بشارة بحبح (وسط) بين ترامب ونائبه جيه دي فانس (مواقع التواصل الاجتماعي)
بشارة بحبح (وسط) بين ترامب ونائبه جيه دي فانس (مواقع التواصل الاجتماعي)
31/5/2025
مع ورود تقارير متسارعة ومتأرجحة عن انتكاسات ونجاحات جهود البيت الأبيض لإبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، برز رجل يعمل كقناة تواصل غير رسمية بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وحركة حماس بصورة واضحة إلى دائرة الضوء.
وقد أدت جهود الناشط والأكاديمي الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح، التي جرت بالتنسيق مع ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط وصديقه المقرب، بصورة مباشرة إلى إطلاق حركة حماس الأسير عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، مما اعتبر نجاحا كبيرا، واحتفى ترامب بالأمر في تغريدة على منصة تروث سوشيال.
ومنذ ذلك الحين تم تكليف بحبح، وبصورة غير رسمية، بالمساعدة في تأمين التوصل لاتفاق أوسع من شأنه أن ينطوي على إطلاق سراح أسرى ورهائن إضافيين لدى حركة حماس مقابل وقف "مؤقت" لإطلاق النار، وإطلاق سراح مئات أو آلاف الفلسطينيين، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية للقطاع.

وتشير تقارير إلى عقد بحبح اجتماعات مع كبار مسؤولي حماس في الدوحة، في الوقت ذاته تحرك ويتكوف وتفاوض مع رون ديريمر، كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
عرب أميركا من أجل ترامب!
دأب بحبح على التصويت للحزب الديمقراطي لسنوات طويلة، وكان آخرها انتخابات 2020 التي فاز فيها بايدن على ترامب، وفقا لما قاله في مقابلة أجراها مع تلفزيون "تي آر تي" التركي في يونيو/حزيران الماضي. وتخلى بحبح عن التصويت للديمقراطيين بسبب تعامل إدارة بايدن مع العدوان على قطاع غزة.
انضم لأول مرة إلى حملة ترامب في مايو/أيار الماضي، حيث أطلق مبادرة "أميركيون عرب من أجل ترامب" لحشد دعم الناخبين العرب والمسلمين الأميركيين للمرشح الجمهوري. وبدأ حملة لتعبئة أصوات الناخبين العرب والمسلمين للتصويت لصالح المرشح الجمهوري ترامب.
وبسبب تقارب نتائج استطلاعات الرأي بين ترامب وبايدن ومن بعده هاريس، خاصة في الولايات المتأرجحة التي تعج بمئات الآلاف من الناخبين العرب والمسلمين مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، برزت أهمية كل صوت، واستغل بحبح هذه الفرصة كي يستفيد الناخبون العرب من هذه اللحظة الفارقة في الانتخابات الرئاسية بأن يكون لأصواتهم تأثير وأهمية وقوة في انتخابات 2024 والانتخابات المستقبلية.
وفصل بحبح، خلال لقاء مع برنامج "راي حنانيا الإذاعي" الموجه لعرب ومسلمي أميركا، مبررات التصويت لترامب. وخلال اللقاء قال إنه عمل عن قرب مع مبعوث ترامب الخاص ريتشارد غرينيل ورجل الأعمال اللبناني الأميركي مسعد بولس صهر ترامب ومسؤول الاتصال الرئيسي مع المجتمعات العربية الأميركية.

ولعب بحبح دورا وراء الكواليس في صياغة رسالة تهنئة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى ترامب بعد نجاته من محاولة الاغتيال في ولاية بنسلفانيا في يونيو/حزيران الماضي. وبعد فوز ترامب، ساعد بحبح في صياغة رسالة تهنئة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والتي أدت إلى أول مكالمة هاتفية مباشرة بين الزعيمين.
وركز بحبح على جهود جذب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين للتصويت لصالح المرشح الجمهوري. واعتبر أن تواطؤ إدارة جو بايدن وكمالا هاريس في دعم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دفعه للدفع باتجاه التصويت لصالح ترامب.
وقال إن "الإدارة الديمقراطية سمحت بمقتل 40 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف الآخرين، في حين تعهد ترامب بالعمل على وقت القتال والإفراج عن بقية الأسرى والمحتجزين"، وذكر أن ترامب "سيعمل على إعادة بناء قطاع غزة، وتحقيق سلام الشرق الأوسط بناء على حل الدولتين".
وانتقد بشارة بحبح إرسال بايدن وهاريس أسلحة لإسرائيل، وقال إن "إرسال طلقات نارية صغيرة أو قنابل ضخمة من زنة 2000 رطل تؤدي للنتيجة نفسها، وبدون هذه الأسلحة ما كان لإسرائيل إمكانية الاستمرار في الحرب لأكثر من عدة أسابيع فقط".
واعتبر بحبح أن "إسرائيل قد خسرت الحرب بالفعل في غزة بعد نجاح حماس فيما قامت به يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، ورغم التدمير الواسع وضخامة أعداد الضحايا الفلسطينيين، وبغض النظر عن كيفية وقف القتال لا يمكن لإسرائيل إعلان الانتصار".

ويرى بحبح أن عرب ومسلمي أميركا أقرب بالطبيعة للحزب الجمهوري بسبب السياسات الاجتماعية والتوجهات المحافظة الأقرب لتقاليهم خاصة فيما يتعلق بالتعليم والكتب التي تتناول الهويات والحريات الجنسية للأطفال. ويؤمن بحبح أنه آن الأوان لعرب أميركا أن ينخرطوا في العمل السياسي الأميركي، ليكون لهم صوت مسموع، ومقعد على مائدة صنع القرار.
وكرر بحبح خلال ظهوره ضيفا في العديد من الشبكات الإخبارية الأميركية والدولية أنه لا يجب لعرب ومسلمي أميركا التصويت لصالح بايدن ومن بعده هاريس بسبب دعمهما الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل بحق أهل قطاع غزة.
بعد أن اقترح ترامب تهجير سكان غزة غيّر بحبح اسم مبادرته إلى "عرب أميركا من أجل السلام" (غيتي)
بعد أن اقترح ترامب تهجير سكان غزة غيّر بحبح اسم مبادرته إلى "عرب أميركا من أجل السلام" (غيتي)
واعتبر بشارة بحبح أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط هو الهدف الذي يكرره ترامب، وعن استمرار دعمه لترامب قال إن ذلك يتوقف "على ما يقوم به الرئيس، لن يحصل أوتوماتيكيا على دعمنا إلا إذا استمر في العمل على رفع المعاناة عن أهل غزة".
عرب أميركا من أجل السلام!
في لقاء في بداية هذا العام مع شبكة "سي إن إن"، ذكر بحبج أن ترامب قدم وعديْن للناخبين العرب والمسلمين، أولهما وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وثانيهما تحقيق السلام في الشرق الأوسط اعتمادا على مبدأ حل الدولتين.
وبعدما طرح الرئيس ترامب فكرة تهجير أهل قطاع غزة إلى خارج القطاع، غضب بحبح من ترامب وغيّر اسم مبادرته لتصبح "عرب أميركا من أجل السلام" بدلا من أجل ترامب. وذكر أنه لا يدعم طرح ترامب، وأن ذلك يخالف وعود الرئيس للناخبين العرب والمسلمين. وقال "نحن دعمنا ترامب لتحقيق السلام، لا يمكن الاستمرار في دعمه بعد هذا الطرح، لذلك غيرنا الاسم".
فلسطين في القلب
ولد بشارة بحبح عام 1958 في القدس الشرقية لعائلة فلسطينية هُجرت بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، ثم انتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة في السبعينيات، ودرس في جامعة بريغهام يونغ بولاية يوتا قبل أن يبدأ دراسته العليا في جامعة هارفارد.

شغل بحبح عددا من المناصب بما في ذلك رئيس تحرير صحيفة "الفجر" التي تتخذ من القدس مقرا لها، وذلك لمدة قصيرة، وتتضمن سيرته الذاتية فترة في معهد الشرق الأوسط التابع لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، وسنوات في شركة تابعة لبنك مورغان ستانلي الشهير، وكتاب بعنوان "إدارة الثروات في أي سوق".
وتشير تقارير إلى مشاركته في المفاوضات المتعددة الأطراف المتعلقة بالحد من التسلح والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي.
وأثناء دراسته العليا في جامعة هارفارد المرموقة في ثمانينيات القرن الماضي، قال بحبح تعليقا على الغزو الإسرائيلي للبنان إن ما تشهده بيروت يعد بمثابة "الهولوكوست الثاني"، وأشار إلى أن شقيقته في بيروت اختفت عندما حاصرت القوات الإسرائيلية المدينة.
ولبشارة بحبح آراء منشورة تعكس قناعات فلسطينية قومية عميقة. وعن حركة حماس، كتب بحبح في يونيو/حزيران 2018 في موقع آراب أميركا "لا يريد الفلسطينيون أن تكون أي دولة فلسطينية حديثة الإنشاء دولة إسلامية. ومع ذلك، يجب الاعتراف بحماس كحزب سياسي ضمن حدود الدستور الفلسطيني. المصالحة مع حماس أمر لا بد منه، ويجب دمج حماس في منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يمكن عزل صوتها".
وعن قطاع غزة، أضاف بحبح "يرى الفلسطينيون أن محاولات حكومة محمود عباس عزل غزة من خلال حجب الرواتب عن موظفي الخدمة المدنية الفلسطينيين وقطع الكهرباء عن قطاع غزة جريمة. سكان غزة فلسطينيون مثل أي فلسطيني (أجدادي من جانب والدتي ينحدرون من غزة). لا ينبغي لأحد أن يطبق عقابا جماعيا عليهم".

ولبحبح وجهة نظر حول حتمية المفاوضات لحل الصراع العربي الإسرائيلي، عبّر عنها عدة مرات خلال السنوات الماضية. وفي حوار مع مركز ويلسون البحثي أجراه في فبراير/شباط 2021 بشأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة والمستقبلية، قال بحبح في ذلك الوقت "فيما يتعلق بشكل أي مفاوضات مستقبلية، أعتقد أنها يجب أن تكون أكثر تفاعلية".
وأضاف "أنت لا تضع السياسات من خلال قراءة الخطب. أنت تضع السياسات من خلال الجلوس معا، وتحديد مخاوف بعضكما بعضا فيما يتعلق بالقضايا التي يتفاوضون بشأنها. وينبغي أن يكون الطرفان واضحيْن بشأن ما يأمل كل جانب في تحقيقه بسبب تلك المفاوضات. كلما كانت المفاوضات وجها لوجه، زادت فعاليتها".
قناة خلفية غير سرية
وسط تشكيك الكثيرين في واشنطن من إمكانية توصل حركة حماس وإسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار بينهما بعد انهيار الاتفاق السابق على يد إسرائيل ومعاودتها العدوان، أطلقت حركة حماس المحتجز الأميركي الإسرائيلي الوحيد الباقي لديها بسبب دور لعبه بشارة بحبح.
وقال بحبح للقناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي إن المتحدث باسم حركة حماس السيد غازي حمد، المقيم بالعاصمة القطرية، اتصل به مباشرة عن طريق شخصية تعرفه يقال إنها سهى عرفات أرملة الزعيم الراحل ياسر عرفات، وطلب منه فتح قناة جديدة مع مسؤولين أميركيين، ونقل رسالة إلى المبعوث الخاص لإدارة ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مفادها أن حركة حماس مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف دائم لإطلاق النار. وكبادرة لإظهار حسن النية قبل وصول الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط في أولى رحلاته الخارجية، أفرجت حماس عن عيدان ألكسندر.
واعتقد كثيرون أن خطوة حركة حماس ستؤدي إلى انفراجة خاصة مع احتفاء الرئيس ترامب بإطلاق آخر محتجز أميركي. وبعد أن نقل بحبح رسالة حماس إلى ويتكوف، كرر بحبح أنه لا يمكن أن يكون هناك ما يضمن أن يضغط الرئيس من أجل إنهاء الحرب بالكامل، لكن إطلاق سراح عيدان ألكسندر، آخر مواطن أميركي محتجز رهينةً، من شأنه أن يبني الثقة، وربما يؤدي إلى تجديد دخول شحنات المساعدات.

وتم إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي قبل وصول ترامب للشرق الأوسط، ولم تعرف إسرائيل بالمفاوضات الثنائية إلا من خلال وكالات الاستخبارات الخاصة بها، مما أثار استياء رسميا في تل أبيب.
وفي الوقت الذي أعلن فيه ترامب رغبته في إنهاء الحرب في قطاع غزة، فرضت إسرائيل رؤيتها على صانعي القرار الأميركي، مما دفع عددا من المحللين للتشكيك في استمرار الدور البارز لبحبح في التوصل لاتفاق أوسع. ونسق بحبح جهوده مع ستيف ويتكوف، الذي قدم مؤخرا اقتراحا جديدا لكل من إسرائيل وحركة حماس يمكن أن يكون بمثابة الأساس لجعل كلا الجانبين يوافق على وقف إطلاق نار آخر.
وهكذا وجد بحبح نفسه في قلب الجهود الأميركية والإقليمية والدولية لإنهاء العدوان على قطاع غزة، رغم عدم وجود أي صفة رسمية له حتى الآن.
المصدر : الجزيرة
0 تعليق