أصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر رغبة في وقف الحرب بقطاع غزة والاستفادة من التغيرات الإستراتيجية التي أحدثتها في المنطقة حربهما على إيران، لكن شروطهما قد تجد رفضا من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، برأي محللين.
فبعد شهور طويلة من المماطلة الإسرائيلية المرعية أميركيا تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة خلال الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يبحث ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية -والذي سيزور واشنطن الأسبوع المقبل- وقف الحرب، كما تشير وسائل إعلام إسرائيلية.
وتبعث المؤشرات القادمة من واشنطن وتل أبيب على التفاؤل، لأن ترامب ونتنياهو يشعران بحماسة بعد حربهما مع إيران، وفق كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز الذي يرجح أن ترفض حماس المقترح الذي سيتم طرحه.
وقف الحرب بات ممكنا
ووفقا لما قاله روبنز في برنامج "مسار الأحداث"، فإن وقف إطلاق النار أصبح ممكنا من وجهة النظر الأميركية والإسرائيلية بعد التغيرات التي شهدتها المنطقة بعد ضرب إيران وإثبات أن حلفاءها في المنطقة لم يكونوا بالقوة التي يعتقدونها، فضلا عن مقتل أغلبية قادة حماس.
ولا يتوقع روبنز أن تستخدم الولايات المتحدة أسلوب الحسم مع نتنياهو رغم قدرتها على ذلك، لكنه يعتقد أن الأخير لديه من الحنكة السياسية ما يجعله مدركا حقيقة أن المزاج الشعبي الإسرائيلي لم يعد مع مواصلة القتال.
كما أن ترامب -الذي أعلن أنه سيكون حاسما مع نتنياهو- يرغب في استغلال الانتصار على إيران من أجل توسيع اتفاقيات التطبيع مع المملكة العربية السعودية وربما سوريا ولبنان وسلطنة عمان، وهو أمر يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا، لكن كلا الرجلين لن يتخلى عن رهن وقف الحرب بإنهاء وجود حماس تماما في القطاع، كما يقول روبنز.
إعلان
ويتفق الباحث في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى مع الحديث السابق بقوله إن نتنياهو يحاول استغلال ما يعتبره انتصارا إستراتيجيا على إيران لحصد مزيد من المكافآت السياسية التي ستعزز مكانته كبطل.
وبالنظر إلى اطلاع وسائل الإعلام الإسرائيلية على ما يجري داخل اجتماعات الحكومة وداخل المؤسسة العسكرية أيضا فإن حديثها عن احتمال وقف الحرب يحمل كثيرا من الجدية، برأي مصطفى.
ومع تأكيد مصطفى على ميل المزاج الإسرائيلي باتجاه وقف الحرب فإنه يعتقد أن السبب الحقيقي الذي يدفع نتنياهو حاليا إلى هذه الخطوة هو رغبته في الاحتفاظ بصورة النصر على إيران وذهابه لمزيد من اتفاقيات التطبيع، لأنه يعتقد أن هذا ما يضمن له تشكيل الحكومة مجددا بعد الانتخابات المقبلة والتي سيعجل بها غالبا.
فقد كان ضرب المنشآت النووية الإيرانية مشروعا قديما لنتنياهو، وقد نجح في تحقيقه كما يروج هو على الأقل، وبالتالي فهو لا يريد لغزة أن تفسد عليه الشعبية التي حصدها على حساب إيران كما يقول مصطفى الذي يعتقد أن إسرائيل تريد وقف الحرب على النموذج اللبناني الذي يسمح لها بضرب أي تهديد تراه في أي وقت دون محاسبة.
نتنياهو يريد الاحتفاظ بصورة البطل
والأهم من ذلك أن نتنياهو بات أقوى من شركائه الحكوميين حاليا، وبالتالي فهو قادر على الاصطدام بهم وإجبارهم على قبول وقف الحرب لأنهم يعرفون أن أي انتخابات مبكرة ستلقي بهم خارج الحكومة، حسب مصطفى.
وفي السياق نفسه، قال الباحث في العلاقات الدولية حسام شاكر إن اليومين الماضيين حملا كثيرا من الإشارات التي تبعث على التفاؤل الحذر، لأن الحديث عن انفراجة قريبة يؤكد حقيقة أن إسرائيل هي من عطلت المفاوضات برعاية أميركية، وأن كلا البلدين عاد للحديث عن وقف الحرب بعدما حقق مكاسب معينة.
وفي الوقت نفسه، يرى شاكر أن الولايات المتحدة التي تتحدث عن جديتها في وقف الحرب هي نفسها التي تواصل مساعدة إسرائيل في قتل الفلسطينيين، سواء بتزويدها بالأسلحة أو بدعم آليتها القاتلة لتوزيع المساعدات.
ومن هذا المنطلق فإن هذا ما سيفعله ترامب وليس ما يقوله، لأنه تحدث عن وقف الحرب مرارا ولم يحدث شيء، كما أنه رعى اتفاق هدنة أفشلتها إسرائيل لاحقا برعاية واشنطن، كما يقول شاكر.
مفاوضات صعبة
وستواجه حماس -برأي شاكر- معضلة خلال أي مفاوضات مقبلة، لأنها تريد وقف الفاتورة البشرية الهائلة التي يدفعها الفلسطينيون في القطاع، وبالتالي سيكون عليها التعامل بحرض شديد مع أي مقترح وعدم القبول بأي صيغة تضمن حصول إسرائيل على ما تريد ثم العودة للقتل مجددا.
ويرى شاكر أن المنطقة كلها تعيش وضعا شديد الحرج، لأن الحديث عن التطبيع يخرج كله من البيت الأبيض وكأن على العواصم العربية أن تهرول إلى تنفيذ ما يريده ترامب ونتنياهو وتجاهل إهانة المقدسات الإسلامية والإبادة التي قامت بها إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدار عامين برعاية أميركية.
كما أن ترامب يتعامل مع دول مثل سوريا ولبنان على أنها ستنفذ ما يريده نتنياهو بإشارة واحدة، وتجاهل أنهما تتعرضان لقصف يومي من إسرائيل، حسب شاكر الذي أكد أن ما قام الإسرائيليون والأميركيون خلال هذه الحرب تطلّب مراجعة كبيرة من دول المنطقة.
إعلان
0 تعليق