والقدر المتجلي هي رؤية تستند إلى أن الأمريكيين المهاجرين من أصول أوروبية بروستانتية موكلون بمهمة إلهية من المحيط الأطلسي شرقاً إلى المحيط الهادي غرباً، ونتج عن ذلك بطبيعة الحال تهجير قسري للسكان الأصليين، وكانت هذه الرؤية تستند على أهداف سياسية واقتصادية بطبيعة الحال، لكن غُلّفت بإطار ديني يرى تفوق الأمة الأمريكية.
بل إن أصحاب هذه العقيدة يرون أن مشروعهم يحتوي على قيم لا تجعلهم في ميزان المساواة مع الاستعمار الأوروبي التقليدي حينها، رغم توسعهم وتهجيرهم للسكان الأصليين وحتى صفقات شراء الأراضي مثل صفقة لوزيانا. وامتدت هذه الفكرة بتصرف في السردية الأمريكية لتصبح في العقود الماضية تحت عنوان «نشر الديموقراطية».
هذه العقيدة تذكرنا بما ذهب له رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في لقائه قبل أيام، حين أجاب صحفياً بأنه يؤمن بشدة بإسرائيل الكبرى، وهي ما تعني في شكلها المصغر ضم كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان، وفي شكلها الموسع الأرض الموعودة من النيل للفرات.
التقطت التيارات اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل تصريحات نتنياهو لتعبّر عن أفكارها المتطرفة، مثل وزير المال ذي الأصول الأوكرانية بزيايل سموتريتش، عبر دعم مشاريع توسعية مثل خطة E1، التي تقطع الأراضي الفلسطينية وتفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، وهو ما يهدّد عملياً فكرة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
من الصعب الاعتقاد أن تصريح نتنياهو محض صدفة، بل قُصد توقيته بوضوح، لكي يكون أولاً مستفزاً لكل الدول التي اجتمعت في نيويورك واعترفت بدولة فلسطين أو أعلنت نيتها الاعتراف في شهر سبتمبر القادم خلال اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ويأتي التصريح أيضاً لشد عصب الداخل الإسرائيلي الذي تعب من طول الحرب، ومن امتداد فترات طلب قوات الاحتياط للخدمة العسكرية، كما أن سردية إعادة الأسرى والقضاء على حماس يقابلها تشكك كبير داخلياً، وقد عبّر عن ذلك نتنياهو بالقول «استعادة الأسرى أحياء أو أمواتاً»، ليبرر مبكراً للمجتمع الإسرائيلي جلبهم أمواتاً على الأرجح بعد احتلال غزة.
معركة غزة التي بلغت شهرها الـ22 هي الأطول بين قطاع غزة وإسرائيل منذ سيطرة حماس على القطاع، مما يؤكد حاجة نتنياهو لإبقاء نار الحرب مشتعلة، مستغلاً الدعم الأمريكي، رغم كل التحديات الأخرى من مؤتمر نيويورك وصولاً إلى قرارات محكمة العدل الدولية.
تصريحات نتنياهو هي هروب إلى الأمام، ومسعى للاستفادة من المعركة سياسياً، لكنها في نفس الوقت تصريحات خطيرة جداً، ومقلقة جداً، خاصة للعالم العربي، واجترار لأيديولوجيات من قرون خلت سبقت وجود قانون دولي وقرارات أمم متحدة وحدود معترف بها.
إن الوسيلة الوحيدة التي يفهمها نتنياهو وقد تثنيه عن استمرار الأعمال الوحشية هي حشد المزيد من الضغط الأوروبي والأمريكي، مثلما حصل من ألمانيا تجميد جزئي لتصدير السلاح لإسرائيل، أو تصريح رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن بأن نتنياهو أصبح «مشكلة بحد ذاته»، موضحة أنها ستحاول الضغط على تل أبيب بشأن الحرب على قطاع غزة، في ظل رئاسة بلادها الحالية للاتحاد الأوروبي.
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :