في ماضي الأرض السحيق، لم يكن اليوم كما نعرفه الآن، فعندما كانت الديناصورات تجوب الكوكب منذ أكثر من 200 مليون سنة، كان طول اليوم الواحد لا يتجاوز 23 ساعة تقريبا.
ويعود هذا إلى أن دوران الأرض كان أسرع في تلك العصور الجيولوجية القديمة، نتيجة تأثيرات الجاذبية بين الأرض والقمر التي لم تكن قد أبطأت سرعة الكوكب بالشكل الذي نراه اليوم.

يوم الـ25 ساعة
وحتى في التاريخ الإنساني القريب نسبيا، خلال العصر البرونزي قبل نحو 4000 عام، تشير الدراسات إلى أن متوسط طول اليوم كان أقصر بنحو 0.47 ثانية مقارنة بطول اليوم الحالي البالغ حوالي 24 ساعة (أي 86 ألفا و400 ثانية).
هذا الفارق الزمني البسيط لا يُلاحظ في الحياة اليومية، لكنه مهم جدا في الحسابات الفلكية وعلوم الأرض الدقيقة، ويُقاس من خلال تحليلات دقيقة لحركة الأرض باستخدام السجلات الجيولوجية والأثرية.
وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع العلماء أنه إذا استمرت عملية التباطؤ التدريجي لدوران الأرض نتيجة قوى المد والجزر وتأثيرات أخرى داخلية وخارجية، فإن طول اليوم سيواصل الزيادة.
وتشير النماذج الفلكية إلى أنه بعد نحو 200 مليون سنة من الآن، سيصبح اليوم الواحد على الأرض يستغرق 25 ساعة كاملة بدلا من 24.
هذا التغير البطيء في طول اليوم هو جزء من ديناميكية كوكبنا، ويتأثر بعوامل متعددة تشمل تفاعل الجاذبية بين الأرض والقمر وتغير توزيع الكتلة على سطح الأرض (مثل ذوبان الجليد) وتحولات في بنية الأرض الداخلية (مثل حركة اللب الخارجي السائل) وحتى النشاط الزلزالي والبراكين.

تقلبات يومية
بعبارة أخرى، الزمن نفسه كما نقيسه يوميا ليس ثابتا على مدى العصور، بل هو انعكاس لحركة كوكب حي، دائم التغير، ويستجيب لقوى كونية هائلة عبر ملايين السنين.
إعلان
ولكن إلى جانب التغيرات العميقة زمنيا، يشهد دوران الأرض أيضا تقلبات يومية، فالعوامل الطبيعية مثل الزلازل والبراكين والمد والجزر والبنية الداخلية للأرض، يمكن أن تؤثر على سرعة دوران الكوكب، مما يؤدي إلى زيادتها أو نقصانها بشكل طفيف، وهذه التغيرات الدقيقة قد تتراكم مع مرور الزمن.
ورغم أن الاتجاه العام لدوران الأرض يميل إلى التباطؤ، فقد لاحظ العلماء منذ عام 2020 أن الأرض بدأت تدور بشكل أسرع. وقد تم تسجيل هذه الملاحظة من خلال بيانات صادرة عن "الهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية" (آي إيه آر إس) التابعة للمرصد البحري الأميركي في واشنطن.
أدى ذلك إلى أن بعض الأيام أصبحت أقصر من المعتاد بحوالي 1.5 إلى 1.6 مللي ثانية، وفي عام 2024، سُجل الخامس من يوليو/تموز كأقصر يوم حتى الآن، أقصر بـ1.66 مللي ثانية من المعتاد، وفي 2025، ستحدث أيام قصيرة مشابهة في التاسع من يوليو/تموز و22 يوليو/تموز والخامس من أغسطس/آب، حسبما نقلته منصة "تايم آند ديت".

الثواني الكبيسة
ويُعتقد أن هذا التسارع في الدوران قد يجعلنا بحاجة، ولأول مرة في التاريخ، إلى طرح ثانية كبيسة من التوقيت العالمي، وذلك بحلول عام 2029، هذا يعني أن الساعة ستقفز ثانية من 23:59:59 إلى 00:00:01 في التوقيت الدولي كاملا.
في الواقع، فإن النظام الحالي الذي تديره "الهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية" يعتمد على إضافة أو حذف ثوانٍ كل بضع سنوات لتصحيح فرق التوقيت بين دوران الأرض والساعات الذرية، وكان الاتجاه دائما هو إضافة ثوان جديدة لضبط الوقت بدقة.
وكان الموعد المحتمل التالي لإضافة ثانية جديدة هو 31 ديسمبر/كانون الأول 2025. مع ذلك، نظرا لسرعة دوران الأرض مؤخرا، فمن غير المرجح إضافة أي ثانية كبيسة في المستقبل القريب.
تُضاف الثواني الكبيسة عادة إما في 30 يونيو/حزيران أو 31 ديسمبر/كانون الأول، وتحدث في نهاية اليوم، قبل منتصف الليل بقليل. وفي الساعة الرقمية، تُقرأ الثانية الكبيسة الساعة 23:59:60 مساء.
يأتي ذلك في سياق ضبط التوقيت العالمي المنسق (يو تي سي)، وهو معيار التوقيت العالمي، وتُعرّف كل منطقة زمنية بعدد معين من الساعات أو الدقائق، متقدما أو متأخرا عن التوقيت العالمي المنسق.
يتبع التوقيت العالمي المنسق في جوهره التوقيت الذري الدولي، الذي يجمع بيانات نحو 200 ساعة ذرية عالية الدقة، محفوظة في مختبرات متفرقة حول العالم.
لمَ يتسارع دوران الأرض؟
لا يوجد تفسير واضح حتى الآن لهذا التسارع المرصود مؤخرا، لكن الأمر ليس غامضا بالمعنى "السحري" للكلمة، إذ يعتقد العلماء أن واحدا من العوامل التالية، أو كلها بتأثير مجتمع، كانت السبب في هذا التأثير:
العوامل الداخلية: ربما شيء ما يحدث داخل الأرض نفسها (في القلب أو الطبقات السفلى) هو السبب، وليس في الغلاف الجوي أو المحيطات. قوى المد والجزر: سحب القمر لمياه الأرض يمكن أن يبطئ أو يُسرّع الدوران. الزلازل والبراكين: هذه الأحداث تغير توزيع الكتلة داخل الأرض وتؤثر على سرعتها. ذوبان الجليد القطبي: إعادة توزيع الكتلة بسبب ذوبان الجليد قد تؤثر على ميل الأرض وسرعتها.إعلان
في كل الأحوال، فإن ذلك ليس له تأثير سلبي على حياتنا، فهذه التغيرات ضئيلة جدا، لكنها مهمة جدا لأنظمة التوقيت الدقيقة مثل الأقمار الصناعية وحركة الإنترنت والملاحة الجوية.
0 تعليق