غزة - وكالات: لم تكمل الرضيعة الفلسطينية جوري المصري شهرها الثالث، حتى أودى بها الجوع لتكون واحدة من ضحايا الحصار الإسرائيلي الذي يخنق قطاع غزة.
ومساء أول من أمس، لفظت الرضيعة أنفاسها الأخيرة بمدينة دير البلح وسط القطاع، بعدما فشلت عائلتها في تأمين نوع خاص من الحليب العلاجي كانت بحاجة إليه، وسط انعدام المستلزمات الطبية والغذائية، ومواصلة تل أبيب إغلاق المعابر بالتزامن مع الإبادة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين هناك.
وعانت الرضيعة جوري، مثل باقي الأطفال بغزة، ويلات الحرب منذ ولادتها فاضطرت أسرتها إلى النزوح تحت القصف الإسرائيلي، وعاشت أيامها القليلة في ظروف قاسية من نقص الغذاء والرعاية، في بيئة لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة.
ولدت جوري بصحة جيدة، دون أمراض مزمنة أو تشوهات خلقية، لكنها احتاجت إلى نوع من الحليب العلاجي نفد في غزة منذ أسابيع، نتيجة الحصار الإسرائيلي.
وقال والدها، محسن المصري، بنبرة يغلبها الانكسار: إنه بحث في كل مكان دون أن يجد الحليب لطفلته.
وأضاف: "ابنتي ماتت جوعاً، دون ذنب".
وأوضح أن طفلته كانت بصحة طبيعية، لكن حالتها تدهورت بسرعة جراء سوء التغذية.
وأشار الوالد إلى أن جوري كانت بحاجة إلى حليب علاجي نفد في القطاع، ومع استمرار نفاده، تدهورت حالتها وأصبحت "هيكلاً عظمياً، وجسداً هزيلاً، ووجهاً شاحباً".
وقال: "كانت تحتضر بصمت، ونحن عاجزون أمامها".
وأضاف: "هذه جرائم حرب حقيقية ترتكب بحق أطفالنا الرضّع، الذين يموتون جوعاً واحداً تلو آخر".
لم تكن مأساة جوري معزولة؛ فمع وفاتها، ارتفع عدد الرضع الذين توفوا بسبب الجوع خلال أقل من 24 ساعة إلى ثلاثة، بعد وفاة الرضيعة كندة الهمص (10 أيام)، والرضيع نضال شراب (5 أشهر)، وكلاهما شيّع من مستشفى ناصر في خان يونس جنوب القطاع.
هذه الحالات المؤلمة جاءت بعد تحذيرات متكررة أطلقتها مستشفيات في غزة، كان أبرزها في 19 حزيران الجاري، حين أعلنت قرب نفاد حليب الأطفال بالكامل، ما ينذر بـ"كارثة إنسانية وشيكة" تهدد حياة مئات الرضّع.
لكن التحذيرات لم تلق استجابة دولية، وبقيت سياسة التجويع الإسرائيلية مستمرة، إذ تغلق إسرائيل منذ 2 آذار الفائت جميع المعابر، وتمنع دخول أي إمدادات غذائية أو طبية، ما تسبب في دخول غزة مرحلة المجاعة الكاملة، بحسب تقارير أممية.
وحذّر مصدر طبي، في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مؤخراً من كارثة صحية وشيكة تهدد حياة الرضع، جراء نفاد حليب الأطفال، في ظل استمرار حرب الإبادة والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.
وقال المصدر: إن مئات الأطفال الخدج والرضع باتوا بين الحياة والموت، لأن حليبهم غير متوفر لا في المستشفى ولا في الصيدليات ولا حتى في الأسواق أو مستودعات المؤسسات الطبية.
وأضاف: إن "هؤلاء الأطفال يصارعون الموت بأجسادهم الصغيرة، بينما تختنق أنفاسهم بلا ذنب، وأمهاتهن يقفن عاجزات وهن يشاهدن فلذات أكبادهن يذبلون أمام أعينهن".
وأشار المصدر الطبي إلى أن مخزون الحليب لدى المستودعات الصحية التابعة للمؤسسات المحلية والدولية وصل إلى مستوى خطير منذ ثلاثة أسابيع، ويقترب من النفاد في غضون الساعات الـ48 المقبلة.
وأضاف: "حاولنا منذ أسبوعين تسليط الضوء على هذه المعاناة عبر مناشدات عدة".
وتابع: "نحن الآن في نقطة الصفر فيما يتعلق بوضع الأطفال الخدج في المشفى وخارجه، وحالياً نتعامل مع حليب رقم واحد في تغذية الأطفال في الحضانات، لكن هذا النوع من الحليب أيضاً قارب على النفاد".
وبحسب المصدر، ستضطر الطواقم الطبية لاستبدال الحليب بالمحاليل، التي يمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحية بسبب اختلال الأملاح في الدم، وقد تصل إلى حد الوفاة.
وإلى جانب الجوع، يعاني القطاع من انهيار شبه تام في النظام الصحي، بفعل الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للمستشفيات، ونفاد الأدوية والمستلزمات، ما حول مرافق الصحة إلى أماكن عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية.
في هذا السياق، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في آخر إحصاء له في 25 أيار الماضي، وفاة 242 شخصاً بسبب نقص الغذاء والدواء، معظمهم من الأطفال الرضّع وكبار السن.
ومنذ 7 تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة نحو 189 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاماً، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالى 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
أخبار متعلقة :