أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، أن إسرائيل وافقت على "الشروط اللازمة لإتمام" وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما في غزة، تُبذل خلاله جهود لإنهاء الحرب، وقال إن "القطريين والمصريين، الذين عملوا بجد لإحلال السلام، سيقدمون هذا الاقتراح النهائي"، فما الذي تعنيه هذه الهدنة وما موقف الأطراف المعنية منها ودور الوسطاء فيها؟
ماذا تعني هدنة 60 يوما بالنظر للتجارب السابقة؟
منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عُقدت هدنتان أو اتفاقيتان لوقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، تم فيهما تبادل عدد من الأسرى الأحياء من الطرفين إلى جانب تبادل جثامين شهداء مع جثث محتجزين إسرائيليين.
فأما الهدنة الأولى فلم تستمر سوى 7 أيام وكانت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في حين استمرت الهدنة الثانية 42 يوما، إذ بدأت يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025 وانتهت في الأول من مارس/آذار الماضي، عندما استأنفت إسرائيل حرب الإبادة على القطاع المحاصر والمجوع.
وفي كلا الاتفاقين كانت إسرائيل الطرف الذي يتنصل من الاتفاق ويستأنف عملياته العسكرية بشكل أكثر ضراوة من قبل.
وهدنة الـ60 يوما التي أعلن عنها ترامب تُعد غير مسبوقة من حيث الطول، مما يعكس رغبة دولية في خلق مساحة زمنية كافية للتوصل إلى اتفاق دائم، لكنها أيضا تضع تحديات كبيرة أمام الأطراف، خاصة في ظل ما تراكم من انعدام الثقة نتيجة عدم جدية إسرائيل -بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للجنائية الدولية- في إنهاء الحرب إنهاء تاما، في مسعى منه لخدمة لمصالح سياسية وشخصية.
ما موقف حركة حماس؟
حتى الآن، لم تصدر حركة حماس موقفا رسميا نهائيا بشأن المقترح، لكن الحركة أكدت مرارا استعدادها للنظر في أي اتفاق يتضمن وقفا شاملا للحرب، وإفراجا متبادلا للأسرى، إلى جانب انسحاب الاحتلال من القطاع مع ضمانات دولية بعدم استئناف العدوان.
إعلان
وقد دعا الرئيس الأميركي حماس إلى قبول المقترح، محذرا من أن "الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا"، على حد تعبيره. علما أن جميع القطاع مدمر تقريبا، بما في ذلك معظم مستشفياته ومراكزه الصحية، كما نزح معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة أكثر من مرة شمالا وجنوبا، ويعيشون حاليا حرب إبادة في ظل حصار قاتل وتجويع متعمد.
ما موقف إسرائيل؟
رغم عدم صدور موقف رسمي واضح من نتنياهو بهذا الشأن، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أكد أن إسرائيل وافقت على المقترح الأميركي، مشيرا إلى أن "أغلبية كبيرة في الحكومة والشعب تؤيد خطة إطلاق سراح الأسرى ويجب عدم تفويت الفرصة"، لكنه حمّل حماس مسؤولية استمرار الحرب، مشددا على أن إسرائيل لن تنهي الحرب إلا بعد نزع سلاح الحركة وتفكيكها.
كما قال موقع أكسيوس إن وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أبلغ المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خلال اجتماعهما بأن إسرائيل تقبل المقترح القطري.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس دون أن تسمها، أن هناك احتمالا كبيرا للتوصل إلى صفقة، لكن لا تزال هناك خلافات بين الطرفين. وأضافت المصادر أن من أبرز هذه الخلافات شروط إنهاء الحرب ومدى انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
كما ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية -نقلا عن مسؤولين إسرائيليين- أن حكومة نتنياهو مستعدة للنظر في صِيَغ لم تكن مستعدة لقبولها في السابق، خاصة في ما يتعلق بتقديم ضمانات بأن بدء الصفقة سيؤدي إلى إنهاء الحرب.
من جهة أخرى، نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول إسرائيلي أنه "إذا لم يكن هناك تحرك نحو صفقة، فلن يكون لدينا خيار آخر وسيتحول كل شيء في غزة إلى رماد"، مهددا بأنه في حال عدم التوصل إلى صفقة فسيفعلون بمدينة غزة ومخيمات المنطقة الوسطى ما فعلوه برفح.
وحسب ما نقلته القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن نتنياهو طلب من ترامب ضمانات واضحة بأن الولايات المتحدة ستدعم استئناف الحرب على غزة إذا لم يتم نزع سلاح حركة حماس خلال فترة الهدنة المقترحة التي تمتد لـ60 يوما. لكن ترامب، وفقا للتقارير، لم يمنح نتنياهو ردا واضحا بهذا الشأن.
ما دور الولايات المتحدة؟
عادت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترامب، بقوة إلى ساحة الوساطة، بعد فترة من التراجع في التأثير. وإعلان ترامب أن إسرائيل وافقت على الشروط، وتأكيده أن قطر ومصر ستقدمان المقترح النهائي، يعكس رغبة أميركية في لعب دور الوسيط الفعّال، خصوصا في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة .
وقد أشار ترامب إلى اجتماعات "طويلة ومثمرة" بين ممثليه ومسؤولين إسرائيليين، مما يعكس جدية واشنطن في الدفع نحو اتفاق شامل، وعبّر عن أمله بأن تقبل حماس بهذا الاتفاق "لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا"، على حد تعبيره.
كما صرح ترامب بأنه سيكون "حازما" مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة، وقال "أعتقد أننا سنتوصل لاتفاق بشأن إنهاء الحرب الأسبوع المقبل".
وقبل أيام نقلت مجلة نيوزويك -عن مصدر مطلع على المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة- أن ترامب غير مهتم بهدنة مؤقتة ويسعى إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة ووقف دائم لإطلاق النار، مما يؤدي لمفاوضات حول مستقبل اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
إعلان
ما دور الوسطاء: قطر ومصر؟
قطر ومصر لعبتا دورا محوريا في صياغة المقترح، بحسب تصريحات ترامب، الذي أشاد بجهودهما في "إحلال السلام".
وسبق لقطر ومصر أن لعبتا دورا محوريا في التوسط في اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة، لكن هذه المرة يبدو أن هناك ضغوطا وضمانات دولية أكبر، خاصة من واشنطن، لضمان تنفيذ الاتفاق.
وفي حين لم تُكشف تفاصيل الضمانات بعد، لكن مقارنة بالهدن السابقة، فإن إشراك الولايات المتحدة مباشرة قد يمنح الاتفاق ثقلا إضافيا.
لكن من ناحية أخرى فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري نفى -أول أمس الاثنين- وجود أي محادثات بشأن قطاع غزة، مشيرا في الوقت ذاته إلى استمرار الاتصالات للوصول إلى صيغة للعودة إلى المفاوضات.
وأشار إلى أن هناك نيات أميركية جدية للدفع باتجاه عودة المفاوضات بشأن غزة، لكن هناك تعقيدات -لم يوضحها- لافتا إلى أن ثمة لغة إيجابية من واشنطن بشأن الوصول لاتفاق في غزة.
ما عدد الأسرى من الجانبين وهل يشمل الاتفاق تفاهمات للإفراج عنهم؟
تُقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، مما أودى بحياة عديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وقد ذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية -أمس الثلاثاء- أن الرئيس ترامب يسعى للتقدم نحو صفقة كبرى تشمل إنهاء الحرب في غزة، والإفراج عن المحتجزين، دون الإشارة إلى أي تفاصيل.
وكانت حماس أعلنت استعدادها للإفراج عن جميع المحتجزين المتبقين في غزة ضمن الشروط التي أكدتها مرارا، في حين تصر إسرائيل على أن إنهاء الحرب مشروط بتفكيك حماس.
ويعكس هذا التباين صعوبة التوصل إلى تفاهم شامل، لكن إدراج ملف الأسرى في صلب المقترح قد يفتح نافذة للتفاوض الجاد.
0 تعليق