الحرب في السودان تُعيد تشكيل تحالفات الجبهة الإسلامية القديمة - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة
العودة لا تتسم فقط بالحذر والتمويه، بل أيضًا بالتنافس الداخلي

في خضم الحرب الطويلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعود الحركة الإسلامية السودانية إلى المشهد من جديد، ولكن ليس بوصفها قوة موحّدة كما كانت في عهد نظام البشير، بل ككتلة متشظية تسعى إلى إعادة التموضع داخل المشهد العسكري والسياسي المعقّد.

ومن خلال استغلال حالة الفوضى وتفكك المؤسسات، بدأت قوى الإسلاميين بإعادة تشكيل تحالفاتها، في محاولة لاستعادة نفوذها التاريخي، سواء عبر الجيش أو عبر الحركات المسلحة المتحالفة مع السلطة. 

هذه العودة لا تتسم فقط بالحذر والتمويه، بل أيضًا بالتنافس الداخلي حول من يحق له قيادة مشروع "التمكين الجديد" داخل السودان.

منذ أن أطاحت الثورة الشعبية بعمر البشير في أبريل 2019، واجهت الحركة الإسلامية السودانية حالة من الانكشاف السياسي والانقسام التنظيمي، خصوصًا بعد حظر حزب "المؤتمر الوطني" وتجميد نشاطه، ومحاولات تفكيك التمكين. 


لكن تلك الضربات لم تجهز تمامًا على النفوذ الإسلامي في مؤسسات الدولة، بل دفعته للانكفاء والعمل من الظل، لا سيما داخل الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.

ومع بداية الحرب في أبريل 2023، وخصوصًا بعد استقرار قيادة الجيش في بورتسودان، عاد عدد كبير من الكوادر الإسلامية – مدنيين وعسكريين – إلى واجهة الأحداث؛ ويتم ذلك بشكل تدريجي عبر التنسيق مع قادة في المؤسسة العسكرية، خصوصًا من التيار المحافظ الذي يرى في الإسلاميين "حلفاء تقليديين" ضد مشاريع التغريب والمدنية السياسية، كما يعتبرهم بعض الجنرالات عامل استقرار أيديولوجي يمكنه تعبئة القواعد الشعبية والقتالية في ظل حرب استنزاف طويلة.

ووفقًا لتقارير سياسية ودبلوماسية متداولة، فقد شارك عدد من ضباط جهاز الأمن السابق، ممن تدربوا خلال عهد البشير، في تنسيق العمليات الاستخباراتية والعسكرية ضد قوات الدعم السريع، وتولوا أدوارًا قيادية خلفية في إدارة الجبهات؛ كما برزت تشكيلات إسلامية شبابية سابقة كقوى دعم ميداني للجيش، مثل خلايا ما يُعرف بـ"كتائب البراء" و"طلاب الجهاد"، وهي تشكيلات تتبنى فكرا جهاديا متطرفا لا يختلف كثيرا عن الفكر الذ يتبناه تنظيم القاعدة

لكن هذه الشراكة تبقى ملتبسة ومؤقتة. فالجيش، في صورته المؤسسية، لا يزال يخشى من التبعية الكاملة لحزب المؤتمر الوطني أو لرموزه العلنية

وهناك داخل قيادة الجيش من يرى أن التحالف مع الإسلاميين ضروري ميدانيًا، لكنه قد يتحول إلى عبء سياسي في المستقبل القريب، خصوصًا إذا بدأت مفاوضات انتقالية مع المجتمع الدولي.

ومع هذا، لا يبدو أن الإسلاميين يطمحون فقط إلى العودة كخلفية أيديولوجية، بل يسعون لإعادة إنتاج نفوذهم ضمن معادلة الحكم، من خلال تعزيز مواقعهم داخل الجيش والإدارات المحلية، واستثمار خطاب "الجهاد" ضد الدعم السريع لاستعادة شرعية مفقودة منذ سقوط البشير.

فعلى جانب دارفور، يبرز تيار يقوده قادة مثل جبريل إبراهيم (رئيس حركة العدل والمساواة) ومني أركو مناوي، وهما من رموز الحركة الإسلامية الذين غادروا المؤتمر الوطني مبكرًا، وشكلوا حركات مسلحة ذات طابع دارفوري–إسلامي. 

لكن هذا التيار الدارفوري الإسلامي يواجه مقاومة من تيار آخر متمركز في بورتسودان، يقوده عناصر المؤتمر الوطني القديم، والذين يرفضون إعادة توزيع السلطة داخل الحركة الإسلامية لصالح أبناء الهامش، ويعتبرون ذلك تهديدًا لـ"الهوية المركزية" للحركة.

وقد انعكست هذه الانقسامات في طريقة التعامل مع الترتيبات الأمنية والمؤسسات الانتقالية؛ فبينما يدفع الإسلاميون الدارفوريون باتجاه إدماج قواتهم ضمن الجيش وفتح العملية السياسية لهم، يتحفّظ الجناح التقليدي في بورتسودان على هذه المطالب، ويعتبرها تنازلات قد تخل بالتوازن الإثني–السياسي الذي حافظت عليه الدولة منذ عقود، والقائم على سيطرة العرق العربي على مفاصل الحكم الرئيسية وقيادة الجيش 

التناقضات لا تقف عند حدود المصالح الجهوية. بل تمتد إلى الخطاب السياسي ذاته. ففي حين يستخدم التيار المركزي خطابًا دينيًا حادًا يربط الحرب بـ "معركة الإسلام ضد الفوضى"، يميل تيار دارفور إلى لغة أكثر براغماتية، تسعى لتوظيف الحرب لتحقيق مكاسب تفاوضية في المرحلة المقبلة.

وأنتجت الحرب في السودان ليس فقط مشهدًا عسكريًا مضطربًا، بل أيضًا واقعًا سياسيًا جديدًا تُعيد فيه القوى القديمة – وعلى رأسها الحركة الإسلامية – ترتيب صفوفها. 

هذه العودة لا تتم بالضرورة عبر بوابة الانتخابات أو العمل العلني، بل عبر تحالفات ظرفية مع الجيش، واختراق هياكل السلطة في لحظة فراغ تاريخي.

غير أن هذه العودة محفوفة بالتحديات. فمن جهة، تواجه الحركة الإسلامية معارضة شعبية واسعة في الشارع السوداني، خصوصًا بين الأجيال التي خرجت ضد البشير في 2019. ومن جهة أخرى، فإن المجتمع الدولي يراقب بقلق محاولات إعادة تمكين الإسلاميين، خصوصًا إذا تم ربطهم بخطاب متطرف يعطّل فرص التسوية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق