غزة- بثت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قبل أيام، مشاهد لكمين مركب هاجمت فيه قوة من جيش الاحتلال في منطقة الزنة شرق مدينة خان يونس، مما أدى لمقتل ضابط وجندي إسرائيليين.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي يحاول حصر تحركاته في مناطق حدودية مدمرة بعدما أجبر سكانها على إخلائها، لتجنب الاحتكاك المباشر مع المقاتلين الفلسطينيين، فإن الكمين الأخير وما سبقه من عمليات مشابهة شرقي غزة وجباليا وبيت حانون، يكشف عن تخطيط ورصد ميداني دقيق من قبل المقاومة الفلسطينية لتحركات الجيش الإسرائيلي في أماكن وجوده داخل قطاع غزة.
وتشير عمليات المقاومة الأخيرة إلى اعتماد الفصائل الفلسطينية بغزة على تكتيكات جديدة تمكنهم من الاستمرار في المواجهة، بعد مرور 21 شهرا على الحرب، وبما يضمن إيقاع أكبر قدر من الخسائر في صفوف جنود الاحتلال.
مراقبة الجيش
تركزت العمليات الأخيرة التي نفذتها عناصر المقاومة في مناطق ملاصقة للشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة، والتي تعتبرها قوات الاحتلال خاضعة لسيطرتها بشكل كامل، بعدما اعتقدت أن عملياتها المتواصلة منذ بداية الحرب أزالت أي تهديد تشكله عليها.
وتقع منطقة الزنة التي نفذت فيها كتائب القسام الكمين الذي يعود تاريخه إلى 14 يونيو/حزيران الجاري ضمن بلدة بني سهيلا شرق محافظة خان يونس، والتي معظم أراضيها مخصصة للزراعة، وتم تدميرها بشكل كامل وتهجير سكانها منذ بداية الحرب.
ونفذ المقاتلون في الزنة عدة كمائن ضد قوات الاحتلال، وأوقعوا في صفوفها خسائر محققة، كان أبرزها "كمين الأبرار" الذي نفذته كتائب القسام في رمضان الماضي، وذلك ضمن سجل طويل من المواجهة مع الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة بحكم موقعها الحدودي، حيث سبق تدميرها أكثر من مرة كما جرى خلال عدوان عام 2014.
ويكشف قيادي ميداني في المقاومة الفلسطينية عن مراقبة المقاتلين لتحركات وسلوك الجيش الإسرائيلي بدقة منذ عودته للعدوان في 19 مارس/آذار الماضي، بحيث يعمد لتدمير المناطق بشكل كامل وتفجير مبانيها قبل الدخول إليها، وذلك في محاولة منه لتجنب المواجهة المباشرة مع عناصر المقاومة على الأرض، ومنعا لتكبده أي خسارة.
إعلان
وأكد القيادي الميداني، في حديث خاص للجزيرة نت، أن جيش الاحتلال يتحرك ببطء داخل المناطق خاصة الشرقية لقطاع غزة، في الوقت الذي يسيطر فيه بالنار على معظم المساحات التي حددها بالحمراء وطالب بإخلائها، والتي تصل إلى ما يزيد على 70% من مساحة قطاع غزة.
ويفسر القيادي تصرف جيش الاحتلال بأنه فقد دافعية القتال لديه، لأنه كرر دخول معظم المناطق أكثر من مرة، ولم يعد يحتمل أي خسائر في صفوفه، ويريد فقط تشكيل ضغط على المواطنين لتنفيذ أجندة سياسية لدى الحكومة الإسرائيلية.
وبناء على الخلاصات التي وصلت إليها فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد أعادت الوحدات المقاتلة تشكيل تكتيكاتها بما يتلاءم مع تحرك جيش الاحتلال على الأرض.
صيد ثمين
وتكشف التفاصيل التي حصلت عليها الجزيرة نت أن قيادة فصائل المقاومة ارتأت اعتماد سياسة الانتظار والنفَس الطويل ضد قوات الجيش المتوغلة على الأرض، بحيث تتم مراقبتها ورصدها لأيام طويلة، حتى تعتقد أنها باتت في مأمن وتطمئن بعدم وجود أي مقاتلين لمواجهتهم، ومن ثم تبدأ بمباغتتها.
وبحسب القيادي الميداني في فصائل المقاومة الفلسطينية فإن المجموعات المقاتلة على الأرض تراقب خطوط إمداد الجيش الإسرائيلي بشكل مكثف، وتتوقع مسارات تحركه داخل المناطق، وبناء على ذلك تضع خططها المحكمة لتنفيذ الكمائن.
وتشير المعلومات إلى أن هناك توجها لدى فصائل المقاومة بتوفير الذخيرة التي تمتلكها المجموعات العنقودية الكامنة في أماكن توغل الجيش الإسرائيلي، من خلال استبعاد استهداف الآليات بشكل منفرد، والتي غالبا ما يكون بداخلها عدد محدود من الجنود، والانتظار حتى وقوع مجموعة جنود في الكمين، مما يحقق خسائر أكبر في صفوف الاحتلال.
وخلال الأشهر الطويلة من الحرب، باتت لدى المقاتلين جرأة عالية في الاقتراب من جنود الاحتلال والاشتباك معهم من نقطة صفر، وهو ما أظهره كمين الزنة الأخير حينما لاحقت عناصر المقاومة بأسلحة خفيفة دبابة إسرائيلية، واضطرتها للهروب من المكان.
من بين الركام
ولا تزال فصائل المقاومة الفلسطينية تحتفظ بالأنفاق الموجودة على مسافة قريبة من الحدود الشرقية لقطاع غزة، وهو ما بدا واضحا من مقاطع فيديو العمليات الأخيرة في خان يونس، وقبلها في بيت حانون، رغم أن جيش الاحتلال ادعى أنه دمر معظم هذه الأنفاق.
وبحسب المؤشرات الميدانية، فإن المقاومة أعادت ترميم الكثير من الأنفاق وأوجدت لها مسارات بديلة عن تلك التي قال الاحتلال إنه دمرها، واستبعد أي تهديد قد تشكله عليه.
وطوّعت المجموعات الميدانية المقاتلة الدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي في المناطق لصالح تحركهم على الأرض، بالاختباء والتخفي بعيدا عن أعينهم، وهو ما أظهرته المقاطع التي تبثها فصائل المقاومة وتظهر خروج المقاتلين من بين ركام المنازل، حيث أتاح الدمار للمقاتلين هامشا جديدا للمناورة، فباتت كأنها كهوف ومخابئ، واتخذوها أماكن للتمركز داخلها دون أن يتم اكتشافهم.
وبينما تستبعد قوات الاحتلال انطلاق المقاتلين من بين الركام، بعدما دمرت مساحات سكنية واسعة كما جرى في رفح وشمال غزة، وجميع المناطق الشرقية للقطاع، تستفيد المجموعات المقاتلة من معرفتها تفاصيل الأرض بشكل جيد، بما يوفر بيئة مثالية للتخفي والكمون لفترات طويلة.
إعلان
0 تعليق