تشهد الساحة السورية تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، في ظل إعلان الجيش الإسرائيلي انتشاره جنوب سوريا بذريعة "حماية المناطق الدرزية" ومنع دخول "قوات معادية"، بينما تواصل المقاتلات الإسرائيلية شن عشرات الغارات على مواقع عسكرية سورية، في وقت يخيّم فيه القلق على مصير المدنيين مع تصاعد الاشتباكات الداخلية والخارجية على حد سواء.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، أنه "يواصل متابعة التطورات مع الحفاظ على الجاهزية لمواجهة مختلف السيناريوهات"، دون أن يكشف عن حجم قواته المنتشرة أو نطاق هذا الانتشار. كما أشار إلى نقل خمس إصابات من المواطنين السوريين الدروز إلى مركز زيف الطبي في صفد للعلاج بعد إصابتهم داخل الأراضي السورية.
ليلة ملتهبة: أكثر من 20 غارة إسرائيلية وضحايا بالعشرات
وأكد الجيش الإسرائيلي في بيان لاحق أن غاراته الأخيرة استهدفت "موقعًا عسكريًا ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض-جو" داخل سوريا، مشددًا على أن عملياته ستتواصل "حسب الضرورة للدفاع عن المدنيين الإسرائيليين".
وفي المقابل، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن مقاتلات إسرائيلية نفذت أكثر من 20 غارة طالت مواقع في درعا وريف دمشق وحماة، استهدفت مستودعات ومراكز عسكرية، واصفًا هذه الضربات بأنها "الأعنف منذ بداية العام".
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي يستعد لتنفيذ ضربات إضافية، تشمل أهدافًا عسكرية وأخرى تابعة للنظام السوري، بهدف "منع أي محاولات انتقامية ضد السكان الدروز".
اشتباكات داخلية وخشية من انهيار أمني
في موازاة التصعيد الإسرائيلي، أفادت تقارير إعلامية بمقتل أكثر من 100 شخص في اشتباكات مسلحة اندلعت في مناطق عدة داخل سوريا، أبرزها جرمانا وأشرفية صحنايا، وامتدت لاحقًا إلى محافظة السويداء، ما يفاقم المخاوف من انفجار الوضع الأمني بشكل أوسع.
وحذرت لجنة دولية من تصاعد خطر التشرذم والضرر بالمدنيين جراء استمرار الغارات الإسرائيلية، مشيرة إلى أن "انتشار خطاب الكراهية والتحريض، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يغذي العنف ويهدد التماسك الاجتماعي الهش في سوريا". ودعت اللجنة جميع الأطراف إلى "وقف الأعمال العدائية فورًا، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، ومنع موجات نزوح جديدة".
رسالة درزية: دعوة إلى العقل ووحدة الدولة
وفي سياق متصل، وجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ سامي أبي المنى، رسالة إلى دروز سوريا دعاهم فيها إلى "الاحتكام للعقل وتفادي الانجرار نحو النزاع"، محذرًا من أن الأحداث الأخيرة تحمل "مشروع فتنة".
وخلال لقاء جمعه بعدد من السفراء العرب وسفير تركيا في بيروت، شدد أبي المنى على "ضرورة التعاون مع بقية السوريين والحكومة السورية"، داعيًا إلى منح الإدارة الجديدة في دمشق فرصة لـ "بناء الثقة وتحقيق العدالة والمساواة".
وقال في رسالته: "فلنفسح المجال أمام هذه الإدارة الجديدة، كي تثبت جدارتها وتطمئن ناسها، وتزرع الثقة في مجتمعها، وتعالج أمور الناس، الذين يحق لهم أن يطمئنوا أولًا، فيمدوا يد العون والتعاون لبناء سوريا الجديدة على أسس ديمقراطية من العدالة والمساواة".
وتزامنت هذه التصريحات مع إعلان محافظة السويداء بدء تفعيل جهاز الأمن العام وانتشار عناصره لحفظ الأمن، بعد اتفاق بين وجهاء الطائفة والحكومة السورية، وأصدر شيوخ عقل ووجهاء الطائفة بيانًا أكدوا فيه "رفض مشاريع الانفصال أو التقسيم"، مع دعمهم لتفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية داخل المحافظة بشرط أن يكون عناصرها من أبناء السويداء.
مستقبل غامض بين التصعيد والدعوات للتهدئة
يأتي هذا المشهد المعقد في وقت تتقاطع فيه الغارات الإسرائيلية مع اشتباكات داخلية وتوترات طائفية، بينما تتصاعد التحذيرات الدولية من الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والتشرذم، وسط مساعٍ محلية ودولية للجم التصعيد وإعطاء أولوية لحماية المدنيين.
0 تعليق