أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب موجة من الجدل والاستياء بتصريحه المثير الذي طالب فيه بإعفاء السفن الأمريكية، العسكرية والتجارية، من رسوم عبور قناتي السويس وبنما، مدعيًا أن القناتين "ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة".
التصريح، الذي نُشر عبر منصة "تروث سوشيال"، تضمن تكليف وزير الخارجية ماركو روبيو بمعالجة الأمر فورًا، مما أشعل أزمة دبلوماسية محتملة مع مصر وبنما، وأثار تساؤلات حول مدى احترام السيادة الوطنية للدول.
خلفية التصريح: قنوات حيوية ومصالح عالمية
تُعد قناة السويس، التي افتتحت عام 1869، أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وتسهل مرور 10-15% من التجارة البحرية العالمية.
تُشكل القناة مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية لمصر، حيث حققت إيرادات بلغت 10.25 مليار دولار في 2023، قبل أن تشهد انخفاضًا بنسبة 61% في 2024 بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، التي تسببت بخسائر شهرية تقدر بـ800 مليون دولار.
من جهة أخرى، تربط قناة بنما، التي أكملتها الولايات المتحدة في 1914 وسلمتها لبنما عام 1999، المحيطين الأطلسي والهادي، وتمر عبرها حوالي 40% من الحاويات الأمريكية سنويًا.
رغم الدور التاريخي للولايات المتحدة في بناء قناة بنما، فإن ادعاء ترمب بأحقية أمريكا في إعفاء سفنها من رسوم قناة السويس أثار انتقادات حادة، خاصة أن القناة المصرية بُنيت تحت إشراف فرنسي بتمويل مصري وعالمي، وتخضع للسيادة المصرية الكاملة بموجب اتفاقية القسطنطينية لعام 1888.
ردود الفعل المصرية: رفض قاطع للتدخل الأمريكي
لاقت تصريحات ترمب استنكارًا واسعًا في مصر على المستويين الشعبي والسياسي.
وصف النائب المصري مصطفى بكري الطلب بأنه "ابتزاز لدولة ذات سيادة"، مؤكدًا أن "قناة السويس قناة مصرية خالصة" ولن تقبل مصر أي مساس بسيادتها.
من جانبه، أكد خبير القانون الدولي أيمن سلامة أن طلب ترمب يفتقر إلى أي أساس قانوني، مشيرًا إلى أن اتفاقية القسطنطينية تكفل حرية الملاحة لجميع الدول مقابل رسوم موحدة تُحدد وفق معايير دولية دون تمييز بين جنسيات السفن.
على منصة X، عبر مغردون مصريون عن غضبهم، مشيرين إلى أن قناة السويس سبقت تأسيس الولايات المتحدة كدولة حديثة، وأن طلب ترمب يمثل "تعديًا على السيادة المصرية".
كما أكدت مصادر دبلوماسية مصرية أن إدارة القناة شأن سيادي، وأن مصر ملتزمة بحرية الملاحة وفق القوانين الدولية، مع رفض أي ضغوط خارجية.
التداعيات الاقتصادية: ضغوط أمريكية وسط تحديات عالمية
يأتي طلب ترمب في ظل سياسات اقتصادية أمريكية متشددة، تشمل فرض رسوم جمركية بنسب تصل إلى 46% على 180 دولة، بما في ذلك مصر، مما يهدد حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس.
ومع تراجع إيرادات القناة بسبب التوترات في البحر الأحمر، اقترح خبراء اقتصاديون مثل وائل الصادي رفع رسوم العبور لتعويض الخسائر، مؤكدين أن مصر في حقها تحصيل رسوم عادلة من شريانها الاقتصادي.
يرى مراقبون أن تصريحات ترمب قد تكون محاولة للضغط على مصر وبنما لتخفيض الرسوم، مستغلاً النفوذ الأمريكي في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدولتان.
وتشير تقارير إلى أن تكلفة عبور سفينة تجارية عبر قناة السويس أو بنما تتراوح بين 200,000 و500,000 دولار، حسب حجم السفينة ونوع الحمولة، مما يجعل إعفاء السفن الأمريكية خسارة مالية كبيرة لكلا القناتين.
0 تعليق