تزداد الكارثة الإنسانية في قطاع غزة قتامة مع استمرار الحصار الإسرائيلي الشامل منذ شهرين، وسط تحذيرات دولية متزايدة من أن المجاعة باتت واقعا يفتك بالسكان، لا سيما الأطفال الذين بدأت أجسادهم تذبل أمام أعين العالم.

ومع نفاد الدقيق وإغلاق كافة المخابز، واستنزاف برنامج الأغذية العالمي آخر ما تبقى لديه من إمدادات غذائية، أصبح نحو مليونَي فلسطيني في غزة مهددين بالموت البطيء جوعا وعطشا، في ظل سياسة تجويع ممنهجة تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ومنذ أكثر من شهرين، تتعرض غزة لغارات جوية وبرية متواصلة، رافقتها عمليات تهجير قسري، واستهداف منظم للمخابز ومستودعات الأغذية ومحطات تحلية المياه، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء والمياه بصورة خطِرة.

وبرغم التحذيرات المتكررة، فإن إسرائيل تواصل إغلاق جميع المعابر أمام قوافل المساعدات، مما تسبب بتوقف عمل 25 مخبزا مدعوما من برنامج الأغذية العالمي منذ نهاية مارس/آذار الماضي.
إعلان
وفي ظل هذه الكارثة، أفاد برنامج الأغذية العالمي أنه لم يتمكن من إدخال أي مساعدات غذائية إلى غزة منذ أكثر من 7 أسابيع، مؤكدا استنفاد كافة مخزونه الغذائي، مما يضع سكان القطاع أمام خطر حقيقي بالموت الجماعي.

وكشف دراسة حديثة أن سكان غزة فقدوا ما معدله 18 كيلوغراما من أوزانهم نتيجة سياسة التجويع الممنهجة، واضطر كثيرون إلى استهلاك أعلاف الحيوانات ومواد بديلة للطعام، مما تسبب بانتشار أمراض خطِرة وأضرار صحية جسيمة.

المأساة تتعمق مع تسجيل أولى ضحايا الجوع، حيث وثقت الجهات الصحية 52 حالة وفاة نتيجة سوء التغذية والجوع، بينهم 50 طفلا، في مؤشر مخيف على دخول غزة مرحلة المجاعة الكاملة.

في مواجهة هذا الانهيار الإنساني، أطلق عدد من كبار مسؤولي الإغاثة نداءات عاجلة لفتح المعابر فورًا، محذرين من أن غزة مقبلة على "كارثة غير مسبوقة".
وقال جوناثان ويتال، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالأمم المتحدة، إن "الأيام المقبلة ستكون حرجة للغاية"، محذرًا من أن "من لا يُقتل بالقنابل سيموت ببطء بسبب الجوع والحصار".

وما يحدث في غزة اليوم ليس كارثة طبيعية، بل جريمة متعمدة صُنعت بإحكام تحت أنظار العالم.

فالتجويع، حسب تقارير الأمم المتحدة، أصبح "سلاحا" تستخدمه إسرائيل لإخضاع أكثر من مليوني فلسطيني، في ظل تجاهل دولي مستمر، وغياب أي مساءلة حقيقية.

ومع دخول الأزمة مرحلة الانهيار الكامل، يبدو أن قطاع غزة يعيش واحدة من أحلك لحظات تاريخه، حيث الموت لم يعد ينتظر قذيفة أو رصاصة.. بل صار يتسلل ببطء عبر بطون خاوية وأجساد واهنة، في مشهد إنساني لا يليق إلا بالعصور المظلمة.
0 تعليق