عاجل

"البُعد المُركّب" لـ"مُقاطعة".. موسيقى إلكترونية تحاكي التشظي وتُقاومه! - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتب يوسف الشايب:

 

"البُعد المُركّب"، هو عنوان عرض الموسيقى الإلكترونية للفنان الفلسطيني العالمي جاد عباس المعروف باسمه الفني "مُقاطعة"، واحتضنته، مؤخراً، عليّة مركز خليل السكاكيني الثقافي، ضمن سلسلة عروض "تعبيرات في الصمود الثقافي"، في إطار مشروع "العتبة GRADUS".
وللعنوان جانب يتعلق بالتكوين الموسيقي، وآخر بالسياق السياسي، أولها يرتبط بالفواصل الموسيقية في اللحن، والثاني بمضمون المقطوعة الرامي إلى محاكاة حالة التشظي ذات الأبعاد المتعددة في فلسطين.
و"البُعد المُركّب"، يوازي ما يمكن وصفه بـ"المسافات المصطنعة" في السياق الموسيقي، وتتعلق عادة بالموسيقي التقليدية غير الإلكترونية، وتتمحور حول الفواصل الموسيقية أو "المسافة بين نوتتين"، بما يشتمل تشكيل الألحان وتركيب النغمات حد التناعم، عبر مراعاة العلاقة ما بين النوتات الموسيقية والمسافات فيما بينها.
وبالاشتغال على "البُعد المُركّب" بإعمال التفكيك وإعادة التركيب، فإن الموسيقى المتدفقة تُحدث تأثيراً عاطفيّاً كبيراً، وهو ما نجح فيه "مُقاطعة".
واتكأ "مُقاطعة" على الأجهزة الإلكترونية في عرضه، وعلى حرفيته التي ميّزته عالمياً في هذا الجانب، لإنتاج عرض إلكتروني، لا يخلو من توظيف إيقاعات قوية، وأصوات مجرّدة، وتسجيلات ميدانيّة، واسطوانات وأشرطة معروفة بنسب متفاوتة بدت كظلال للموسيقى الأصيلة التي قدّمها، بعيداً، إلى حد ما، عن عادته في دمج أصوات الموسيقى الفلسطينية التقليدية بالموسيقى الحديثة في مقطوعات موسيقية إلكترونية، لجهة دمج أصوات فلسطينية أصيلة.
وتجاوز تأثير موسيقى "البُعد المُركّب" الآذان، مُقنحماً دواخل المتلقين على المستويين الإدراكي والشعوري، في عمل يشكل نقطة انطلاق جديدة ما بعد  "كامل منقوس"، و"إنكاناكونتو"، و"دبت الغبار"، و"لا لسان له"، و"حياة ناطق"، وغيرها.
وواجه "مُقطاعة" لجهة الشكل الموسيقي الذي قدّمه "البُعد المُركّب"، حالة التشظي بتقديم مقطوعة متكاملة، لا موزعة على لوحات أو مقطوعات منفردة، في حين كانت مضامينها تتماهى وهذه الحالة في أكثر من اتجاه.
ويتشكل المضمون، عبر تكوين التأويلات وتعددها، فثمة نبضات كتلك التي يصدرها الجنين في رحم والدته، قبل أن يحدث التشظي بقطع في الحبل السري الرابط بينهما، لينطلق إلى الحياة أو حتى اللاحياة في واقعنا اليوم، وثمة ما يمكن تأويله على أنها حرب أهلية وتشظٍ سياسي يعكس من جهة حالة الانقسام الفلسطيني الذي لم تَحُل الإبادة الإسرائيلية المتواصلة دون إنهائها، وأكثر من ذلك.
ومن يذوب في أتون الموسيقى الإلكترونية لـ"البُعد المُركّب"، يكتشف طبقات متعددة من محاكاة التشطي، ما بين أرض تُفنى كما النفوس، ونازحون يغرقون في العويل، وآخرون يتنقلون من جغرافيا إلى أخرى داخل الوطن، أو ينضمون إلى قوائم اللاجئين خارجه، وفي ذات الوقت يشكل فعلاً مُقاوِماً لهذا التشظي.
و"مًقاطعة" الذي كان من بين المؤسسين المشاركين لمجموعة الراب "رام الله أندرغراوند"، في الفترة ما بين 2002 و2009، التي ساهمت بشكل كبير في إرساء ثقافة "الهيب هوب" والانعكاس الموسيقي للحياة اليومية المعقدة في فلسطين، شكل مجموعة فنية تحت مُسمّى "تشويش"، حيث يجمع الفنانون ممارساتهم المختلفة، ما بين الصوت والصور المتحركة والتسجيلات الميدانية والمواد الأرشيفية والأغنيات، في استكشاف للعلاق ما بين الأعمال التركيبية والممارسات الأدائية.
ويحاكي العمل الموسيقي الألكتروني، الذي يُظهر تطوّراً كبيراً لدى "مًقاطعة"، الفجوات التي تتسع ما بين الواقع والمأمول في حيوات الفلسطينيين، خاصة في العشرين شهراً الأخيرة، مُقدماً تحليلاً فنّيّاً عميقاً ومؤثراً للتغيّرات الجوانيّة والبرانيّة التي عصفت بنا، منها ما نعيها، ومنها ما لا تزال بحاجة إلى اكتشاف أو استكشاف، وهو ما كان، ولو جزئياً، في "البُعد المُركّب"، التكوين الموسيقي الجديد لـ"مُقاطعة".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق