لبنان دخل على خط الأزمة، عبر قرار حزب الله المتفرد لبنانياً في قرار الحرب والسلم، بالمشاركة في ما سمي وحدة الساحات، والمشاركة قوبلت برد فعل عنيف من إسرائيل بشكل غيَّر كثيراً من قواعد الاشتباك المعروفة منذ عقدين، وأدى لتصفية العديد من القيادات السياسية والعسكرية للحزب، بالإضافة لتدمير الكثير من المقدرات العسكرية لحزب الله، وامتد ذلك لتدمير العديد من منازل اللبنانيين في جنوب لبنان ومناطق أخرى في البقاع والضاحية الجنوبية.
ولذا استبشر اللبنانيون خيراً باتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم برعاية أمريكية، وأشرف عليه المبعوث الأمريكي السابق إلى لبنان أموس هوكشتاين، وشمل 11 نقطة تهدف بشكل رئيسي لإيقاف الأعمال العسكرية بين الطرفين، واستلام الجيش مناطق جنوب نهر الليطاني على بعد 30 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل، والأبرز تطبيق القرار الأممي 1701 الذي لم يرَ النور منذ أن أُقر في أغسطس من العام 2006.
ومع بداية العام الجاري زادت البشائر الإيجابية من لبنان نحو الانطلاق إلى مرحلة الدولة، والحد من المحاصصة الطائفية وما يتبعها من ممارسات تهشم فرص لبنان ليكون في المكانة التي يستحقها، حيث أُعلن الرئيس جوزيف عون رئيساً للجمهورية في التاسع من يناير، ثم تبع ذلك اختيار نواف سلام رئيساً للحكومة.
لكن بقي سلاح الحزب معضلة، من ناحية أن الحزب ما زال يسكن في ذهنية ما قبل 7 أكتوبر 2023 وما لحقها من هجمات على غزة واليمن، وصولاً إلى حرب الإثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران، وهي سردية المقاومة بمعنى أن بقاء السلاح هو الحامي للحزب والبيئة الشعبية، في تضاد مع سردية دولة للبنانيين وجيش يحمي لبنان.
بقاء السلاح مثَّل هدية بطبيعة الحال لنتنياهو، على مستوى بقاء الجيش في التلال الخمس جنوب لبنان، وعدم الامتثال لبند الانسحاب خلال ستين يوماً من الأراضي اللبنانية كما نص اتفاق وقف إطلاق النار، ومثَّل كذلك ذريعة لإسرائيل لقصف لبنان بين الحين والآخر بذريعة ضرب سلاح الحزب.
وفي وسط هذه المراوحة ودعوات الحوار لحل موضوع السلاح، والضغط الدولي المستمر من قبل المبعوثين لحثهم على تسريع حصر السلاح بيد الدولة، أتى موقف تقدمي من زعيم الحزب التقدمي، معلناً في مؤتمر صحفي قبل أيام تسليمه أسلحة كانت بحوزة الحزب إلى إمرة الدولة، مما مثَّل ضغطاً سياسياً على كافة الأطراف اللبنانية وغير اللبنانية المسلحة لسلك نهج المختارة «مقر وليد بيك جنبلاط».
الزعيم جنبلاط قد يختلف حوله الكثيرون، لكن له دائماً مواقف تقدمية تمثل قراءات للمستقبل، وحرصاً على الدولة بشكل لا يغفل مصالح الدروز «بني معروف»، ولا يتسع المجال لسردها لكنها بدأت منذ أن وطئ جراحه وذهب للشام بعد اغتيال أبيه، مروراً بكونه رأس حربة 14 آذار وخروج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري، ومن مواقفه اللافتة خلال حرب تموز 2006 تجنبه لوم حزب الله خلال المعركة تماماً، ثم مناداته بعدها لحصر السلاح في الدولة.
وقبل يومين كان لافتاً كيف تناولت الأخبار «صحيفة حزب الله» دعوة جنبلاط، بعنوان أسباب درزية لقرار جنبلاط تسليم السلاح، في محاولة خلق حبكة حول صراع درزي، لا تنقصه بهارات وئام وهاب بالاعتراض على تسليم السلاح، لكن الأبرز تجنب الإجابة على ما هي رؤية حزب الله لتسليم سلاحه والإيمان بمنطق الدولة.
ولم يخلُ التحليل إن جازت تسميته بذلك من لغة خشبية، تنسج اتهاماً لجنبلاط حول لقائه توماس باراك مبعوث أمريكا إلى سوريا، وكان القراء لا يرون حماس تتفاوض مع أمريكا والحوثي، وحتى إيران يصلون لاتفاقات مع أمريكا.
وحين خاض حزب الله معركته مع إسرائيل سماها «أولي البأس»، ويبدو أن هذا يختصر المشهد اللبناني، في صراع بين «أولي البأس» و«أولي الحكمة».
أخبار ذات صلة
أخبار متعلقة :