الخرطوم- بعد دخول الحرب في السودان عامها الثالث، لا يزال تباعد المواقف بين الفرقاء السياسيين وحالة الاستقطاب والانقسام التي سادت قبل الحرب مستمرة، وسط تحرك جديد من الأمم المتحدة لإحداث اختراق يُحرِّك الجمود السياسي.
ويعتقد مراقبون أن قوى سياسية تسعى للوصول إلى السلطة عبر المؤسسة العسكرية وأخرى عبر بندقية قوات الدعم السريع، بينما يُعوِّل تيار آخر على رافعة قوى أجنبية.
واختتم المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة قبل يومين زيارة إلى بورتسودان -العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد- بعدما أجرى مشاورات مع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وأعضاء من المجلس السيادي.
وجدَّد لعمامرة، دعوته لإجراء حوار عاجل وحقيقي بين أطراف الصراع في السودان من أجل وقف فوري للأعمال العدائية.
لقاءات متعثرة
ودعت الأمم المتحدة الأطراف إلى الالتزام بالانخراط في مسار شامل للمضي قدمًا، وتعزيز حماية المدنيين، من خلال محادثات غير مباشرة محتملة، وجددت تأكيدها على أهمية إجراء عملية سياسية شاملة لتفادي المزيد من التصعيد، وإعادة السودان إلى مسار السلام والاستقرار.
وكشف لعمامرة أنه وجد ردودا من البرهان على كل الأسئلة التي طرحها، وسينقل ذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حسب بيان إعلامي لمجلس السيادة.
إعلان
واستضافت الآلية الأفريقية لتسوية النزاع في السودان برئاسة محمد بن شمباس، مشاورات منفصلة مع 3 كتل سياسية سودانية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في فبراير/شباط الماضي، بشأن ترتيبات حوار سوداني لكن لم تحقق تقدما.
وكان الاتحاد الأفريقي قد عقد مشاورات موسعة خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين، حيث شملت الجولة الأولى القوى السياسية المساندة للجيش، التي أقرَّت وثيقة شملت رؤيتها لأجندة وقضايا الحوار السوداني.
وتلتها جولة أخرى ضمت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وفصيلي الحركة الشعبية، الشمال برئاسة عبد العزيز الحلو وحركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد نور، للتوافق على ترتيبات حوار سوداني، لكن لم تصدر وثيقة عن الجولة.
وسبق ذلك مؤتمر للقوى السودانية استضافته القاهرة في يوليو/تموز الماضي، ضم أطراف المشهد السياسي تحت سقف واحد لأول مرة، وصدر بيان في نهاية المؤتمر تحفَّظت عليه بعض القوى.
ثم انخرطت قوى سياسية ومجتمعية مساندة للجيش في مشاورات في بورتسودان وأقرت وثيقة مشروع وطني يحمل رؤية لإنهاء الحرب، وللإجابة على أسئلة اليوم التالي، والتمهيد لحوار سوداني شامل يعقد داخل السودان.
وفي المقابل حلَّ تحالف "تقدم" نفسه بعد انضمام فصائل سياسية وعسكرية من التحالف إلى كيان جديد نشأ في فبراير/شباط الماضي في نيروبي باسم تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) الذي تتصدره قوات الدعم السريع.
بينما نشأ تحالف آخر بديلا لكيان "تقدم" باسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" برئاسة عبد الله حمدوك، وقال: إنه متمسك بالحياد ويركز على وقف الحرب.
بين نعم ولكن!
من جانبه، يقول القيادي في تحالف القوى السياسية والمجتمعية خالد الفحل، إنهم بقوا من بداية الحرب يتطلعون بدورهم في إطار إسناد الجيش ولم يقفوا على الحياد، وفى نهاية 2024 تَطوَّر المشهد السياسي وبدأت اتصالات في بورتسودان أثمرت توافق كتل سياسية وقوى مدنية على مشروع وطني لحوار "سوداني-سوداني" في داخل البلاد.
إعلان
ويوضح القيادي الفحل للجزيرة نت أن مشاورات بورتسودان ناقشت أسئلة اليوم التالي للحرب عبر خريطة طريق تشمل رؤية متكاملة لإدارة الفترة الانتقالية وانعقاد مؤتمر دستوري.
ويرى أن حراك القوى السياسية والمجتمعية أقرَّ حوارا مفتوحا وشاملا، إلا مع من تمت إدانتهم قضائيا بمساندة الدعم السريع، غير أن قيادات عليا في الدولة، أبرزها نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، وعضو المجلس إبراهيم جابر، لم تدرك أهمية هذا الدور وظلت تواجه هذا العمل بالنقد والمطالبة بوقفه، "ولكنهم سيستمرون حتى تقف الحرب قتالا أو سلما"، حسب الفحل.
وفي موازاة ذلك يقول عضو في المكتب القيادي لتحالف "صمود" -لم يفصح عن اسمه- إنهم منفتحون ويرحبون بأي جهود من أجل وقف الحرب وعملية سياسية بمشاركة كافة القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني وواجهاته.
وأوضح القيادي للجزيرة نت أنهم جلسوا مع قوى أخرى في القاهرة وتوصلوا إلى بيان مشترك، لكن الطرف الآخر تراجع، مما يعكس أن القوى المدنية لا تسعى إلى إقصاء أي طرف.
واتهم قوى مساندة للجيش أنها تسعى لتكون حاضنة سياسية والمشاركة في السلطة وليست جادة في العمل لوقف الحرب أو التوافق الوطني مما يجعل العملية تراوح مكانها.
عسكرة المشهد
من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي خالد سعد، أن أبرز أسباب تعثر التسوية هو سعي قوى سياسية لفرض رؤيتها للتسوية مستغلة انتصارات الجيش، لإقصاء قوى أخرى ترفع شعار "لا للحرب".
وقال للجزيرة نت: إن قوى سياسية ترفض الاعتراف بتغيرات ما بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 وصعود جزء من الإسلاميين الذين عزلوا بعد الثورة الشبابية من أنصار حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس المعزول عمر البشير.
ويعتقد سعد أن انخراط تحالف مدني جديد في المعادلة مع قوات الدعم السريع في تحالف "تأسيس" يُعقِّد التوافق، ويهدف لضمان دور لهذه القوى في أي تسوية مستقبلية، إضافة لاحتمال عدم اهتمام قيادة الجيش بالتوافق، بل ربما ترى فيه تهديدا لدورها السياسي الحالي والمستقبلي.
إعلان
ويرى أن تأخير العملية السياسية يزيد الاستقطاب، ويضعف فرص التوافق المدني، ويعزز نفوذ الأطراف العسكرية وحلفائها، ويسمح بنفوذ أجنبي أكبر.
ويرجح المحلل السياسي أن يظل الوضع بهذه الوتيرة البطيئة لحين انتهاء الحرب أو حدوث تحولات جذرية في مواقف الأطراف المتصارعة، ولكن استمرار الوضع يدعم بشكل كبير عسكرة المشهد السياسي ما بعد الحرب، حيث يزداد احتمال هيمنة المؤسسة العسكرية وحلفائها على السلطة.
وتوقع أن يكون الحلفاء هم من حاملي السلاح، وليس إعادة لنظام المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، أو شراكة متشابهة لما قبل انقلاب البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 على شركائه في قوى الحرية والتغيير.
0 تعليق