مظاهرات أستراليا لدعم غزة تكشف مأزق "علم تقدير الحشود" - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

شهدت مدينة سيدني الأسترالية في 3 أغسطس/آب الجاري واحدة من أكبر المسيرات التضامنية مع غزة، حيث عبر عشرات الآلاف جسر ميناء سيدني في مشهد لافت.

لكن الجدل سرعان ما انتقل من الشارع إلى الأرقام، حيث تحدثت الشرطة عن 90 ألف مشارك، بينما أكد المنظمون أن العدد بلغ 300 ألف، في حين وضعت تقديرات أخرى الرقم في منطقة وسطى بين الجانبين.

وقد أعاد هذا التباين الكبير إلى الواجهة إشكالية قديمة تتجاوز السياسة إلى العلم نفسه، وهو: كيف يمكن قياس حجم الحشود بدقة؟

علم معقد وأدوات متعددة

الباحثان المتخصصان في علم "تقدير الحشود" الدكتور ميلاد حقاني زميل برنامج المخاطر والمرونة الحضرية بجامعة ملبورن الأسترالية، والدكتور روجيرو لوفريجليو أستاذ البناء الرقمي وهندسة الحرائق بجامعة ماسي في نيوزيلندا، أوضحا -في مقال نشراه بموقع "ذا كونفرسيشن"- أن تقدير الأعداد ليس مهمة بسيطة، بل يعتمد على مزيج من الطرق والتقنيات، لكل منها مزايا وحدود.

وبحسب الباحثين، فإن الملاحظة المباشرة هي أقدم الطرق، وتعتمد على تقدير الكثافة في عينات من المساحة وضربها في الحجم الكلي، لكنها عرضة للأخطاء بسبب عدم تجانس الكثافة.

كما توجد طريقة "التصوير الجوي والرؤية الحاسوبية" وذلك عبر الطائرات المُسيرة أو الصور الجوية، لكنها تتأثر بالظلال واللافتات والطقس.

وتعتمد طريقة ثالثة على "بيانات الهواتف المحمولة" والتي تعطي تقديرات دقيقة من خلال إشارات الأبراج وشبكة "واي فاي" غير أن قضايا الخصوصية تحد من استخدامها.

وأخيرا، يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والذي يقدم خرائط كثافة دقيقة، لكنه يحتاج تدريبا مسبقا على بيانات مشابهة.

مظاهرة وطنية كبري في أستراليا دعما لغزة
مظاهرة تضامن إسترالية مع قطاع غزة (الجزيرة)

بين العلم والسياسة

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح لوفريجليو أن التصوير بالمسيرات عند دمجه مع تقنيات الرؤية الحاسوبية، والملاحطة البشرية المباشرة، يمثلان "الوسيلة الأكثر دقة اليوم لتقدير الحشود".

إعلان

وأضاف أن شركات الاتصالات "تمتلك أرقاما بالغة الدقة عبر تقنيات المثلثات، لكنها لا تُنشر تجنبا لمخاطر تتعلق بالخصوصية".

و"تقنيات المثلثات" طريقة هندسية تستخدم لتحديد مواقع الأفراد بدقة من خلال قياس المسافات أو الزوايا من أكثر من نقطة مرجعية. والفكرة الأساسية ببساطة أنه إذا عرفنا موقع شخص أو جهاز بالنسبة إلى 3 نقاط أو أكثر يمكن تحديد موقعه بدقة ضمن مساحة التجمع، ومن ثم تقدير الكثافة العددية للحشد.

وتستفيد شركات الاتصالات من هذه التقنية عبر بيانات أبراج الهواتف المحمولة، فكل هاتف متصل بالشبكة يرسل إشارات إلى أكثر من برج، ومن خلال تحليل قوة الإشارة وزوايا الاتصال يمكن تحديد موقعه التقريبي.

وعند جمع هذه البيانات لجميع الأجهزة في منطقة معينة، يمكن للباحثين تقدير حجم الحشد بشكل شبه دقيق، حتى في المسيرات الكبيرة والمتنقلة، دون الحاجة للاعتماد على الصور الجوية أو العد اليدوي فقط.

وفي تفسيره للتفاوت الكبير بين تقديرات الشرطة والمنظمين لمسيرة سيدني، قال لوفريجليو "الأمر لا يتعلق بالمنهجية فقط، بل بالسياسة أيضا، فالأرقام في مثل هذه الأحداث محملة بدلالات سياسية ورمزية، ومن الطبيعي أن تختلف حسب الموقف المؤيد أو المعارض، والحقيقة أن الصدق الفكري لم يعد قيمة شائعة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي".

التحدي الأكبر.. الحشود المتحركة

وأوضح لوفريجليو أن المسيرات المتحركة، مثل تلك التي شهدتها سيدني، أصعب بكثير في تقدير الأعداد من التجمعات الثابتة، إذ تتغير الكثافة والتدفق من منطقة لأخرى بشكل مستمر، مما يجعل العمل "مرهقا للغاية" على حد وصفه.

وبعيدا عن السياسة، يشدد الخبراء على أن أهمية الأعداد تتعلق أيضا بالسلامة العامة. ويقول لوفريجليو "هناك دائما بُعد أمني، إذ يجب أن نتأكد من قدرتنا على استيعاب كل من يريد المشاركة وتجنب خطر التدافع".

ويحذر خبير البناء الرقمي من أن الجدل حول الأرقام قد يطغى على الرسالة الجوهرية التي يخرج الناس للتعبير عنها، ويقول ردا على سؤال بهذا الصدد "نعم، الإعلام يستطيع أن يستخدم الأرقام سلاحا لصرف الرأي العام عن القضايا الأساسية".

لذلك، ربما تكون الرسالة الأهم أن تضارب الأرقام، أيا كان، يجب ألا يحجب جوهر القضية التي خرج الناس من أجلها، وهي "التضامن مع غزة".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق