الكويت الاخباري

الخُردة المعدنية: نفاية مهملة أم ثروة اقتصادية مستدامة - الكويت الاخباري

تم النشر في: 

18 أغسطس 2025, 12:06 صباحاً

الخُردة المعدنية تمثل اليوم أحد أبرز المواضيع الجدلية في السياسات الاقتصادية والبيئية العالمية، إذ يُنظر إليها من زاويتين مختلفتين؛ فمن جهة تُعامل على أنها نفايات صناعية يجب التخلص منها أو إخضاعها لقوانين إدارة المخلفات، ومن جهة أخرى تُعد مورداً اقتصادياً استراتيجياً يدخل في الصناعات المعدنية الحديثة ويساهم في دعم الاقتصاد الدائري.

وتشير دراسات دولية، مثل تقارير الوكالة الدولية للطاقة، إلى أن إعادة تدوير المعادن من الخُردة يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بما يصل إلى 60% مقارنة بالإنتاج من المواد الخام المستخرجة من المناجم، كما أن إعادة تدوير الألمنيوم على سبيل المثال تقلل الانبعاثات بنسبة 95% وتوفر كميات ضخمة من الطاقة والموارد الأولية.

كذلك، يوضح تقرير Grand View Research لعام 2023 أن حجم سوق إعادة تدوير المعادن بلغ نحو 850 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يعكس المكانة الاقتصادية المتنامية للخُردة باعتبارها سلعة تجارية عالمية. ويستند الجدل حول توصيف الخُردة إلى التباين بين الرؤية البيئية التي تركز على مخاطرها الصحية والتلوث الناتج عنها، والرؤية الصناعية التي تراها مواد خام ثانوية قادرة على تقليل الاعتماد على التعدين التقليدي وتحفيز الابتكار الصناعي. وفي الممارسات الدولية، نجد أن الاتحاد الأوروبي يصنف الخُردة ضمن الموارد الثانوية ويخضعها لتشريعات الاقتصاد الدائري واللوائح البيئية، بينما في الولايات المتحدة تخضع للرقابة البيئية من وكالة حماية البيئة (EPA) وتُدار في الوقت ذاته كسلعة تجارية ضمن أسواق وبورصات المعادن. أما في اليابان ودول شرق آسيا فتعتبر جزءاً من سلسلة القيمة الصناعية التي تدعم استراتيجيات الاستدامة الوطنية. وانطلاقاً من التجارب الدولية، فإن إدارة الخُردة تتطلب إطاراً تنظيمياً متكاملاً يجمع بين الجهات البيئية لضبط المعايير الصحية، والجهات الصناعية والتجارية لتصنيفها كسلعة اقتصادية، والجهات الجمركية لضمان الرقابة على الاستيراد والتصدير ومنع الممارسات غير المشروعة. وفي الحالة السعودية، ومع ما تطرحه رؤية 2030 من فرص للتحول نحو اقتصاد متنوع ومستدام، فإن من الأنسب تبني نهج يعتبر الخُردة مورداً اقتصادياً منظماً تحت إشراف وزارة الصناعة أو التعدين مع تنسيق مباشر مع وزارة البيئة لضمان الامتثال البيئي، إلى جانب التفكير في إنشاء بورصة وطنية للخُردة والمعادن المعاد تدويرها لتعزيز الشفافية ومنع الاحتكار. إن الخُردة في ضوء هذه المعطيات ليست مجرد نفاية بل ثروة اقتصادية كامنة يمكن أن تسهم في خفض الانبعاثات، توفير الموارد، دعم الاستثمارات الصناعية، وخلق فرص عمل جديدة، شريطة أن تتم إدارتها وفق آليات حوكمة عصرية تستفيد من أفضل الممارسات الدولية.

‎⸻

‎المدير التنفيذي السابق للإدارة العامة للشؤون القانونية بالمركز الوطني لإدارة النفايات
‎والخبير التنظيمي

‎الدكتور خالد بن سعد الحبشان

أخبار متعلقة :