الدلالات الرمزية والدينية لتسميات العمليات العسكرية الإسرائيلية - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

سلطت عملية "الأسد الصاعد" -الاسم الذي اختارته إسرائيل لهجومها العسكري على إيران في يونيو/حزيران 2025- الضوء على دلالات التسميات التي تطلقها إسرائيل على عملياتها العسكرية، خاصة مع تصاعد وتيرة استعانة الجيش الإسرائيلي بالنصوص التوراتية في هذا الشأن مع توالي السنوات.

وحسب ما ينص عليه بروتوكول التسميات في النظام العسكري الإسرائيلي، فإن أي عملية قتال ينفذها جيش الاحتلال يجب أن تحمل اسما يطلق عليها، ويفتح لها ملف في أرشيف وزارة الدفاع الإسرائيلية يوثق أدق تفاصيلها والعبر المستخلصة منها.

نشأة الفكرة

ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، حرصت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على صياغة أسماء عملياتها بعناية، وعلى نحو يجعلها انعكاسا لرؤيتها الأيديولوجية وأداة تخدم أهدافها السياسية.

وفي العقدين الأول والثاني من القرن الـ21، أصبحت الأسماء ذات الحمولة الدينية تهيمن على أكثر من 85% من العمليات العسكرية الإسرائيلية، في مؤشر واضح على تصاعد التيار الديني داخل المؤسسة العسكرية، خاصة بعد سيطرة التيار اليميني على مفاصل الحياة السياسية فيها.

تستخدم إسرائيل هذا الانزياح نحو الرمزية الدينية أداة دعائية لتعزيز الشرعية الداخلية، وتعبئة المجتمع الإسرائيلي عاطفيا، وإضفاء طابع "القدسية" على المواجهات العسكرية، كما يكشف عن رؤية استعلائية تصور الصراع مع أعداء إسرائيل حربا دينية وتاريخية ممتدة منذ العهد التوراتي، بهدف تبرير العنف المفرط تحت شعارات "الدفاع عن النفس مقدس".

عملية "يوآف"

في أكتوبر/تشرين الأول 1948 (النكبة)، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي اسم "يوآف" على إحدى كبرى عملياته العسكرية في فلسطين، وهو اسم استمده من شخصية توراتية مهمة تدعى "يوآف بن صرويا"، وهو قائد جيش النبي داود، المعروف بشجاعته وكفاءته العسكرية حسب السردية الصهيونية.

يربط هذا الاسم العملية العسكرية بـ"القوة والتاريخ البطولي لليهود" كما يعتقدون، ويضفي عليها شرعية دينية ووطنية، كما يحمل رسالة إلى الجنود والمجتمع الإسرائيلي تفيد بأنهم "يمشون على خطى قادة تاريخيين مقدسين"، مما يتوقع أن يرفع من منسوب الروح المعنوية ويقوّي الإحساس بالانتماء.

إعلان

وتقدم التوراة يوآف قائدا حازما وحكيما، واختيار الاسم يعكس رغبة الإسرائيليين في إظهار العملية خطوة حاسمة في تحقيق الأهداف العسكرية، إلا أنها في الوقت ذاته "إجراء مدروس ومخطط له ينم عن الحكمة ورجاحة العقل".

عملية "السور الواقي" (2002)

اعتمد الجيش الإسرائيلي هذا الاسم عنوانا لعمليته العسكرية أثناء اجتياح مدن الضفة الغربية في مارس/آذار 2002 بحجة حماية المستوطنات الإسرائيلية.

تشير كلمة "السور" إلى جدار أو حاجز قوي يحمي من الاعتداءات، وهو رمز قديم للأمان والحماية من الخطر الخارجي، أما "الواقي" فيعني الحامي أو الدفاعي، مما يعطي انطباعا بأن العملية تهدف إلى الدفاع عن الأمن والاستقرار في الداخل الإسرائيلي ومنع التهديدات التي تستهدف دولة الاحتلال.

ويحمل الاسم دلالة رمزية تفيد أن الجيش الإسرائيلي بنى "سورا يعزز حماية البلاد، ويصد الهجمات ويضمن سلامة الإسرائيليين"، مما يبرز "الجانب الدفاعي" للعملية ويعكس محاولة إسرائيل تقديم نفسها دولة تحمي حدودها وأمنها.

كما يكتسي الاسم أيضا بعدا نفسيا، فاستخدام كلمة "السور" يعزز الشعور بالأمن والاستقرار لدى الجمهور الإسرائيلي، ويقلل من الطابع العدائي للعملية في الإعلام الدولي، إذ يدعي الاحتلال بأنها "رد ضروري لحماية النفس وليس اعتداء".

Mid adult man reading Torah before Hanukkah dinner with his extended family in dining room.
الرصاص المصبوب عنوان لأغنية عبرية ينشدها الأطفال بمناسبة عيد "الحانوكا" (غيتي)

الرصاص المصبوب (2008)

عملية شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في الفترة من 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2009، وينطوي اسمها على دلالات رمزية يتقاطع فيها ما هو عسكري بما هو ثقافي.

وتشير التسمية إلى عملية صهر الرصاص وتشكيله علامة على القوة والصلابة، وتعكس رغبة إسرائيل في توجيه ضربة قوية ضد المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بهدف إضعاف قدراتها العسكرية.

والرصاص المصبوب عنوان لأغنية عبرية ينشدها الأطفال بمناسبة عيد "الحانوكا" (عيد الأنوار)، تعبر كلماتها عن شجاعة المكابيين، وهي جماعة يهودية متمردة قادت ثورة ضد الحكم السلوقي في يهودا أثناء القرن الثاني قبل الميلاد، رفضا للهيمنة الهلنستية ومحاولات فرض الثقافة الوثنية، مما جعلها رمزا للنضال الديني والقومي في الذاكرة اليهودية.

تعكس التسمية رغبة إسرائيل في تشبيه جيشها بـ"المكابيين"، المدافعين عن الهوية اليهودية في محاولة لربط المعركة بالصراعات التاريخية لليهود، وتعزيز الأسطورة القومية لـ"المقاومة اليهودية".

SDEROT, ISRAEL - NOVEMBER 16: (ISRAEL OUT) Smoke plumes rise over Gaza following Israel Air Force bombing on November 16, 2012 near Sderot, Israel. Conflict between the Israeli military and Palestian miltants has intensified over the last few days, with Israel striking some 130 targets overnight. According to reports, 18 Palestians and three Israelis have been killed. Egypt's prime minister Hisham Qandil is due to make a brief visit to Gaza today and Israel have vowed to suspend fire for the duration of his visit, provided there's no cross border attacks from militants. (Photo by Ilia Yefimovich/Getty Images)
ضربات جوية إسرائيلية على قطاع غزة أثناء عملية "عمود السحاب" عام 2012 (غيتي)

عمود السحاب (2012)

عملية عسكرية شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. يحمل الاسم دلالات توراتية واضحة، تعود إلى سفر الخروج "الإصحاح 13:21" وجاء فيه "خروج الرب ليسير أمام بني إسرائيل نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق".

اسم "عمود السحاب" مستوحى من التوراة، إذ يُذكر أن بني إسرائيل أثناء فترة التيه في صحراء سيناء كانوا يتبعون "عمود السحاب" نهارا و"عمود النار" ليلا، ويتخذونه دليلا تنعكس فيه هداية الله وحمايته.

إعلان

ويعكس الاسم في السياق العسكري الإسرائيلي رمزا لـ"العقاب السماوي" أو "الانتقام الإلهي"، مما يكرس ما تعتبره إسرائيل طابعا عقابيا وردعيا للعملية ضد المقاومة الفلسطينية، كما يوحي الاسم بتبرير مبطن للعدوان واعتباره "مشيئة إلهية"، واستغلاله في خطاب إعلامي يعزز شعور المجتمع الإسرائيلي بـ"الحماية السماوية".

GAZA CITY, GAZA - MAY 20: A boy is seen in front of damaged building after Israel's warplanes carried out airstrikes in Gaza City, Gaza on May 20, 2021. (Photo by Ali Jadallah/Anadolu Agency via Getty Images)
خراب في منزل بغزة جراء قصف إسرائيلي في عملية "حارس الأسوار" عام 2021 (الأناضول)

حارس الأسوار (2021)

عملية "حارس الأسوار" التي شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في مايو/أيار 2021، ردا على عملية سيف القدس التي وجهت فيها المقاومة الفلسطينية ضربات صاروخية إلى العمق الإسرائيلي، على إثر اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وردا على المخططات الإسرائيلية الهادفة لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس.

أطلقت إسرائيل هذه التسمية لدواع دينية عميقة، إذ يستمد اسم "حارس الأسوار" رمزيته من نبوءة إشعياء في التوراة، إذ ورد فيه "عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ" (إشعيا 62:6).

تتحدث هذه "النبوءة" عن حراس يراقبون الأسوار دون انقطاع، في إشارة لحماية القدس والمقدسات اليهودية، مما يعكس ترويج إسرائيل "لالتزامها بحماية حدودها"، خاصة في ظل التصعيد الذي شهدته القدس آنذاك.

5_11_2023-فلسطين-المسجد الأقصى- كُتب على زيّ شرطي إسرائيلي في المسجد الأقصى _السيوف الحديدية، نقاتل على البيت_- مواقع التواصل_
كُتب على زيّ شرطي إسرائيلي في المسجد الأقصى عام 2023 "السيوف الحديدية، نقاتل لأجل البيت" (الصحافة الإسرائيلية)

السيوف الحديدية (2023)

عملية عسكرية نفذها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردا على عملية "طوفان الأقصى"، وبدأت بقصف جوي مكثف على القطاع، ثم اجتياح بري تحول لاحقا إلى إبادة جماعية.

استلهمت إسرائيل هذه التسمية من التوراة، فقد وردت السيوف أداة للعقاب الإلهي في نصوص مثل مزامير داود و إشعيا منها: "بِسَيْفٍ مِنْ حَدِيدٍ أُعَاقِبُهُمْ" (إشعيا-27:1).

أرادت إسرائيل بهذه التسمية أن تصور هجومها على قطاع غزة على أنه حرب دينية تطهيرية بقيادة إلهية، وأن الجيش الإسرائيلي وسيلة إلهية للانتقام والعقاب، مركزة على فكرة الحسم المطلق والتدمير الكامل لمن تعتبره عدوا.

تجسد "السيوف الحديدية" الغطرسة الإسرائيلية، وتعبر عن القوة الصلبة في معناها المطلق الذي ينتمي للعصور الوسطى المنفلت مما وصلت إليه الإنسانية من قواعد في القانون الدولي الإنساني تحكم الحروب.

عربات جدعون (2025)

أو "ميركافوت جدعون" بالعبرية، وهي عملية عسكرية تهدف إلى توسيع العدوان الإسرائيلي في غزة مطلع 2025، وتحمل دلالات دينية وتاريخية وعسكرية، إذ سبق لإسرائيل أن أطلقت الاسم نفسه على إحدى عملياتها في "نكبة 1948" حين سيطرت على منطقة بيسان الفلسطينية وطردت سكانها.

وجدعون كلمة عبرية تعني المصارع، وهو شخصية توراتية ذكرت في سفر القضاة، حاربت المديانيين "الذين سلطهم الله على بني إسرائيل لشر أفعالهم، فأمر الله جدعون بتخليص بني إسرائيل، وطلب منه هدم مذبح بعل فثار عليه قومه، ولم يقف معه منهم سوى القليل".

وحسب ما ورد في التوراة (سفر القضاة-الإصحاح 7)، فإن جدعون قلَّص عدد جيشه من 30 ألفا إلى 300 مقاتل فقط، بناء على أمر إلهي باستبعاد "الخائفين" منهم، ورغم ذلك استطاعوا التغلب على جيش مدين -وهم بدو من الحجاز- وجعلهم يتراجعون إلى ما بعد نهر الأردن، وقضوا على ملوكهم ومن تبقى من جيشهم.

ويشار لجدعون في الصحافة الإسرائيلية باعتباره بطلا قوميا أنقذ بني إسرائيل من جيش مدين المتطور آنذاك، إذ كانوا يجيدون قيادة الجمال، وعرفوا "بعنفهم وسرعتهم ومباغتتهم في الهجوم"، بينما استطاع جدعون التغلب عليهم "بجيش بسيط وبأدوات بسيطة منها العربات، بخطة عسكرية محكمة".

إعلان

الأسد الصاعد (2025)

عملية عسكرية، شنت أثناءها إسرائيل هجمات واسعة على مناطق متعددة بإيران في يونيو/حزيران 2025، مستهدفة منشآت عسكرية ونووية وقادة إيرانيين كبارا في مؤسسات أمنية وعسكرية وبحثية.

استوحت إسرائيل اسم هذه العملية (الأسد الصاعد) من التوراة في أحد نصوص العهد القديم، يتحدث عن "مستقبل مزدهر تنتصر فيه إسرائيل القوية"، وورد التعبير في "الإصحاح-23/24": وجاء فيه "شعب كالأسد يقوم، وكالليث يشرئب، لا ينام حتى يأكل فريسته ومن دم ضحاياه يشرب".

وللأسد مكانة رمزية في التعاليم التلمودية اليهودية، ففي نبوءة لبلعام بن باعوراء، وهو نبي وعراف تنبأ بقوة إسرائيل وسلطانها، شبهها بأسد لا يهدأ حتى يشبع جوعه.

وقبل يوم واحد من العملية، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورقة مكتوبة بخط اليد في شقّ على حائط البراق في القدس المحتلة، قبل أن ينشر مكتبه لاحقا صورة للورقة التي وضعها، وكُتب عليها "سينتفض الشعب كالأسد".

أخبار ذات صلة

0 تعليق