عاصمة إقليم أذربيجان الشرقيّة وأحد أهم المراكز الحضارية والاقتصاديّة في إيران، تقع شمالي غربي البلاد على سهل خصب تحيط به سلاسل جبلية شاهقة، وهي سادس أكبر تجمّع سكاني في إيران، إذ يقطنها نحو 1.7 مليون نسمة، غالبيتهم من الأذريّين.
وتشتهر تبريز بتاريخها العريق، فقد كانت عاصمة لدول كبرى مثل الدولة الإلخانيّة في العهد المغولي إبان القرن الـ13، ومركزا تجاريا حيويا على طريق الحرير.
وتعد هذه المدينة مركزا صناعيا كبيرا لإيران، إذ تنتج السيارات والمعدات الثقيلة، وتصدر السجاد والجلود إلى مختلف بقاع العالم.
وتملك تبريز إرثا معماريا فريدا، يتمثل أساسا في "سوق تبريز الكبير" (أكبر سوق مغطى في العالم) و"مسجد كبود" بزخارفه الفيروزيّة، و"قلعة أرك عليشاه" الشامخة.
الموقع
توجد تبريز شمالي غربي إيران ضمن محافظة أذربيجان الشرقية، وتبعد عن العاصمة طهران نحو 535 كيلومترا.
وتمتد المدينة على سهل فسيح يبلغ متوسط ارتفاعه نحو 1200 متر فوق مستوى سطح البحر، وتحيط بها الجبال من جميع الجهات باستثناء الجهة الغربية التي ينفتح فيها السهل على بحيرة رضائية (المعروفة أيضا بـ"أورمية").

التسمية
اختلف المؤرخون حول أصل تسمية "تبريز" إذ يرى فريق أن الاسم يتكوّن من كلمتين فارسيتين: "تَبْ" وتعني الحرارة، و"ریز" بمعنى السريع أو المتدفّق، ليُفهم منها أنها "المكان ذو الحرارة المرتفعة" أو "المكان الذي تتدفّق فيه الحرارة بسرعة" في إشارة محتملة إلى ينابيع المياه الحارّة في المنطقة.
في حين يعتقد آخرون أن الاسم مشتق من الكلمة الآرامية "تاوريش" التي تعني "المدينة المحصنة".
المساحة
تبلغ مساحة تبريز ضمن حدودها الإدارية ما يقارب 325 كيلومترا مربعا، إلا أن الامتداد الحضري الفعلي للمدينة يصل إلى نحو 512 كيلومترا مربعا، نتيجة توسّع العمران وتزايد الأحياء السكنية والمناطق الصناعية.
أما المنطقة الحضرية الكبرى، التي تشمل الضواحي والمناطق التابعة إداريا للمدينة، فتقدّر مساحتها بما يقارب 1500 كيلومتر مربع، مما يجعل من تبريز إحدى أكبر المدن الإيرانية من حيث المساحة الحضرية.

الجغرافيا
تقع مدينة تبريز على سهل خصب تحيط به مجموعة من الجبال، أبرزها جبل سهند (خرم داغ) جنوب المدينة، ويبلغ ارتفاعه 3722 مترا، يليه جبل سبلان (سَولان) إلى الشرق بارتفاع 4821 مترا، ثم جبل قره داغ البالغ ارتفاعه 2941 مترا، وهو امتداد لجبل سبلان نحو الشمال.
وتتميّز هذه السلسلة الجبلية بأصلها البركاني، إذ تشكّلت من براكين ضخمة خامدة نشأت على طول صدع رئيسي في القشرة الأرضية يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
وموقع تبريز بين الجبال يجعلها عرضة للنشاط الزلزالي، إذ شهدت المدينة عبر تاريخها زلازل مدمّرة عدة خلفت آثارا كبيرة على بنيتها العمرانية والسكانية، أعنفها كان سنوات 791 و858 و1042 و1721 و1780.
إعلان
المناخ
بفضل موقعها الجغرافي المرتفع وسط منطقة جبلية، تتميز تبريز بمناخ قاري داخلي بعيد عن التأثيرات البحرية. وتتسم فصول السنة فيها بتباين واضح، إذ يسودها صيف معتدل إلى حار، وتصل درجات الحرارة أثناء ساعات النهار لنحو 35 درجة مئوية، بينما تنخفض بشكل ملحوظ ليلا، مما يمنح المدينة ليالي صيفية أكثر اعتدالا.
أما في الشتاء، فيسود تبريز طقس شديد البرودة، إذ تنخفض درجات الحرارة أحيانا إلى ما دون 20 درجة مئوية تحت الصفر، وتتساقط الثلوج بكثافة. وقد اشتهرت تبريز بلقب "مدينة الرياح الباردة" نظرا لهبوب رياح شديدة البرودة أثناء الشتاء.
أما في فصلي الربيع والخريف، فتتسم الأجواء بالتقلب، مع أمطار متفرقة وعدم استقرار في درجات الحرارة.
السكان
يُقدّر عدد سكان تبريز بنحو 1.7 مليون نسمة وفق إحصاءات عام 2023، مما يجعلها سادس أكبر مدينة في إيران من حيث عدد السكان.
وتتميّز تبريز بتركيبتها العرقية المتنوعة، إذ يشكّل الأذريون الغالبية الساحقة من السكان، ويتحدثون الأذرية، وهي لهجة تركية محكية على نطاق واسع شمال غرب إيران.
كما توجد بالمدينة أقليات من الفرس والأكراد والأرمن، وتُعد الأذرية اللغة السائدة في الحياة اليومية، بينما تُستخدم الفارسية بالمؤسسات الرسمية وفي قطاع التعليم.
ومن الناحية الدينية، يدين معظم سكان تبريز بالمذهب الشيعي الإثني عشري، إلى جانب وجود أقليات دينية صغيرة من المسيحيين الأرمن، فضلا عن عدد محدود من اليهود.
التاريخ
تشير الاستكشافات الأثرية إلى وجود استيطان بشري في تبريز منذ الألفية الأولى قبل الميلاد، ويعود أول ذكر موثق لاسم المدينة (باسمها القديم) إلى نقش آشوري منسوب للملك سرجون الثاني عام 714 قبل الميلاد، وأشار النقش إلى حصن يعرف بـ"تاوروي" يُعتقد أنه بني في موقع مدينة تبريز التي كانت في تلك الحقبة عاصمة إقليم سمي على اسم "أتروباتين" وهو أحد قادة الإسكندر الأكبر.
واكتسبت المدينة مع توالي القرون أهمية متزايدة، خاصة إبان العصر الساساني (224م-651) إذ كانت مركزا تجاريا وعسكريا مهما على أطراف الإمبراطورية، بفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي شمال غربي الهضبة الإيرانية.

واختارها هولاكو خان (حفيد جنكيز خان) عاصمة للدولة الإلخانية (الفرع المغولي الحاكم بإيران) عام 1265 حينها دخلت تبريز مرحلة ازدهار عمراني واسع النطاق.
وفي القرن الـ14، تحولت تبريز تحت حكم القائد المغولي "تيمورلنك" إلى مركز ثقافي وتجاري بارز استقطب العلماء والحرفيين والفنانين من مختلف أنحاء العالم، مما منحها طابعا حضاريا متميزا.
العهد الصفوي والقاجاري
مع قيام الدولة الصفوية عام 1501، أصبحت تبريز عاصمة إيران في عهد الشاه إسماعيل الصفوي، ثم انتقلت لاحقا إلى قزوين ثم أصفهان لأسباب دفاعية وإدارية.
وقد تعرّضت تبريز في تلك الفترة لحملات وغزوات عدة من الدولة العثمانية، وتراجع دورها السياسي، إلا أنها ظلّت رغم ذلك حاضرة مهمة في الشؤون التجارية والعسكرية.
وفي عهد الدولة القاجارية (1796-1925) استعادت تبريز جانبا من مكانتها التاريخية، وأصبحت مقرا لولي العهد ومركزا سياسيا وعسكريا بارزا شمال غرب إيران.
إعلان
وشهدت المدينة نهضة ثقافية وفكرية، وتوسعت فيها الحركة العمرانية، كما اضطلعت بدور محوري في الثورة الدستورية الإيرانية، فكانت إحدى أبرز المدن التي قادت حراك المطالبة بتأسيس برلمان (مجلس شورى) ونظام حكم دستوري، لتتحوّل إلى أحد رموز النضال من أجل الحريات السياسية والإصلاح.

تبريز في القرن العشرين
وبعد سقوط القاجاريين وقيام الدولة البهلوية، بدأت تبريز في التوسّع خارج أسوارها التاريخية، وتطوّر مخططها الحضري، شمل ذلك البنية التحتية الحديثة من شوارع واسعة وأبنية عصرية ومنشآت صناعية وخدمية.
وعقب الثورة الإيرانية عام 1979، واصلت تبريز تطوّرها باعتبارها مركزا اقتصاديا وثقافيا مؤثرا، وأصبحت إحدى أبرز المدن الصناعية في إيران، فقد احتضنت عددا كبيرا من المصانع والمعامل والجامعات، إلى جانب مؤسسات ثقافية متنوعة، كما أصبحت مركزا رئيسيا للحرف التقليدية، لاسيما صناعة السجاد والنسيج.
الاقتصاد
تشكل تبريز أحد المراكز الاقتصادية البارزة في إيران، وتتمتع بتنوّع كبير في القطاعات الإنتاجية، مستفيدة من موقعها الإستراتيجي الذي أسهم في ازدهارها صناعيا وتجاريا وزراعيا على مدى قرون.
الصناعة
تعد تبريز من أكبر المدن الصناعية في إيران، إذ تضم مجموعة من المصانع الكبرى، أبرزها مصانع السيارات التابعة لشركتي "سايبا" و"إيران خودرو" إلى جانب ورشات صناعية لتجميع قطع الغيار، كما تزدهر فيها الصناعات الثقيلة، خاصة تصنيع الآلات والمعدات المرتبطة بقطاع النفط والغاز.
وتشتهر المدينة أيضا بصناعة الجلود التي تعد من أبرز صادراتها من الصناعة التقليدية، إلى جانب المنسوجات، وخاصة السجاد التبريزي الذي يعتبر من أشهر وأجود أنواع السجاد الإيراني على مستوى العالم.
الزراعة
ورغم طابعها الصناعي، تحتفظ تبريز بنشاط زراعي حيوي، بفضل الأراضي الخصبة المحيطة بها، وتنتج المنطقة (المدينة وضواحيها) مجموعة واسعة من المحاصيل، أبرزها الخضراوات والفواكه مثل التفاح والعنب والمشمش إلى جانب المكسرات ومنها الجوز واللوز.
كما تعد الحبوب، وعلى رأسها القمح والشعير، من المحاصيل الأساسية التي تنتجها تبريز وتسهم في دعم الأمن الغذائي المحلي.
التجارة
ظلت تبريز على مر التاريخ مركزا تجاريا مهما مستفيدة من موقعها على طريق الحرير، وهي مكانة كرسها وجود "بازار تبريز الكبير" أحد أقدم وأكبر الأسواق المغطاة في العالم، وأدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، ويُعد مركزا نشطا لتجارة السجاد والمنتجات التقليدية.
وتربط شبكة الطرق والسكك الحديدية تبريز بالأسواق الداخلية والدول المجاورة، مما يجعلها محطة تجارية مهمة شمال غرب إيران.
أبرز المعالم
سوق تبريز الكبير
يُعد سوق تبريز الكبير (بازار تبريز) من أشهر وأقدم الأسواق في العالم الإسلامي، وأُدرج عام 2010 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
ويعود تاريخه إلى القرن الـ13 الميلادي، ويمتدّ على مساحة شاسعة تشمل آلاف المحال المتصلة بممرات مقبّبة.
ويتميز السوق بتنوّع منتجاته، إذ يعرض منتوجات تقليدية من السجاد اليدوي، والمصنوعات الجلدية، والتوابل وغيرها.

مسجد كبود الأزرق
بني بأمر من "جان بيك خاتون" زوجة الملك جهان شاه عام 1465، وهو من أشهر المعالم المعمارية الإسلامية في تبريز، وسمي بـ"المسجد الأزرق" بسبب زخارفه الفيروزية اللافتة التي تغطّي جدرانه الخارجية والداخلية.
وقد تعرّض المسجد لأضرار كبيرة جرّاء زلزال مدمر ضرب المدينة عام 1779 وظلّ مغلقا مدة طويلة، إلى أن تم ترميمه عام 1973 بقيادة المهندس المعماري "رضا ممران بنام" تحت إشراف منظمة التراث الثقافي الإيرانية.
إعلان
قلعة تبريز (أرك عليشاه)
شيدت في عهد تاج الدين عليشاه في القرن الـ14 الميلادي، وهي جزء من مجمّع ديني حكومي كبير، وكان هولاكو خان قد استخدمها مقرا لحكومة الإلخانيين.
متحف أذربيجان
ثاني أهم متحف في إيران بعد المتحف الوطني في العاصمة، ويقع قرب المسجد الأزرق، ويضم مجموعات أثرية نادرة تعود إلى العصور الحجرية والعهد الساساني والفترات الإسلامية المختلفة، ويعرف بتصميمه المعماري المميّز ومحتوياته الغنية التي تبرز تاريخ المنطقة.

مقبرة الشعراء
تعد هذه المقبرة الفريدة من الرموز الثقافية في تبريز، إذ تضم رفات أكثر من 400 شاعر وأديب وعالم من أبناء المدينة، من بينهم "شهريار" أحد أبرز شعراء الأذريين في العصر الحديث، وتحولت المقبرة إلى مزار أدبي وروحي يحمل رمزية خاصة في الوجدان الثقافي للأذريين.
بحيرة أورمية
تبعد بحيرة أورمية حوالي 150 كيلومترا عن مركز المدينة، وظلت منذ أمد بعيد أكبر بحيرة مالحة في الشرق الأوسط، وثاني أكبر بحيرة مالحة في العالم، كما كانت وجهة سياحية وطبية بفضل خصائص مياهها العلاجية، إلا أنها عانت لاحقا من ظاهرة الجفاف وتقلّص ملحوظ في مساحتها، لتفقد قيمتها البيئية ومكانتها السياحية.
0 تعليق