عاجل

جرجس إبراهيم يكتب: إعادة ترتيب المشهد الكنسي - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

يُعدّ قداسة البابا تواضروس الثاني نموذجًا حيًّا للنضج الفكري والإداري في قيادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في عصرٍ تتسارع فيه التحديات والمتغيرات.

لقد انعكس نضج البابا الفكري في انفتاحه على القضايا المجتمعية والإنسانية، وتجلى ذلك في خطابه المتوازن الذي يدعو إلى المحبة والسلام والتسامح، محافظًا بذلك على صورة الكنيسة كمنارة روحية ووطنية.

أما على الصعيد الإداري، فقد قدّم نموذجًا للإدارة المسيحية الرشيدة وتطوير آليات العمل الرعوي والإداري، مما ساهم في إعادة ترتيب المشهد الكنسي بشكل فعّال.

ومن أبرز ملامح هذا النضج الإداري رؤيته الإصلاحية، إذ اختار الأنبا يؤانس أسقف أسيوط سكرتيرًا للمجمع المقدس للكنيسة، الأمر الذي يضفي روحًا جديدة على الكنيسة ويكسبها قدرة أكبر على مواجهة التحديات المعاصرة.

إن هذا الاختيار يمثل مرحلة فارقة في تاريخ الكنيسة القبطية، إذ يُسهم بشكل جوهري في إعادة ترتيب المشهد الكنسي وتجديد حيويته، لتظلّ الكنيسة صرحًا شامخًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة في آنٍ واحد.

ولم أكن متحمسًا للكتابة عن هذا القرار لعدة أسباب؛ أولها العلاقة الأبوية التي تربطني بالأنبا يؤانس، فهو كما يقولون: "شهادتي فيه مجروحة"، ولكنني لم أستطع الصمت أمام هذا الحدث الجليل، للحق وللتاريخ، أقول إن تولي الأنبا يؤانس منصب سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية سيكون علامة مضيئة، ونقطة فاصلة، ومرحلة جديدة في عمر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

إن قرار اختيار الأنبا يؤانس جاء كإعلان لتجديد شباب الكنيسة القبطية؛ فهو رجل نشيط لا يهدأ، وإيمانه ثابت، وشجاعته لا يُرقى إليها شك، كما أنه يحتضن فكرة الكنيسة الوطنية المصرية المتميزة والمستقلة.

أراد البابا تواضروس من هذا الاختيار أن يترك أثرًا باقيًا في تاريخ الكنيسة، فهو شديد الإحساس بميراث الكنيسة والتحديات التي تواجهها، قوة رياح التغيير داخل الكنيسة، والمطامع المستجدة لجيل مختلف من الشباب.

يملك الأنبا يؤانس الكثير من المقومات اللازمة لهذا المنصب؛ فهو راهب متعلم، وكاتب وخطيب متمكّن، وشخصيته قوية، إلى جانب الكثير من صفات الزعامة، وقوة الاحتمال والمثابرة التي لا شك فيها، كما أنه أذكى مما يقدّره الآخرون، وهو أيضًا أكثر التزامًا بمقدّرات الدولة المصرية، إذ لطالما خصّصت الكنيسة جزءًا كبيرًا من حيويتها عبر الأجيال المتعاقبة لخدمة الدولة المصرية.

ورغم فرحتي الكبيرة بهذا الاختيار، فإنني أشفق جدًا على الأنبا يؤانس من هذه المسؤولية الكبيرة، لكنني واثق من قدرته على إعادة شمل الكنيسة، وعلى ترتيب وتنظيم شؤونها، فهو يجمع بين العمق الروحي والدقة الإدارية، وهو نموذج يُحتذى به في القيادة الكنسية المتّزنة.

فالأنبا يؤانس يُعدّ من أبرز الشخصيات الكنسية التي ساهمت في إعادة تنظيم شؤون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خاصةً خلال فترة خدمته كسكرتير خاص لقداسة البابا شنودة الثالث، حيث امتدت خدمته في هذا المنصب لمدة 21 عامًا، مما أتاح له تأثيرًا كبيرًا في إدارة وتنظيم الشؤون الكنسية، بالإضافة إلى إشرافه على العديد من الملفات الكنسية الهامة، الأمر الذي مكّنه من المساهمة في صياغة السياسات الكنسية وتنظيم العمل داخل الإيبارشيات.

ويُعتبر الأنبا يؤانس نموذجًا للقائد الكنسي الذي يجمع بين الروحانية العميقة والحكمة الإدارية؛ فقد ساهم بشكل فعال في إعادة ترتيب وتنظيم شؤون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، سواء من خلال خدمته كسكرتير خاص للبابا شنودة الثالث أو كأسقف على إيبارشية أسيوط، مما جعله شخصية محورية في تاريخ الكنيسة المعاصر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق