كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي بصورة مكثفة، وتتصاعد المجازر وعمليات القتل في جميع أنحاء قطاع غزة، بينما يتواصل الجوع في كافة المناطق، في حين تتوسع العمليات البرية، لاسيما في رفح وشرق مدينة غزة، وشمال القطاع.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من قلب العدوان والمأساة، منها مشهد يرصد مخاطر العودة إلى المنازل التي اضطر ملاكها لإخلائها، ومشهد آخر تحت عنوان: "ترقب القصف القادم"، ومشهد ثالث يرصد النقص الحاد في الأدوية والعقاقير الطبية في قطاع غزة.
التسلل للمنزل
لم يعد الوصول إلى الكثير من المنازل أمراً هيناً في ظل الحرب الإسرائيلية المُستعرة على قطاع غزة، وتحويل الكثير من الأحياء والبلدات في غزة إلى مناطق عازلة "حمراء"، واحتلال أخرى، وفرض سيطرة على مناطق واسعة بوساطة المُسيّرات.
لكن حاجة المواطنين للأغطية والملابس، وحاجيات أخرى، دفعت الكثيرين لمحاولة الوصول إلى منازلهم، من أجل جلب بعض احتياجاتهم، رغم أن الأمر ينطوي على خطورة كبيرة.
ويومياً تستقبل مستشفيات قطاع غزة، خاصة محافظة خان يونس، شهداء وجرحى من المدنيين العُزل، ليس لذنب اقترفوه، سوى أنهم حاولوا الوصول إلى منازلهم لجلب احتياجات لعائلاتهم، لإعانتهم في رحلة النزوح المُستمرة.
وحوّل الاحتلال مناطق جنوب محافظة خان يونس، خاصة "قيزان النجار، وقيزان رشوان، والمنارة، والسلام"، إلى مناطق عازلة، بعد احتلال مدينة رفح التي تقع على حافتها، إذ يُسيّر الاحتلال عشرات الطائرات المُسيرة فوق هذه المناطق، التي تستهدف المنازل والمارة بالرصاص والقنابل والصواريخ، ويطبق عليها بشكل كامل.
وقال المواطن عبد الله الشاعر، إن العشرات من سكان جنوب خان يونس استشهدوا وأصيبوا خلال الأسابيع الماضية، العديد منهم بنيران المُسيّرات، لأنهم فقط حاولوا العودة إلى منازلهم.
وأشار الشاعر إلى أن المواطنين أُجبروا على الخروج من بيوتهم في وقت قصير، ولم يستطيعوا أخذ معظم احتياجاتهم معهم، وحين نزحوا اكتشفوا أنهم بحاجة للكثير من الأشياء، ما دفعهم للمغامرة، ومحاولة الوصول إلى المنازل لجلب بعض الاحتياجات.
ولفت إلى أنه لم يكن يتوقع في يوم أن تصبح محاولة الشخص الوصول إلى منزله جريمة، قد تكلفه حياته، وهذا قمة الظلم والتجبر من قبل الاحتلال، الذي حوّل حياة المواطنين في غزة إلى جحيم حقيقي.
وإضافة إلى المواطنين، يغامر مزارعون بحياتهم، من أجل الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم في مناطق جنوب محافظة خان يونس، وهي آخر سلال الخضار المتوفرة في قطاع غزة، والتي أجبر الاحتلال المزارعين على إخلائها قسراً.
ويتسلل المزارعون إلى أراضيهم بهدف جني بعض المحصول الناضج، ليتمكنوا من إطعام أسرهم الجائعة، وبيع جزء منه في الأسواق، لكنهم يواجهون الموت كل يوم، إذ شهدت الفترة الماضية استشهاد وإصابة عشرات المزارعين.
وإضافة إلى الجثامين التي تصل إلى المستشفيات، هناك عدد كبير من جثامين الضحايا ما زالت عالقة في المناطق التي حوّلها الاحتلال إلى عازلة، ولا يستطيع أحد الوصول إليها لانتشالها.
ترقب القصف القادم!
باتت حياة النازحين في مخيمات غرب خان يونس، مجرد فاصل بين غارتين إسرائيليتين، لا يُعرف هدف ووجهة الغارة الثانية، وأي من الخيام ستستهدف، وكم من مدني بريء سيقضي خلالها.
هكذا يقضى النازحون في قطاع غزة عامة، وجنوبه ووسطه على وجه الخصوص وقتهم، إذ يعيشون حالة من القلق والترقب باستمرار، مع استمرار تحليق الطائرات المُسيّرة المُحمّلة بالصواريخ والقنابل فوق رؤوسهم على مدار اليوم، وتشكيلها تهديداً على حياتهم.
فقد بات النازحون يتوقعون حدوث القصف في أي لحظة، ولا تفاجئهم أصوات الانفجارات، ولا مشاهد الأشلاء، التي باتت جزءاً من روتين حياتهم اليومي.
وقال المواطن عبد الله صيام، الذي يقطن في مواصي خان يونس، إن ما قبل التهدئة كان السؤال الدائم، هل ستتعرض المنطقة التي نعيش فيها لغارة؟، لكن منذ تجدد العدوان قبل نحو 45 يوماً، بات السؤال مختلفاً، بحيث يتساءل النازحون فيما بينهم متى سيحدث القصف القادم، وأي من الخيام سيستهدف؟، لأن القصف بات روتيناً يتكرر في كل مخيم بشكل شبه يومي.
وأكد أن هذا الوضع خلق حالة نفسية سيئة لدى الجميع، وأدى إلى عيش النازحين في حالة خوف وقلق دائمين، وبات الغزيون يشعرون بأن الساعات التي يعيشونها قد تكون آخر وقت لهم في الدنيا، خاصة أن القصف لا يستند إلى معايير معينة، ويستهدف خياماً مليئة بالنساء والأطفال.
بينما قال المواطن محمود شلوف، إن الاحتلال حوّل حياة الغزيين إلى بؤس وجحيم، وبات الجميع ينتابهم شعور بأنهم ربما يكونون الهدف القادم للغارات، وهذا أدى إلى غياب الأمان، وشعور المواطنين بخوف دائم.
وبيّن شلوف أنه أسوأ شيء حين يتم قصف الخيام بصواريخ حارقة، أو طائرات مُسيّرة انتحارية، التي عادة ما ينجم عنها حدوث حرائق كبيرة، وحرق وتفحم الجثامين، وهذا يؤدي إلى حدوث صدمات وآثار نفسية كارثية على سكان الخيام، خاصة الأطفال، الذين نجوا من القصف، وشاهدوا ويلاته، وهذا أمر حتماً سيكون له تداعيات سيئة عليهم في المُستقبل.
نقص شديد في الأدوية
تفاقمت الأزمات الصحية في قطاع غزة على نحو كبير، مع استمرار الحصار الشامل المفروض على القطاع، ونفاد الأدوية والمُستهلكات الطبية من المخازن.
ووفق وزارة الصحة في غزة، فقد دخلت الأزمة الصحية في القطاع منعطفاً خطيراً، وباتت المستشفيات والمراكز الصحية بلا دواء، بينما تعاني الصيدليات الخاصة من شح شديد في غالبية أصناف الأدوية.
من جهته، أكد مدير مستشفى الكويت التخصصي الميداني في رفح جنوب قطاع غزة، صهيب الهمص، أن نحو 60 ألف طفل في القطاع يعانون من أعراض سوء تغذية، وقال: "نتوقع إعلان انهيار المنظومة الطبية بشكل كامل قريباً في القطاع"، في وقت أصبحت فيه 95% من الأدوية غير متوفرة في قطاع غزة.
وأوضح الهمص، أن القدرة على الاستمرار في تقديم الخدمات العلاجية أصبحت على المحك، لافتاً إلى أن مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية المتوفر حالياً لا يكفي لأكثر من أسبوع واحد فقط، وأنه سيكون مضطراً للإعلان عن توقف عدد كبير من خدمات المستشفى خلال أسبوع.
وأفاد الهمص بأن القطاع يعاني من نقص حاد في أكثر من 75% من الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة، مشيراً إلى عدم توفر قطع غيار للأجهزة الطبية في مستشفيات القطاع.
وحذر من توقف إجراء العمليات الجراحية خلال أسبوع، في ظل تزايد أعداد الأطفال الذين يصلون إلى المستشفى وهم يعانون من حالات سوء تغذية وأمراض جلدية.
بدوره، قال مدير المستشفيات الميدانية في غزة مروان الهمص، إن "الجرحى يموتون بين أيدينا بسبب النقص الشديد في الإمكانات والأدوية، وعلى العالم التدخل لإيقاف المجازر التي تُنفذ وسط منظومة طبية منهارة، والأولوية الآن لإدخال الطعام والمستلزمات الطبية والوقود، من أجل ضمان استمرار تقديم الخدمات الطبية".
وأوضح أن أزمة نقص الأدوية تُعيق عمل الطواقم الطبية لإتمام التدخلات الطارئة للجرحى، ومئات المرضى والجرحى لا تتوفر لهم أدوية، وتزداد معاناتهم مع إغلاق المعابر.
وأكدت وزارة الصحة أن "مرضى السرطان والفشل الكلوي والقلب الأكثر تأثراً بنقص الأدوية والمهام الطبية. وإلى جانب ذلك، فإن هناك عجزاً كبيراً جداً في الدم، مناشدة السكان عدة مرات التبرع بالدم في محاولة لإنقاذ حياة الجرحى.
أخبار متعلقة :