الكويت الاخباري

حين تُخطئ اللغة.. تفشل الإدارة - الكويت الاخباري

منظمة مرموقة شكّلت لجنةً دائمة للتعامل مع تحدياتها الداخلية والخارجية، تضمّ ممثلين عن إدارات متنوعة. في أحد اجتماعات اللجنة، ناقش الأعضاء تصرّفاً غير أخلاقي ارتكبه أحد الموظفين. اقترح عضوٌ إضافة «قيمة» جديدة إلى منظومة قيم المنظمة تعالج هذا التصرف ودمجها في خطتها الإستراتيجية لردع تكرار هذا السلوك. وبعد تأييد من عدة أعضاء، أوضحتُ وجود التباسٍ في المصطلحات، فالأصح هو إضافة «مبدأ» بدلاً من «قيمة»، فهناك فروق جوهرية بين المفهومين. في هذا المقال نستعرض سوياً المفاهيم المتشابهة التي يكثر فيها اللبس في المنظمات، مثل: القيم والمبادئ والأخلاقيات والمعتقدات من منظور علم الإدارة، ونوضح الفروق الجوهرية بين القيم والمبادئ والموضع الأمثل لكلٍّ منهما ضمن الهيكل التنظيمي.

القيم (Values) هي المعتقدات الجوهرية التي يعتنقها الفرد أو الجماعة ويُقدّرها، مثل ما يعتقده اتجاه التعليم والتطوير. أما المبادئ (Principles) فتمثّل القواعد أو قوانين المستنبطة من هذه القيم، التي تُحدّد السلوك المطلوب في مواقف محددة، مثل: الشجاعة في إبداء الرأي. وتتلخّص الفروق الجوهرية بين القيم والمبادئ في ثلاثة محاور، هي: 1) تحدّد القيم ما نُقدّره، بينما ترسم المبادئ كيف نتصرف. 2) تُحدد القيم أولوياتنا وما يهمنا، بينما تُبيّن المبادئ الصواب الواجب اتباعه. 3) المبادئ أكثر ثباتاً وموضوعية وعمومية من القيم، فهي أقل مرونة وأكثر تحديداً لتوجيه السلوك في مواقف معينة، مثل مبدأ عدم إيذاء الآخرين، وعامل الآخرين كما تحب أن تُعامل. أما عن موضع استخدامهما، فتتضمّن القيم في الخطة الإستراتيجية للمنظمة، بينما تُوثّق المبادئ في دليل السلوك الأخلاقي (Code of Ethics).

تشكل الأخلاقيات (Ethics) الإطار الشامل لمجموعة القواعد التي تضبط سلوك الأفراد والمنظمات، إذ تضمّ في طياتها القيم والمبادئ. أما المعتقدات (Beliefs) فهي القناعات الداخلية للفرد التي تنبثق منها القيم، وقد تتطور إلى مبادئ صلبة حين تصبح معايير سلوكية ثابتة. ورغم وضوح هذه الفوارق نظريّاً، إلا أن الخلط بينها شائع في بيئة العمل، مما يؤدي إلى غموض في فهمها وتطبيقها داخل المؤسسات. لذا، بات لزاماً الاستعانة بخبراء متخصصين لتوضيح هذه المفاهيم وفصل الاختلافات بينها بوضوح وفاعلية.

لنتأمل معاً، أيها القارئ وأيتها القارئة، المشهد الافتتاحي لهذا المقال: حيث عُقد اجتماعٌ لمناقشة تصرّفٍ غير أخلاقي ارتكبه أحد الموظفين. تكشف هذه الواقعة حرص المنظمة المرموقة على رصد التجاوزات ومعالجتها الفورية للحفاظ على بيئة عمل صحية ومنع تكرارها. الأمر الثاني، أن المنظمة تُشكل لجنة دائمة لمعالجة التحديات تدل على التزام قيادتها بأدق التفاصيل وسرعة الاستجابة للمشكلات والأزمات. أخيراً، إن اختيار مصطلح «تصرف» بدلاً من مصطلح «سلوك» كان دقيقاً، فالتصرف فعلٌ فردي عارض أو مؤقت يظهر في موقفٍ معيّن أو ظرفٍ محدد، مثل: تصرف البائع القاسي مع الزبون اليوم. بينما السلوك نمطٌ متكرر وثابت تشكّله التفاعلات والعادات والميول، كالتزام الموظف بروح التعاون في مختلف المواقف.

تلخيصاً لما سبق، يؤكد هذا المقال على وجوب انتقاء المصطلحات الملائمة ووضعها في سياقها الصحيح لضمان معالجة المشكلات بفاعلية، إذ إن استخدام مصطلحات غير الدقيقة قد يؤدي إلى عرقلة الحلول. أخيراً، يصعب على المنظمات حل المشكلات بشكل فعّال دون تشخيص علمي دقيق لمشكلاتها. لذا، يجب أن تستفيد منظماتنا بالمواطنين الخبراء والمتخصصين وفي مختلف المجالات، ليتمكنوا من تجاوز التحديات التي ربما ستواجه مبادراتنا الوطنية والعالمية بكفاءة وفاعلية. فبدقّة المصطلحات والمعرفة الصحيحة لموضع استخدامها، ينضج وعي الموظف وتتقوى مؤسساتنا، فينضج مجتمعٌ يحقّق نهضةَ السعودية برؤية علمية رصينة واحترافية عالية.

أخبار ذات صلة

 

أخبار متعلقة :