عاجل

"يا غايب".. فضل شاكر يروي طفولة قاسية شكلت مصيره المعقد - الكويت الاخباري

0 تعليق ارسل طباعة

مادة درامية مثيرة للجدل، هكذا يمكن وصف رحلة النجم اللبناني فضل شاكر من بريق عالم الفن إلى الاعتزال ثم العودة للغناء مرة أخرى، وهو ما جعل أخباره مادة ثرية للعرض الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، فنحن لسنا معتادين على مشاهدة فنان يتحول من آسر للقلوب والأذان إلى رجل تطارده العدالة.

تلك الرحلة هي ما حاول مسلسل "يا غايب" استعراضها عبر مزيج من التوثيق الواقعي والدراما وكثير من صدق الإحساس الذي اشتهر به فضل.

عودة جريئة

بشجاعة وصخب، عاد الفنان فضل شاكر إلى الشاشة بشخصه، عبر المسلسل الوثائقي "يا غايب" المتاح عبر منصة شاهد، ليسرد على الجمهور حكايته، لا باعتباره الفنان المشهور الذي طالما انتظر الجمهور أغنياته، وإنما الإنسان العادي الذي لوعته الحياة وأذاقته حلاوتها، لكنها أيضا أوقعته بفخ اختبارات لم يحسن الاختيار فيها.

ينتمي العمل إلى فئة الـ "دوكيودراما" ويسير في خطين دراميين، الأول وثائقي يظهر به فضل ليقص حكايته كما عاشها ويراها، إضافة إلى ظهور أفراد من عائلته وأصدقائه وجهات القضاء والمحامين الذي يعقبون على قصته بآرائهم الخاصة/المتخصصة.

إعلان

أما الثاني فهو خط فني عن صحفية، ستيفاني عطالله تحاول عمل تقرير عن فضل وفي سبيل ذلك تنبش ماضيه وتحاور عائلته، بل وتسعى للوصول إليه هو نفسه لمزيد من المصداقية في ظل محاولتها عدم إطلاق أي أحكام مسبقة قدر الإمكان، مما أتاح للجمهور فهما أعمق لتفاصيل حياة نجمهم المفضل ومشاهدته عن قرب كإنسان وأب وليس فقط كفنان.

لعبة الموت والحياة

يبدأ العمل بشرارة الحب التي انطلقت على أسطح المخيم بين فضل خلال المراهقة مع زوجته الحالية نادية، وكيف كافحا معا وأصرا على الزواج رغم صغر سنهما، لكن بالعودة إلى طفولته تبدو الأمور أكثر تعقيدا وحساسية.

نشأ فضل في أسرة فقيرة بين أب محب للفن والغناء وأم مكلومة تشكو من ضيق الرزق وشظف العيش، ورغم تعلقه الشديد بأبيه، تقرر الأم اختياره دون بقية إخوته لإلحاقه بدار أيتام لتخفيف الحمل عن الأسرة.

هذه المأساة تركت في قلب فضل جرحا غائرا وثقبا هائلا بحجم الخذلان، فضلا عن أنها تجبره على اختبار أشياء لم يكن ليختبرها أبدا لو عاش في كنف عائلته.

ورغم ادعائه الغفران والتسامح، لكن من خلال حواراته داخل المسلسل وإعرابه المستمر عن شعوره الدائم بالوحدة، وأن ما من رفيق أو قريب له بالحياة، نتأكد كيف تجرع اليتم صغيرا رغم وجود والديه على قيد الحياة، والأهم كيف أثر ذلك على اختياراته وطريقته باتخاذ القرارات المصيرية وحده دون الرجوع لأحد.

يظل فضل في دار الأيتام حتى وفاة والده، قبل أن يعود إلى أسرته وتخيره والدته بين العمل بأي حرفة يدوية أو الرجوع إلى الدار فيختار العمل، وفعلا يتنقل بين كثير من الأشغال إلى أن يكتشف أحد معارفه حلاوة صوته فينصحه بالاتجاه للغناء وهنا تتغير حياته بالتدريج.

إعلان

من الملهاة إلى المأساة

ورغم الصعوبات التي يلقاها بأول الطريق وبعض مشكلات التعاقد والشروط الجزائية التي تمنعه من الغناء فترة، لكنه يعرف كيف يتغلب عليها لتزدهر أموره فنيا وماديا، ما يظهر في حفلاته الفنية المكتظة عن آخرها بجمهور يهتف باسمه بحماس ومحبة.

ولأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، يتبدد كل شيء إثر بعض الأحداث السياسية والتصريحات غير الموفقة من فضل على الملأ، ثم رغبته في اعتزال الفن.

وهو ما يقوده بعد فترة إلى السقوط في درب الجماعات الدينية المتشددة وتحديدا الداعية اللبناني أحمد الأسير ومن ثم يصبح مطاردا من العدالة ومطالبا بأحكام قضائية غيابية، أبرزها الحكم الغيابي بالسجن 15 عاما في قضية "أحداث عبرا" مما دفعه إلى الاختباء في مخيم عين الحلوة حتى يومنا هذا.

حين تتقاطع الإنسانية مع الدين والسياسة

يمكن اعتبار العمل بمثابة تأمل في الدور الذي تلعبه الوسائط الفنية في رسم صور الشخصيات العامة وتشكيل وعي الجمهور، وكيف يمكن للمعلومات المنقوصة أن تتسبب بإقصاء أبطالها. حيث يضع الوثائقي فضل شاكر في منطقة محايدة تعيد طرح الماضي مع تخفيف حدة المواقف والقرارات ومحاولات حثيثة لاستعطاف قلوب الجمهور.

أما على المستوى الفني، يحسب للعمل ابتعاده عن التوثيق الجاف من خلال مزج التمثيل الواقعي بخط درامي متخيل تمثل في شخصية الصحفية، مما أضفى على العمل بعض الإثارة والحيوية.

لكن، كان بالإمكان تعميق هذا الجانب عبر تقديم تساؤلات أكثر نقدية بدلا من الاكتفاء بمحاولات البطلة المستميتة الوصول إلى البطل دون أن تحمل موقفا فكريا ناقدا لما تكشفه، مما قلل من عمقها كركيزة درامية موازية.

إعلان

أتاح الجمع بين السرد الوثائقي والمشاهد التمثيلية  للمشاهد فهم أعمق لتفاصيل حياة فضل شاكر، مع إتاحة مساحة للأهل والأصدقاء للتعبير عن جوانب مختلفة من شخصيته، مما أضفى مصداقية وثراء على العمل.

وقد نجح الإخراج في المزج بانسيابية وتوازن الجانب الواقعي في الجزء الفني المعتمد على "الفلاش باك"، كذلك أحسن توظيف الإضاءة والديكور للتعبير عن المتغيرات الجارية سواء على المكان نفسه أو الأشخاص وصراعاتهم الداخلية.

وقدم غالبية الممثلين أدوارهم جيدا، خاصة الطفل ريان حمو الذي لعب دور فضل صغيرا ونجح في تجسيد مشاعره بين مرارة الانكسار والوحدة، والممثل عزام الشبعان في المراهقة الذي اتسم أداؤه بالحيوية.

بينما حاول الممثل عماد عزمي تقديم الصراعات الداخلية المريرة التي اعترت فضل خلال شبابه وأوج تألقه، ولكن جانبه الصواب بضع مرات وجاء الأداء سطحيا، كذلك عاب العمل الإطالة والتكرار في بعض المشاهد مما أصاب الجمهور بالملل في بعض الحلقات.

غير أن أهم الأدوات الفنية في العمل كانت الموسيقى التصويرية التي لعبت دورا محوريا في المسلسل كإحدى مفردات السرد، بداية من عناوين الحلقات التي اقتبست من أسماء أغنيات فضل شاكر مثل "يا غايب" و"ضحكت الدنيا".

ومرورا بالأغنيات ذاتها التي استخدمت مقاطع منها ضمن الأحداث بتوزيعاتها الأصلية القديمة للعب على وتر الذكريات من جهة ومن جهة أخرى الإقرار بحالة البطل باعتبارها صدى لحاله وأفكاره حينذاك.

ثم تقديمها بتوزيعات جديدة للكشف عن المشاعر الداخلية الجديدة للبطل من إحساس بالندم والاشتياق لعالم الفن وقبول الجمهور، وهو ما خلق حالة من التوازن وعزز الحالة الشعورية للمتفرج.

 

"يا غايب" عمل وثائقي-درامي لبناني من تسع حلقات، يأتي كتركيبة فنية تجمع بين التوثيق والدراما، حيث يروي الفنان اللبناني فضل شاكر قصته بنفسه للمرة الأولى.

إعلان

ورغم محاولات العمل نزع القداسة عن بطله، يقع "يا غايب" أحيانا في فخ التبرير الشعوري، لكنه يظل تجربة فنية وإنسانية مثيرة للتفكير عن هشاشة النجم، ومآلات الشهرة.

العمل إخراج فاطمة راتشا شحادة، وتأليف نور المجبر، وبطولة فضل شاكر، ستيفاني عطالله، عماد عزمي، طلال الجردي، سميرة الأسير، وعزام الشبعان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق