كتب محمد الجمل:
ما زال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة متواصلاً بوتيرة متصاعدة، مترافقاً مع تصاعد الهجمات البرية والجوية، وارتكاب المزيد من المجازر، مع زيادة الضغط على النازحين، الذين باتوا يعانون من الجوع، وويلات الانفلات الأمني، وأزمات أخرى.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والمعاناة، منها مشهد يرصد تحوّل مستشفى ناصر إلى هدف لهجمات المنفلتين وقُطّاع الطرق، ومشهد آخر يوثق تصاعد المواجهات المسلحة بين المقاومة وقوات الاحتلال في محافظة خان يونس، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على مخاطر فقد السكريات على أجسام الجائعين.
مستشفى ناصر في دائرة الهجمات
بات مستشفى ناصر أكبر وأهم صرح طبي ما زال يعمل في قطاع غزة، في دائرة الهجمات المتكررة من قبل عصابات مُنظمة، بعضها معروف وأخرى غير معروفة.
ومنذ الخميس الماضي، تعرض المستشفى لعدة هجمات منظمة من قبل لصوص وقُطّاع طرق، أطلقوا خلالها النار بكثافة باتجاه مرافق المستشفى دون سابق إنذار أو حتى مبرر، واقتحموا ساحاته، وأحرقوا ودمروا أقساماً بداخله، كما أحرقوا مركبات كانت متوقفة في ساحاته.
وفي كل مرة، كانت تسفر الهجمات عن شيوع أجواء من الخوف والهلع في صفوف المرضى والجرحى والطواقم الطبية والعاملين في المستشفى، الذين سبق أن حاصرهم الرصاص أكثر من مرة، وأصيب بعضهم بالرصاص، وكاد آخرون يفقدون حياتهم.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان أن المستشفى جرت مهاجمته من قبل جهتين منفصلتين، الأولى يعتقد أن أفراداً ينتمون لعدة عائلات هاجموا المستشفى بعد حدوث اشتباكات بينهم وبين أجهزة أمنية، والمجموعة الأخرى مجهولة هاجمت المستشفى في جنح الظلام، وسط تقديرات بأنهم ربما يكونون ضمن ميليشيات تتبع للاحتلال.
وأشار عاملون في المستشفى إلى أن ما يحدث منذ عدة أيام أمر كارثي، وأنهم باتوا لا يأمنون على حياتهم وهم داخل المستشفى، ففجأة ومن دون مقدمات يتطاير الرصاص من فوقهم، ويقتحم المسلحون مباني المستشفى.
كما امتد الرعب والهلع ليطال مواطنين يقطنون في منازل وخيام قريبة من المستشفى، حيث تسبب إطلاق النار في مقتل وإصابة عدد من النازحين داخل خيامهم.
وذكر مواطنون أن قطاع غزة دخل في مرحلة خطيرة من الانفلات الأمني، وبات الأمن مفقوداً حتى في المستشفيات، وأن البلطجية وقطّاع الطرق يمارسون العربدة في كل مكان، ويهددون بأسلحتهم المنفلتة حياة الآمنين والمرضى.
وكانت الأجهزة الأمنية التابعة لحركة "حماس" في قطاع غزة أعلنت عن تحييد أحد مهاجمي مجمع ناصر الطبي، واعتقال اثنين آخرين، دون الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.
خان يونس تشهد أعنف مواجهات
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً كبيراً في الاشتباكات والمواجهات المسلحة في قطاع غزة عامة، ومحافظة خان يونس على وجه التحديد، وباتت أصوات الاشتباكات وما يتخللها من انفجارات تُسمع على مدار الساعة، بينما لا يمر يوم دون مشاهدة طائرات إجلاء إسرائيلية تهبط في أكثر من موقع بمحافظة خان يونس، لنقل جرحى وقتلى من جنود الاحتلال.
كما شهدت الأيام الماضية نشر أكثر من مقطع فيديو من قبل فصائل المقاومة، غالبيتها من محافظة خان يونس، تُظهر مهاجمة آليات إسرائيلية، واستهداف تجمعات للجنود، وعمليات قنص، ومن أبرزها المقطع الشهير الذي شوهد خلاله مقاوم يضع عبوة ناسفة داخل قمرة قيادة لناقلة جند إسرائيلية، وقد أسفر الحادث في حينه عن مقتل 7 جنود.
وقال المواطن إبراهيم جمعة، وهو نازح من مدينة رفح، ويعيش في خيمة في الجزء الغربي من شارع 5 بمحافظة خان يونس، إنه ومنذ نهاية الأسبوع الماضي باتت المواجهات في منطقة السطر الغربي وبلدات شرق وجنوب خان يونس لا تتوقف، بل تشهد تصاعداً كبيراً.
وبيّن أن القصف المدفعي والجوي العنيف، وما يتخلله من إطلاق مُكثف لقنابل الدخان عادة ما يكون إشارة لوقوع قوات الاحتلال في كمين للمقاومة، وبعدها يتضح الأمر من خلال ما يتم نشره من أخبار عبر وسائل إعلام إسرائيلية.
وأعرب جمعة عن اعتقاده بأن ما يحدث في خان يونس وغيرها من المناطق في حال استمر، سيُجبر الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة آجلاً أم عاجلاً، فلا يمكن لأي جيش في العالم أن يحتمل حرب استنزاف طويلة ومرهقة، مُعرباً عن أمله بأن يكون ذلك مقدمة لهدنة جديدة.
ووفق محللين ومراقبين، فإن خان يونس لها خصوصية كبيرة، من حيث جغرافيتها، وطبيعة المقاومين فيها، كما أن ترك خان يونس لمدة عام كامل دون تنفيذ عمليات برية، يبدو أنه أسهم في ترميم قدرات المقاومة، ومكنها من الاستعداد جيداً للمعركة الحالية، وقد رجّح بعض المحللين أن المقاومين باتوا يستخدمون ذخائر إسرائيلية غير منفجرة، أسقطتها الطائرات وأطلقتها الدبابات، بحيث يعيدون استخدامها ضد الاحتلال، وهذا يساهم في استمرار وجود أسلحة وذخائر لدى المقاومين، رغم مرور نحو 21 شهراً على العدوان.
وخلّفت المواجهات المسلحة المستمرة، والخسائر اليومية لجيش الاحتلال موجة انتقادات عارمة داخل إسرائيل، إذ تعالت الأصوات بضرورة وقف الحرب على غزة، وسحب الجيش من القطاع، حيث يتعرض الجنود هناك للقتل اليومي، وفق ما أكده الكثير من الكُتاب والمحللين الإسرائيليين، وكذلك أقطاب المعارضة.
فقدان السكريات
إلى جانب فقد الفواكه والخضراوات، بات تناول السكريات بجميع أنواعها، غير ممكن في قطاع غزة، نظراً لاختفاء السكر من قطاع غزة، وارتفاع أسعار ما بقي متوفراً منه بشكل كبير، حيث وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من السكر إلى 300 شيكل.
ويعاني المواطنون جراء اختفاء السكر من وجباتهم اليومية، حيث أكد غالبية من قابلتهم "الأيام"، أنهم لا يتناولون السكر ومشتقاته أو أي أطعمة حُلوة المذاق مطلقاً، وهذا أدى إلى تراجع في صحتهم وحيويتهم، كما تسبب بشعورهم بالإرهاق والتعب، عدا الفقد السريع في أوزانهم.
وقال المواطن أحمد أبو طه، إنه لم يتناول السكر منذ أكثر من شهرين، وأن أبناءه يلحون عليه في طلب أي طعام أو شراب يحوي السكر.
وأكد أنه بات يشتهي شرب كوب شاي مع السكر، أو تناول قطعة حلوى، فحتى الحلاوة الطحينية، والمربى، وهي أطعمة تحتوي على السكر لم تعد موجودة في الأسواق.
ولفت إلى أن الحصار والمجاعة الحالية تسببا بحرمانهم من كل شيء، وباتت أصناف الأطعمة المتوفرة شحيحة جداً، والكثير منها مفقود، وبعض الأنواع المتوفرة أصبحت حكراً على الأثرياء فقط.
ونوّه إلى أن ثمن الكيلوغرام الواحد من حلوى النمورة وصل إلى 240 شيكلاً، بعد أن كان في السابق يباع مقابل 10 شواكل فقط، موضحاً أنه من المحزن أن يصبح السكر الذي كان ثمن الكيلوغرام منه 3 شواكل، ويوزع مجاناً في معظم السلال الغذائية التي تأتي كمساعدات، حلماً يتمناه المواطنون في قطاع غزة.
ووفق أطباء ومختصين فإن السكريات تعتبر بمثابة الوقود للجسم، وهي التي تمده بالطاقة والحيوية، وعدم تناول السكر يؤثر على الجسم بشكل عام، ويتسبب بمجموعة واسعة من الأعراض والمشاكل الصحية والنفسية، منها الاكتئاب، وانعدام الرغبة في القيام بأي شيء، مع حدوث تغيرات في أنماط النوم، وصعوبة التركيز والنسيان، والتهيج والقلق المستمر، والرغبة الشديدة في تناول الأطعمة الحلوة أو عالية السعرات الحرارية، والإرهاق الشديد، والصداع، والصداع النصفي، والغثيان، وآلام العضلات، وأحياناً تقلصات المعدة.
أخبار متعلقة :