عاجل

الطائرات المسيّرة وقصة السيطرة على الأجواء - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

وضعت الحروب الحديثة جيوش العالم أمام تحديات أمنية وعسكرية تتطلب تطوير الوسائل الدفاعية والبنية التحتية التكنولوجية القادرة على مواجهة التهديدات.

فكما سارعت الدول المتقدمة منذ خمسينيات القرن الماضي إلى تعزيز ترساناتها العسكرية بمختلف الابتكارات والاختراعات، يشهد عصرنا على حروب حديثة من نوع مختلف وبتقنيات أكثر تطورا وسرعة ودقّة.

وتبرز الطائرات المسيّرة، كأدوات حربية تصنع الفارق في ساحات المعارك بقدرات هجومية عالية الدقة، تستهدف وتدمر الأهداف الحيوية للعدوّ عن بعد، لتغيّر بذلك طبيعة الخطط العسكرية بين الجانبين دفاعية كانت أم هجومية.

وكشف تقرير نُشر على موقع "إيرو تايم" المتخصص في أخبار الطيران العالمي عن أفضل 5 طائرات عسكرية بدون طيار لعام 2025، تتصدر القائمة طائرة "جينيرال أتوميكس إم كيو -9 ريبر"، تليها طائرة "بيرقدار تي بي -2″، ثم "تي إيه آي أنكا -3″، ورابعا "سي إيه آي جي وينغ لونغ -2" الصينية، وفي المركز الخامس، جاءت طائرة "كرونشتادت أوريون" الروسية.

فكيف بدأت مسيرة تطوير الطائرات بدون طيار حتى وصلت إلى هذه المكانة المحورية في ساحات المعارك؟ ومَن القوى التي تقود دفة هذه الصناعة وتتحكم في مستقبلها؟ أسئلة يحاول هذا التقرير الإجابة عنها، عبر العودة إلى بدايات القصة، واستعراض القوى الكبرى المسيطرة على هذا المجال الحيوي.

Aerial Target أول مسيرة بالعالم
مسيرة أيريال تارغت كانت أول وثبة نحو عالم أجهزة الطيران الحديثة (مواقع التواصل)

فكرة الطائرات المسيّرة

يعود تاريخ صنع الطائرات المسيّرة المتحكم فيها عن بعد إلى زمن الحرب العالمية الأولى، حين قام المهندس البريطاني، أرتشيبالد لو عام 1917 بتطوير أول مسيرة "أيريال تارغت" والتي تعني (الهدف الجوي).

وقد كانت أول وثبة نحو عالم أجهزة الطيران الحديثة، إذ وجهت النماذج الأولية من هذه الأسلحة نحو اختبار تدمير القاذفات الألمانية الثقيلة، لكن بسبب الصعوبات في ضمان الطيران المستقر فقد الجيش البريطاني اهتمامه بالمشروع وأوقف تنفيذه.

إعلان

في السنة التالية، طورت الولايات المتحدة الأميركية طائرة "الطوربيد الجوي"، التي تعرف كذلك بـ "كيترينغ بغ" نسبة إلى المخترع والمهندس الأميركي، تشارلز كيترينغ، وقد خصصت لحمل القنابل، بيد أنها لم تستخدم في الحرب العالمية الأولى، بل كان لها تأثير إيجابي فيما بعد على تطوير صناعة المسيّرات.

Kettering Bug طائرة : كيترينغ بغ
طائرة "كيترينغ بغ" نسبة إلى المخترع والمهندس الأميركي تشارلز كيترينغ (الصحافة الأميركية)

وفقا للدراسات، يعد عام 1935 نقطة تحول في استخدام الطائرات دون طيار على نطاق واسع، خاصة لأغراض التدريب العسكري، تبعا لهذا طُورت طائرة "دي إتش 82 – كوين بي" المصمّمة من قبل شركة "دي هافيلاند إيركرافت" البريطانية، بعدها طورت أميركا طائرة "أو كيو- 2 راديو بلاين" والمتحكم بها عن طريق الراديو، وقد أطلقت عام 1939.

ويعود أوّل استخدام لهذه المسيّرة إلى حرب فيتنام عام 1950، إذ نشرت أميركا طائرات استطلاع على نطاق واسع، بأدوار جديدة تشمل العمل كشراك للخداع أثناء القتال، وإطلاق الصواريخ على أهداف ثابتة، وإسقاط منشورات تخدم الحرب النفسية بالإضافة إلى أعمال الاستطلاع.

يقول الكاتب المختص في الشؤون التركية والشرق الأوسط الدكتور فراس رضوان أوغلو، في حديثه للجزيرة نت إن الطائرات المسيّرة تحوّلت من استخدامٍ لأدوات ولأهداف معينة كالمراقبة والتصوير وعمليات الاستكشاف والاستطلاع وحتى اغتيالات لشخصيات معينة لعمليات عسكرية مباشرة، وبهذا بدأ التحول الكبير في أرض الميدان وأصبحت تسمى بمعارك المسيّرات، وبالتالي أصبحت جزءا جديدا ونوعية جديدة وقوة فاعلة من الحروب العسكرية".

De Havilland DH82B Queen Bee Preparations being made for the seaborne retrieval of a Fleet Air Arm De Havilland DH82B Queen Bee seaplane drone ( N- 1846) which is flown by wireless control without a pilot and is devised as a low-cost radio-controlled target aircraft for anti-aircraft gunnery training at the Weybourne Anti-Aircraft Artillery Range on 7th July 1939 near Weybourne, United Kingdom. (Photo by Fox Photos/Hulton Archive/Getty Images)
طائرة "دي إتش 82 – كوين بي" المصمّمة من قبل شركة "دي هافيلاند إيركرافت" البريطانية عام 1939 (غيتي)

وكانت الحرب الباردة حافزا لتطوير المسيرات، وبسبب التنافس العسكري بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي تسابق البلدان لتطوير طائرات استطلاعية قادرة على تنفيذ مهام مختلفة بدقة وبسرعة عالية.

ومن أبرز مسيرات هذه المرحلة، نجد "لوكهيد دي 21" الأميركية والمصنعة عام 1962، في حين باشر السوفيات تطوير الطائرات بدون طيار في ثلاثينيات القرن الماضي، وأطلقها لأول مرة أواخر عام 1950، من أشهرها طائرات توبوليف "تو- 123″ (ياستريب) و"تو- 141″ (ستريج) و"تو -143" (ريس)، وقد استُخدمت للاستطلاع والمراقبة. وفقا  لتقرير موقع "إن إس آي إن" حول قائمة أبرز 10 دول تمتلك أكبر الطائرات المسيّرة.

طائرة استطلاع سوداء بدون طيار من طراز لوكهيد دي-21  مع طائرات أخرى في قاعدة ديفيس-مونثان الجوية عام 2015 (الفرنسية)

من يملك اليد العليا في حرب المسيّرات؟

بحلول عام 2025، تحرّكت العديد من الدول بسرعة نحو اقتناء أو تصنيع الطائرات دون طيار، وجاءت الولايات المتحدة الأميركية على رأس القائمة بامتلاكها حوالي 13 ألف مسيّرة، متنوعة بين طائرة "إم كيو-9 ريبر" المتميزة بقدرتها العالية على التحمّل ودقتها في ضرب الأهداف وجمع المعلومات على مسافات واسعة، و "إم كيو-1 سي غراي إيغل" أو كما يطلق عليها "النسر الرمادي" التي يستخدمها الجيشان الأميركي والإسرائيلي في العمليات العسكرية.

إعلان

إضافة لمسيرة "آر كيو-4 غلوبال هوك" الخاصة بعمليات المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية عبر القارات، و"آر كيو-11 رافن" أو كما يطلق عليها "الغراب" التي تستخدم لعمليات الاستطلاع من مسافات قريبة.

وتليها تركيا  بحيازة 1421 طائرة مسيّرة، إذ تمتلك ثاني أكبر أسطول عسكري للطائرات المسيرة في العالم، كما برزت أنقرة كأحد أقطاب صناعة المسيرات التي أثبتت كفاءتها في ضرب الأهداف بدقة عالية والتحمل، وأهمها طائرة "بيرقدار تي بي -2".

بينما حلت بولندا ثالثة بنحو 1209 طائرات مسيّرة مصممة خصيصا لعمليات الاستخبارات في ساحة المعارك، أبرزها، "وورمايت" المعروفة بدقة ضرباتها وسهولة انتشارها، و"أورليك بي جي زاد -19 آر" التكتيكية المتخصصة في عمليات الاستطلاع والمراقبة و"أوربايتور 2/3″ المطورة بالشراكة مع إسرائيل تستخدم في عدة مهام دفاعية.

وتأتي روسيا في المرتبة الرابعة بامتلاكها حوالي 1050 طائرة مسيّرة، من أبرزها مسيرة "أورلان -10" التي تعتبر العمود الفقري في العمليات التكتيكية الروسية في ساحة المعركة وفقا للتقديرات، "سيرتشير إم كا – 2" وتستخدم في دعم مهام الاستطلاع.

أمّا ألمانيا فقد حلت خامسة بنحو 670 طائرة مسيّرة وتليها الهند بحوالي 625 مسيرة وفرنسا بـ 591 وأستراليا بـ557 وكوريا الجنوبية بـ518 طائرة مسيرة وفي المركز العاشر فنلندا بحوالي 412 طائرة مسيّرة.

كما نشير أيضا إلى الطائرات المسيّرة الإيرانية، حيث تعدّ إيران اليوم، من أكبر مصنعي الطائرات بدون طيار في العالم، على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة عليها، وأشهرها "شاهد 129″، و"شاهد 136"، و"مهاجر 6".. وغيرها.

ويقول رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والإستراتيجية بمركز العرب هاني الجمل للجزيرة نت "إن المسيرات أصبحت النقطة المفصلية لجمع المعلومات في الطلعات الاستكشافية".

وأشار إلى أن هناك العديد من الدول اليوم باتت تستخدم المسيّرات كتكتيك جديد للأسلحة الجوية استخداما لعدة مسارات، أولها هو الاستكشاف وجمع المعلومات خاصة في المناطق التي يصعب فيها استخدام سلاح الجو التقليدي، وأيضا لانخفاض تكلفتها وصغر حجمها ودقتها وفاعليتها الكبيرة مقارنة بالأسلحة الأخرى.

المسيرات الإسرائيلية.. صناعة رائجة بمناطق الأزمات

وأوضح تقرير نشر على  موقع "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عام 2019، أنّ الطائرات بدون طيار الإسرائيلية دخلت أول مرة حيّز الاستخدام عام 1960، ومن بعدها كثَفت تل أبيب جهودها في تطوير وابتكار المسيرات التي استخدمتها خلال حروبها في احتلال شبه جزيرة سيناء عام 1967، وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وحربها مع لبنان 1983.

يشرح التقرير كيف نجحت إسرائيل في استخدام هذه الطائرات الاستطلاعية لتحقيق أهدافها العسكرية آنذاك. ووفقا للرئيس السابق لصناعة الطائرات الإسرائيلية ديفيد هاراري، فإنّ بلاده هي من طورت أوّل نظام تشغيل للمسيرات، ومن خلال تعاونها مع الولايات المتحدة تمّ تطوير طائرة الاستطلاع التكتيكية "آي آي آر كيو-2 بيونير" عام 1986.

كما أظهر تقرير لموقع "وورلد بيس فاونديشن" أن تل أبيب قامت بتصدير طائرات بدون طيار إلى 56 دولة على الأقل، رغم القيود المفروضة على المصنعين الإسرائيليين للإعلان علنا عن تقنيتهم.

وفي عام 2021، شكّلت الطائرات بدون طيار نحو 9% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية برقم قياسي قدّر بـ11.3 مليار دولار، حيث إنّ نصف هذه الصادرات يذهب لأوروبا وثلثها إلى آسيا، وحوالي 10% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية هي طائرات بدون طيّار.

وبحسب التقرير، فإنّ إسرائيل من عام 2009 إلى عام 2018، قدّمت أسلحة بما فيها الطائرات دون طيّار إلى المشاركين النشطين في النزاعات في عدة دول مثل: أفغانستان وإثيوبيا والهند وليبيا وميانمار ونيجيريا والصومال وتركيا وغيرها. وتقدّر عائدات الصادرات الإسرائيلية للطائرات بدون طيّار سنة 2025، بـ 11.6 مليون دولار، وفقا لمنصة البيانات الألمانية "ستاتيستا".

إعلان

وحول تأثير المسيرات على منطقة الشرق الأوسط في ظل الأحداث الراهنة والحرب الإسرائيلية الإيرانية: يقول هاني الجمل للجزيرة نت إن "المسيرات سيكون لها تأثير على دول الشرق الأوسط، من النواحي الإنتاجية والاستخباراتية التي من الصعوبة الحصول عليها من دول المنطقة والدول المحيطة بها في ظل وجود أجهزة تجسّس متطورة تعتمد عليها دول الجوار في الشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى، قد لا تؤثر على المنطقة، لأنّ المسيّرات لا تحسم معارك حربية بعينها وهذه هي النقطة المفصلية، كونها قد تصيب الهدف ولكنها لا تستطيع أن تحصل على أراض ومساحة جغرافية في المعارك الحربية بشكل واقعي".

أخبار ذات صلة

0 تعليق