات الإصلاحية تواجه كذلك تحديات ثقافية ومجتمعية، من بينها ضعف الروابط الأسرية، وتراجع رغبة الشباب في تأسيس أسرة، وانتشار النزعة الفردية الاستهلاكية، إضافة إلى ما وصفتها بـ"الخطابات العالمية العابرة للقيم والهوية" التي تؤثر على استقرار الأسرة التركية.

وشددت الوزارة على ضرورة اعتماد سياسات طويلة المدى وشاملة، تشمل إصلاح السياسات التعليمية والإسكانية، وتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل مع الحفاظ على التوازن الأسري، وتكثيف الجهود الإعلامية لإبراز أهمية الأسرة كقيمة اجتماعية مركزية.

قراءة اجتماعية

من جانبه، يرى الباحث الاجتماعي التركي مصطفى صولماز أن التراجع في معدلات الخصوبة لا يرتبط فقط بضعف الحوافز، بل هو نتيجة "تشابك عوامل بنيوية واقتصادية وثقافية تؤثر في قرارات الزواج والإنجاب".

وفي حديثه للجزيرة نت، قال صولماز إن ارتفاع تكاليف المعيشة، وغلاء الإيجارات، وتكاليف تربية الأطفال، إضافة إلى البطالة وعدم استقرار الدخل، تدفع العديد من الشباب لتأجيل الزواج أو تجنّب الإنجاب، لافتا إلى أن الأزمات الاقتصادية الكبرى في البلاد -كما حدث بعد 2001 و2018- أثّرت مباشرة في عدد المواليد.

إعلان

وأشار إلى أن التحول نحو الحياة الحضرية، وتراجع نموذج الأسرة الممتدة، وارتفاع معدلات التعليم وعمل النساء، كلها عوامل ساهمت في تقليص عدد الأطفال في كل أسرة، إذ تميل النساء العاملات والمتعلمات إلى تقليل الإنجاب لتحقيق التوازن بين العمل والحياة.

وأكد صولماز أن الحوافز المالية وحدها غير كافية، معتبرا أن الحل يتطلب إستراتيجية وطنية شاملة تخلق بيئة أسرية آمنة، وتحقق توازنا بين العمل والأسرة، وتعيد الثقة بمستقبل اقتصادي مستقر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق