عاجل

"فات الميعاد" دراما تحاكم العنف الأسري وتفكك أسبابه - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

يواصل مسلسل "فات الميعاد" تصدّره لقوائم محركات البحث ومنصة "واتش إت" منذ بدء عرضه مؤخرًا، محققًا نسب مشاهدة مرتفعة ولافتة. ورغم أن الحلقات شارفت على منتصفها، فإن المسلسل لا يزال يحتفظ ببريقه وتوهجه، مدعومًا بموضوعه الجذاب وأداء أبطاله المتقن الذي نجح في شدّ انتباه الجمهور. ما يميّز العمل أيضًا هو نصّه المتقن الذي كُتب بحرفية عالية ودقة محسوبة، وكأنه صيغ بميزان من ذهب.

يأتي مسلسل "فات الميعاد" ضمن سلسلة من الأعمال الاجتماعية التي تحاول رصد التحولات النفسية والثقافية في الأسرة المصرية المعاصرة، عبر تناول قضايا الزواج والعنف الأسري وما يحيط بها من ضغط مجتمعي.

حبكة تقليدية بروح جديدة

تدور أحداث المسلسل بالأساس حول بسمة (أسماء أبو اليزيد) الزوجة التي تحلم بالخروج من بيت العائلة وأن يكون لها مسكن خاص بعيد عن والدة زوجها (سلوى محمد علي)، والزوج مسعد (أحمد مجدي) أمين المخازن سريع الغضب وقليل الثقة بالنفس، الأمر الذي يجعله يعنف زوجته بالضرب والإهانة كلما فقد أعصابه على أتفه الأسباب.

مما يعقد علاقتهما الزوجية ويصل بهما إلى طريق مسدود أوّله خوف وآخره شجاعة، تطلب الزوجة على إثره الطلاق رغم تمسك الزوج بها وتكرار وعوده الزائفة بالإصلاح.

لا يقتصر العمل على قصة بسمة ومسعد فقط، فهناك أيضًا نماذج زوجية أخرى مثل شقيق بسمة وزوجته، وأشقاء مسعد وأزواجهم، بالإضافة إلى منتصر (أحمد صفوت) وسارة (ولاء الشريف) اللذين يواجهان معاناة مختلفة تتمثل في عدم القدرة على الإنجاب، فيقرران التبني، لكن حياتهما لا تسير كما كانا يأملان.

وجود نماذج مختلفة تماما عن بعضها شكلا وموضوعا، لكل منهم خط درامي واضح ومتماسك جعل المشاهد لا يشعر بالملل فيما يرى تلك النماذج المتباينة والثرية دراميا خاصة في ظل التصاعد الدرامي المشوق والسريع، والأهم اختلاف ردود أفعال الأبطال بين التيه والتشتت، والاستسلام، والوقوف بوجه الظلم وقول لا.

إعلان

الرؤية الإخراجية والتكوين البصري

يحسب لصانعي المسلسل استعراض الأمر من الشق القضائي بشيء من التفصيل بين المحامي صاحب الضمير اليقظ وآخر يتلاعب بالقانون وثغراته بالكذب والتضليل، مع تسليط الضوء على كيف يمكن للمرأة الخروج من براثن زيجة تعسة عبر المحاكم والقضايا.

بجانب الحوار شديد الصدق والسيناريو المتميز الذي عرف أصحابه كيف يقدمون حبكة تقليدية بأسلوب طازج وجذاب، والإيقاع المتزن الذي كثف من حالة التوتر، تميز العمل بالأداء التمثيلي من غالبية طاقمه خاصة سلوى محمد علي التي أجادت تقديم شخصية الحماة المتسلطة وصعبة المراس دون انفعالات مبالغ فيها.

يليها أحمد مجدي الذي كشف بهذا العمل عن وجه جديد وثقيل من موهبته لم يكشف عنه من قبل وبرع خاصة في مشاهد الانهيار والغضب، عاكسا صورة الرجل المضطرب نفسيا والمتذبذب بين القسوة والندم، والذي يعاني من أزمة هوية ذكورية في مجتمع يعاقب الحساسية المفرطة، وهو ما نجح بترجمته إلى انفعالات داخلية مكبوتة أكثر من كونها ظاهرة.

بالإضافة إلى أسماء أبو اليزيد التي أظهرت تحولات الشخصية النفسية برشاقة وصدق، وجمع بينها وبين أحمد مجدي كيمياء واضحة للعيان نتجت عن تعاونهما المسبق بالمسلسل الكوميدي "الآنسة فرح".

 

أما أبرز نقاط النجاح الفني في العمل، فتجلّت في إخراج سعد هنداوي وتصوير زكي عارف، حيث أجادا توظيف الكاميرا في رواية القصة. وتميّز المسلسل بعناية خاصة بالديكور والإضاءة، اللذين انسجما بمهارة لخلق صورة معبّرة ومثالية، عكست الصراع الداخلي للشخصيات. كما برزت الكادرات المحكمة، بتكويناتها المتوازنة والبديعة، التي لم تُضف بعدًا فنيًا فحسب، بل عبّرت أيضًا عن أعماق الشخصيات وطبيعة العلاقات فيما بينها.

القوامة بين الدين والثقافة المجتمعية

لم يقتصر جذب الانتباه على الجمهور والنقاد فحسب وإنما امتد ليشمل أرباب الطب النفسي، من بينهم الدكتور محمود الوصيفي، أستاذ الطب النفسي، الذي علق على شخصية الأم التي تلعبها سلوى محمد علي مؤكدا كونها نموذجا متكررا خطير التأثير، فهي أشبه بالحية التي تدس السم في العسل، بكلامها المعسول الذي يظهر عكس ما يبطن.

كذلك وصف أمومتها بالمفرطة وأنها نموذج للشخصية التي تمارس التحكم النفسي غير المباشر، فهي وإن كانت لا تعطي أوامرها مباشرة لأولادها فإنها تعرف كيف تشعرهم بالذنب وتوجههم لما تريده منهم مستغلة قدرتها الخارقة على ابتزازهم عاطفيا.

ومن جهتها علقت أمل رضوان، أستاذة علم الاجتماع، على الفارق بين الدراما التي من شأنها أن تحارب العنف الأسري وأخرى تشجع عليه، موضحة أن الأعمال التي تقف بها المرأة لتقول لا وتدافع عن حقوقها دون انسحاق هي الأفضل، إذ من شأنها التأثير إيجابا بالمجتمع، خاصة وأنها تظهر الرجل كمعتدٍ ومتجبر ظالم مما يجعل المشاهدين ينفرون منه وتقرر النساء عدم الارتباط بمن يشبهه.

إعلان

فيما أكدت أن قضايا العنف الأسري مستشرية وسببها الرئيسي الثقافة المجتمعية التي تورث الرجال قوامة مرادفة للتعدي على المرأة تارة باسم الدين وتارة باسم الإصلاح والتهذيب. أما عن أبطال العمل فأشارت إلى أن شخصية مسعد تحتاج تعلم كيفية إدارة الغضب من قبل متخصصين في حين تحتاج الأم الخروج من عباءة النرجسية التي خربت حياة أولادها عبر السيطرة عليهم بنعومة ولكن بحسم.

 

دراما ناضجة من رحم الواقع

"فات الميعاد" مسلسل درامي مصري من 30 حلقة، يعرض حاليا عبر منصة "واتش إت" وقناة  "دي إم سي"، وهو نموذج أصيل للدراما الاجتماعية الناضجة التي تنبش في عمق العلاقات الأسرية ولا تكتفي بعرض الأزمة وإنما تسعى لتفكيكها وفهم جذورها وتقديم حلول عملية من قلب الواقع، وإن شاب العمل بعض النمطية في الطرح لكنه يظل مستحقا للمشاهدة والنقاش بما حققه من توازن بين الترفيه والتنوير.

العمل بطولة أسماء أبو اليزيد، أحمد مجدي، أحمد صفوت، سلوى محمد علي، محمد علي رزق، فدوى عابد، محمود البزاوي، حنان سليمان، ولاء الشريف وهاجر عفيفي. تأليف عاطف ناشد، إسلام أدهم، وناصر عبد الحميد، ومن إخراج سعد هنداوي.

يذكر أن أسماء أبو اليزيد يعرض لها حاليا مسلسل آخر هو "مملكة الحرير" الذي بدأ لتوه، وهو عمل يجمع بين الدراما والتشويق، يحكي عن 3 أشقاء يتصارعون على العرش وسط صراعات وخيانات والكثير من المعارك.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق