سياسة الدولة وعلاقاتها مع الدول الأخرى ليست بالأمر الهيّن والبسيط، فبعض الدول تربطها علاقات فاترة جداً ببعض الدول الأخرى، تكاد لا تتجاوز عضويتهما المشتركة ببعض المنظمات الدولية وتبادل السفراء، أما العلاقات القوية التي تربط الدول بعضها ببعض فعادة ما تعتمد على الشراكات الاقتصادية أو التعليمية أو العلاقات العسكرية وغيرها مما يصب في مصلحة البلدين، وغالباً ما تهتم الدول بمكانتها وسمعتها الدولية، فالدول ذات الثقل السياسي والاقتصادي لا تحبذ تكوين علاقة مع دول يغلب على نظام الحكم فيها العدائية والتهور السياسي.
تميل بعض النظم السياسية في بعض الدول للانغلاق وتتّسم غالبية علاقاتها مع الدول الأخرى بالفتور، في الوقت الذي تسبّبت فيه علاقة بعض الدول بدول أخرى في انهيارها؛ كالعلاقة التي جمعت بين إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر، غير أن ويلات الحرب المريعة أثّرت على الشعبين الألماني والإيطالي أكثر مما أثّرت على سقوط نظامي الحكم في كلتا الدولتين.
في خضم الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حاليًا نجد الكثير من التناقضات السياسية التي تعم المنطقة مع تصاعد الأحداث، فالصراع في غزة -الناتج عن أحداث السابع من أكتوبر- تسبّب في سقوط نظام بشار الأسد الهش منذ العام 2011، كما تسبّب في انهيار كل من حزب الله وحماس، لكن المؤلم في الأمر أن شعوب سوريا ولبنان والفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية هي من دفعت ثمن هذه الحروب.
يرى البعض أن الصراعات السياسية تستحق أحيانًا المجازفة حتى لو انتهت بالخسارة، غير أن الخسارة ليست في البنى التحتية فحسب، بل في قتل وتشريد أبناء الشعب ناهيك عن نشر الأمراض والأوبئة، فحجم الذخائر الحية التي تم إلقاؤها على قطاع غزة وتسبّبت في تدمير الأراضي الزراعية وتلويث المياه، كانت كافية لنشر أمراض خطيرة، فعلى سبيل المثال استنشاق الهواء الملوث بسبب الحرب الإسرائيلية في غزة أدى لنشر الكثير من الأمراض الصدرية، وهو ما أعلن عنه صراحة أطباء قطاع غزة.
يجب أن يرتكز مفهوم مقاومة الاحتلال على إستراتيجية مهمة وهي تجنّب الإضرار بالشعب، فالقائد التاريخي الليبي عمر المختار كان يقود المقاومة في بلاده ضد الاحتلال الإيطالي، وكان يعلم تمامًا أن الآلة العسكرية الإيطالية تتفوق عما يمتلكه، لكنه رحمه الله كان يتجنّب الحرب مع إيطاليا داخل المدن ويلجأ للمقاومة بعيدًا عنها، وكان لديه إستراتيجية عسكرية في حروب الكر والفر تتلخص في أن المعارك يجب ألا تتسبّب في إبادة جيشه بالكامل، فالمعارك غير المتكافئة قد تتسبب في ضياع جيش التحرير.
لقد تفتت قوى حماس وحزب الله وتدمرت الآلة العسكرية اللبنانية والسورية على حد سواء، ومع ذلك يستمر الحوثيون المنشقون عن الحكومة الشرعية اليمنية في خوض صراعات مع الدول الغربية، مما تسبّب في شن المزيد من الهجمات الغربية -بقيادة الولايات المتحدة- على قطاعات مختلفة في اليمن، واليمن (وقبل انخراطه في أي حرب) دولة محدودة الموارد، وقد لا تتمكن حكومته من الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب والدولة والبنى التحتية، ورغم ذلك يمارس الحوثيون المزيد والمزيد من الاستفزازات والتي لن تنعكس نتائجها إلا على الشعب اليمني نفسه.
إن الصراع مع إسرائيل يعني ضمنًا الصراع مع الولايات المتحدة بسبب دعمها المنقطع النظير لها، والمجازفة في الصراعات العسكرية قد تكون وبالاً وتتسبب في قتل وتشريد الشعوب، فما هي المقدرات الاقتصادية والعسكرية التي يمتلكها الحوثيون لمواجهة الدول العظمى؟! فمقابل كل صاروخ يُطلق على إسرائيل تنطلق عشرات الهجمات القاسية الموجهة لتدمير ما تبقى من البنى التحتية اليمنية، وهو ما ينتج عنه قتل العشرات من أبناء الشعب اليمني كل يوم.
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :