الكويت الاخباري

نفقة زهيدة.. ووجع ثقيل ! - الكويت الاخباري

في ردهات محاكم الأحوال الشخصية لا تُسمع فقط أصوات القضاة والمرافعات، بل هناك وجعٌ مكتوم تنقله عيون الأمهات السعوديات اللواتي لا يطلبن أكثر من حقٍ يضمن لأطفالهن العيش بكرامة... إنها ليست قضية مال بقدر ما هي قضية كرامة، ومسؤولية تنتظر أن تُفعّل.

تشير تقارير وزارة العدل السعودية لعام 2023 إلى تسجيل أكثر من 30,000 قضية نفقة، أغلبها تقدّمت بها نساء يطالبن بحقوق أساسية لأطفالهن بعد الطلاق أو الهجر، وبالرغم من ارتفاع هذه الأعداد كل عام، تكشف المعاينة الواقعية أن أحكام النفقة في كثير من الحالات تتراوح بين 250- 3500 ريال للطفل (حتى لو كان الأب من أصاحب الملايين)! الأغلب اليوم هو مبلغ 500 ريال يصرف شهرياً للطفل الواحد، بالرغم من ارتفاع تكاليف الحياة الأساسية من حوالينا.

في إحدى القضايا، حُكم لأم بأربعة أطفال بمبلغ 800 ريال فقط شهرياً؛ أي ما يعادل 200 ريال لكل طفل قاصر (وهنا الطفل سادتي إلى سن الثامنة عشرة) في حين أن الأب يتقاضى راتباً حكومياً يفوق 10,000 ريال. وفي أخرى، رُفض طلب زيادة النفقة رغم وجود تقارير طبية ومدرسية تثبت الحاجة الماسة للزيادة... كأن يكون الطفل مصاباً بتوحد أو مرض مزمن يزيد من ألم المعاناة...

النفقة للأسف ما زالت مقدرة براتب الأب وليست بتقدير على كل ما يملك من ثروة...

تعتقد كثير من النساء أن الحكم هو نهاية الطريق، لكن الواقع أن المعاناة تبدأ بعده، حيث يتفنّن بعض الأزواج في التهرب والمماطلة وأحياناً الذل انتقاماً من الأم التي قررت المغادرة في يوم من الأيام... وأنا لا أعرف أماً غادرت بأطفالها للمجهول إلا لأسباب قاهرة تكسر الروح، لتتردد بعدها على المحكمة، تتابع في «ناجز»، ترفع شكاوى جديدة، وتنتظر شهوراً لتحصيل مبلغ لا يكفي لشراء مستلزمات شهر واحد من السنة!!

رغم أن نظام الأحوال الشخصية في المملكة نصّ على مراعاة دخل المعيل وعدد المستحقين عند تقدير النفقة، إلا أن غياب آلية موحّدة لتقدير الحد الأدنى المقبول للنفقة يجعل الأحكام تخضع لاجتهادات شخصية تختلف من دائرة لأخرى، وتُغفل أحياناً واقع الأسعار وظروف الأطفال والتغيرات التي حصلت بالبلاد من غلاء في الإيجارات والأكل وقيمة مضافة.

وبالرغم من كل ما قيل لا يمكن إنكار الجهود التي بذلتها الدولة لحماية المرأة والطفل، ومن أبرزها:

• إنشاء صندوق النفقة: وهو خطوة إيجابية لتوفير دعم فوري، لكنه لا يُفعّل دائماً تلقائياً.

• إيقاف الخدمات عن المماطلين، والذي رغم فعاليته، يُنفّذ ببطء في بعض الحالات.

• الخدمات الإلكترونية عبر «ناجز»: التي سهّلت الإجراءات، ولكنها لم تعالج أصل الإشكالية: تقدير النفقة بما يتناسب مع الواقع المعيشي الحقيقي اليوم.

ففي كل مرة تدخل امرأة قاعة المحكمة لتطالب بالنفقة، فهي لا تدافع فقط عن حقها، بل عن حاضرها ومستقبل أبنائها وكرامتها لجيل قادم.. ولكنها كثيراً ما تجد نفسها في مواجهة مع مجتمع يُحمّلها ذنب الفشل والمطالبة بحق شرعي، وكأنها تُبالغ أو تساوم أو حتى تسعى وراء المال طمعاً بجيب الزوج.

النفقة ليست مِنّة من الزوج، بل هي واجب شرعي والتزام قانوني وحق لكل مواطنة.. والطفل الذي يُحرم من طعامه وتعليمه ودوائه لا يتعلّم سوى معنى الغياب، ويكبر على حساب التوازن النفسي والاجتماعي.

نحن اليوم نحتاج إلى مراجعة جادة لآليات تقدير النفقة وتنفيذها، لأن العدالة لا تعني فقط صدور الحكم، بل تعني أن يصل الحق إلى أصحابه بكرامة تليق بالوطن.. دون دموع ولا استجداء.. وكسر عظم.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :