يواصل القطاع الزراعي في الأردن تحقيق إنجازات ملحوظة، حيث سجل نمواً قياسياً في 2024، وسط تحديات مائية وغذائية كبيرة.
في حوار مع برنامج "نبض البلد" على قناة "رؤيا"، استعرض المهندس محمد الحياري، أمين عام وزارة الزراعة، والدكتور هايل عبيدات، عضو مجلس الأعيان، والأستاذ جواد عباسي، المحلل الاقتصادي، واقع القطاع الزراعي، مشيرين إلى إنجازاته وتحدياته، مع تقديم حلول لتعزيز استدامته.
نمو القطاع الزراعي الأردني في 2024
أكد المهندس محمد الحياري أن القطاع الزراعي حقق أعلى نسبة نمو بين القطاعات الاقتصادية في الأردن خلال 2024، وفقاً لآخر نشرة إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.
وسجل القطاع نمواً بنسبة 8.4% في الربع الرابع، و6.9% على مدار العام، وهو أعلى معدل نمو بين القطاعات. وأشار الحياري إلى أن هذا الإنجاز يعكس جهود المزارعين الأردنيين، مضيفاً: "هذا شيء نفتخر به."
كما ساهم القطاع الزراعي بنسبة 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنهاية 2024، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالأسعار الجارية، مما يعكس أهمية القطاع في الاقتصاد الوطني.
واقع الأراضي الزراعية في الأردن
تبلغ مساحة الأراضي الزراعية في الأردن حوالي 90 مليون دونم، منها 80 مليون دونم تعتمد على الأمطار التي تقل عن 200 ملم سنوياً.
وأوضح الحياري أن الأراضي القابلة للزراعة، والتي تُعتبر ذات فرص جيدة، تتراوح بين 9.5 و10 ملايين دونم، بينما المستغلة فعلياً لا تتجاوز 2 إلى 2.5 مليون دونم.
ورغم ذلك، يحقق القطاع اكتفاءً ذاتياً بنسبة تزيد عن 61% من الخضار والفواكه.
استهلاك المياه في الزراعة
أشار الحياري إلى أن القطاع الزراعي يستهلك حوالي نصف مليار متر مكعب من المياه يومياً، منها 180 مليون متر مكعب مياه معالجة.
وأكد أن معضلة المياه هي أحد أبرز التحديات التي تواجه القطاع، موضحاً أن الحل يكمن في اعتماد التكنولوجيا الموفرة للمياه.
وأعلن عن خطة طويلة الأجل تستهدف إنشاء 12 ألف بئر لجمع المياه بحلول عام 2030، بالإضافة إلى دعم الصادرات الزراعية.
الأمن الغذائي مقابل الأمن المعيشي
من جهته، دعا الدكتور هايل عبيدات إلى التمييز بين الأمن الغذائي والأمن المعيشي، مشيراً إلى أن الأردن لا يحقق اكتفاءً ذاتياً كاملاً، حيث تعتمد العديد من الدول على الاستيراد لتحقيق الأمن الغذائي.
وروى تجربة أحد وزراء الزراعة السابقين، الذي كان أميناً عاماً لاتحاد منتجي الدواجن، وطالب قبل توليه المنصب بتسويق كميات كبيرة من الدواجن المحلية المجمدة.
لكنه، بعد توليه الوزارة، لم يلتزم بهذا المطلب، مما أدى إلى رفع أسعار الدواجن.
واقترح عبيدات استغلال المساحات الشاسعة والفارغة لتوظيف العاطلين عن العمل في مشاريع زراعية ريادية، وتشجيع الشباب والقطاع الخاص على الاستثمار في الزراعة.
وأشار إلى أن تحديات الأمن الغذائي تزداد مع الحروب والنزاعات، مما يتطلب استراتيجيات مبتكرة.
تحليل اقتصادي: تحسن القطاع الزراعي وتحديات العمالة
أكد الأستاذ جواد عباسي، المحلل الاقتصادي، وجود تحسن ملحوظ في القطاع الزراعي، لكنه أشار إلى تحديات هيكلية.
ووفقاً لإحصاءات 2023، فإن 70% من العمالة الدائمة في الزراعة وافدون، و60% من إجمالي العاملين (دائمين وموسميين) هم أيضاً وافدون.
وأوضح أن المزارعين الصغار والمستهلكين يتحملون الخسائر في سلسلة التوريد، بينما يستفيد الوسطاء.
وانتقد عباسي فرض رسوم وضرائب على الخضار والفواكه الموجهة للسوق المحلي، بنسبة 6% كعمولات السوق المركزي، بينما تُعفى الصادرات من هذه الرسوم والضرائب، وتستفيد من مياه مدعومة بكلفة مرتفعة.
ودعا إلى تغيير السياسة الزراعية لإعفاء المنتجات المحلية من الرسوم والضرائب، مع احتساب البصمة الزراعية للمنتجات المصدرة بناءً على كلفة المياه الحقيقية.
دور التكنولوجيا ودعم الصادرات الزراعية
في رده، أكد الحياري أن استخدام التكنولوجيا الموفرة للمياه هو السبيل لدعم المزارعين وتعزيز القطاع. وتساءل: "هل من المنطق أن ندعم المنتج المحلي ونقف ضد الصادرات؟"، مشيراً إلى أن القطاع الزراعي كان المنقذ في الأزمات والحروب.
وأشاد بإبداع المزارع الأردني وصموده، مؤكداً أن مؤسسة الإقراض الزراعي تقدم آلاف القروض لدعم التقنيات الموفرة للمياه.
وأوضح أن قيمة الصادرات الزراعية ارتفعت في 2024 بنحو 426 مليون دينار، مما دعم ميزان المدفوعات والتجارة.
وأكد أن الدولة تنتهج سياسة تعزيز التكنولوجيا وتوسيع الصادرات لضمان استدامة القطاع.
تحديات المياه والعمالة
حذر عباسي من أن الوضع الحالي غير مستدام، خاصة مع خطط تحلية مياه البحر التي ستكلف الأردن 400 مليون دينار سنوياً لتحلية 300 مليون متر مكعب.
ودعا إلى تشجيع المزارع الأردني بدلاً من محاربة القطاع، مشدداً على ضرورة تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة.
من جانبه، أكد الحياري أن الحل يكمن في مواجهة معضلة المياه، مشيراً إلى أن الخطة المستقبلية تركز على التكنولوجيا الموفرة للمياه وتعزيز الصادرات، مع الاستمرار في دعم المزارعين من خلال القروض والمبادرات.
دور المواطن والقطاع الخاص
أضاف عبيدات أن المواطن الأردني يستغل أرضه وحديقته للإنتاج، لكن دور وزارة الزراعة يكمن في استغلال المساحات الفارغة لتوظيف العاطلين عن العمل وتشجيع الشباب على الاستثمار الزراعي.
وأكد أن دعم القطاع الخاص وتطوير مشاريع ريادية يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في ظل التحديات المتزايدة، مثل الحروب والنزاعات.
وفي سياق منفصل، أكد الحياري أن الوزارة تشتري كامل محصول القمح والشعير من المزارعين الأردنيين، مشددًا على عدم وجود أي مزارع يزرع هاتين المادتين دون أن تقوم الوزارة بشراء إنتاجه.
وأضاف أن نسبة هدر الغذاء في الأردن تصل إلى نحو 35%، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام جهود تعزيز الأمن الغذائي الوطني.
من جهته، أوضح عبيدات أن إنتاج الأردن من القمح لا يتجاوز 110 آلاف طن سنويًا، في حين يبلغ حجم الاستهلاك المحلي نحو 1.25 مليون طن، ما يعكس حجم الفجوة الغذائية الكبيرة.
وأشار إلى أن حجم السوق الغذائي في الأردن يُقدّر بنحو 12 مليار دينار سنويًا، إلا أن الإنتاج المحلي يغطي فقط نصف هذا الرقم، مما يؤكد أهمية دعم الزراعة المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
0 تعليق