كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وترصد أبرز القصص التي تسلط الضوء على جرائم الاحتلال المتواصلة، وما ينتج عن ذلك من تفاقم لمعاناة المواطنين.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يوثق وقوع عشرات آلاف النازحين بخان يونس في مرمى نيران الاحتلال، ومشهد آخر بعنوان "المختبرات الطبية هدفاً للاحتلال"، ومشهد ثالث يسلط الضوء على تبعات استمرار قطع خدمات الإنترنت عن القطاع.
نازحون في مرمى النار
يعيش عشرات الآلاف من النازحين في مرمى نيران الاحتلال في عدة مناطق بمواصي خان يونس، خاصة في محيط "شارع 5"، و"منطقة أصداء"، ومحيط "المسلخ ومخيم رحمة"، وكذلك على شاطئ البحر.
وتقع جميع المناطق المذكورة بمحاذاة أحياء وبلدات تخضع لعدوان بري إسرائيلي، حيث يتم إطلاق النار تجاه الخيام بشكل مباشر، بينما يتعرض النازحون على شاطئ البحر، لإطلاق نار إسرائيلي انطلاقاً من زوارق حربية تتواجد في عرض البحر.
يقول المواطن مصطفى العبسي، ويعيش وعائلته في خيمة في محيط "شارع 5"، إن والدته التي كانت تتوضأ، صرخت فجأة، وحين وصلوا إليها وجدوها مدرجة بدمائها وقد سقطت على الأرض، ليكتشفوا لاحقاً أنها أصيبت برصاصة في صدرها.
وأكد العبسي أن الرصاص الإسرائيلي يصل يومياً لخيامهم من منطقتي السطر الغربي، ومحيط بلدة القرارة، وبات "شارع 5، و"منطقة أصداء" مرمى لرصاص الاحتلال.
وأشار إلى أنهم يُدركون جيداً أن بقاءهم في تلك المناطق يُشكل خطراً شديداً عليهم، لكنهم لم يجدوا أي مكان آخر يتوجهون إليه، وهم مجبرون على البقاء في المخيم، وحتى السواتر الترابية التي أقامها البعض لم تجدِ نفعاً، نظراً لأن بعض الرصاص يسقط عليهم من الأعلى على شكل قوس، وكأن الاحتلال يتعمد قتلهم وإصابتهم.
ووفق مصادر طبية في مشافي ميدانية بمحافظة خان يونس، فإن المستشفيات تستقبل يومياً شهداء وجرحى يصيبهم رصاص الاحتلال وهم داخل خيامهم، وأن بعض الإصابات تكون حرجة للغاية، خاصة أن الاحتلال يستخدم في استهداف تلك المناطق رصاصاً ثقيلاً ومتفجراً.
ويعيش النازحون على شاطئ بحر خان يونس حياة صعبة، ويواجهون مخاطر يومية، جراء إطلاق النار من زوارق الاحتلال، الذي يستهدفهم بشكل يومي.
وكان الشاب عايد محمد عابد جيش، آخر ضحايا رصاص الزوارق الإسرائيلية، حيث استشهد جراء إصابته برصاصة في الرأس أطلقتها زورق باتجاه خيمته المقامة على شاطئ بحر محافظة خان يونس.
ويضطر نازحون لوضع سواتر ترابية مرتفعة أمام خيامهم، بينما يضع آخرون تلالا رملية في محيط الخيام، خاصة من ناحية البحر، علّ ذلك يقيهم رصاص الزوارق، بينما عبر آخرون عن أمنياتهم بأن يغادروا تلك المنطقة الخطرة، التي أُجبروا على الإقامة فيها بسبب ضيق المساحات.
المختبرات الطبية هدفاً للاحتلال
يواصل الاحتلال استهداف المنظومة الصحية في القطاع بشكل ممنهج، من خلال استهداف المستشفيات، والعمل على إخلائها، كما حدث مؤخراً في مستشفى غزة الأوروبي بمحافظة خان يونس، الذي يعد ثالث أكبر مستشفى على مستوى القطاع.
وخلال الفترة الماضية عمق الاحتلال ووسع من استهداف المنظومة الصحية، ودمر غالبية أجهزة التصوير الإشعاعي، قبل أن تنتقل دائرة التدمير لأقسام المختبرات سواء في المستشفيات، أو عيادات الرعاية الأولية، أو حتى في مناطق أخرى، مع منع كامل لإدخال جميع مستلزمات الفحوص المخبرية، وحظر وصول وحدات الدم اللازمة لإنقاذ حياة الجرحى والمرضى.
ونتيجة لذلك يُعاني آلاف المرضى والجرحى، جراء تعذر إجراء فحوص مخبرية مهمة، تساعد في تشخيص مشاكلهم الصحية، بما يسهم في شفائهم.
وحذرت مدير دائرة المختبرات في وزارة الصحة بغزة سحر غانم، من أزمة وشيكة في خدمات المختبرات الطبية وبنوك الدم، نتيجة النقص الحاد في المستلزمات المخبرية ومواد الفحص الأساسية، إلى جانب ما تعانيه بنوك الدم من نقص حاد في المستلزمات، بالإضافة إلى العجز في أرصدة وحدات الدم.
وأكدت غانم أن نسبة الأصناف من مواد الفحص المخبري التي رصيدها أقل من شهر بلغت 48.7%، فيما بلغت نسبة الأصناف التي رصيدها أقل من شهر من المستهلكات والمستلزمات المخبرية 48.2%.
وبحسب غانم فإن هذا التراجع الحاد يُهدد بشكل مباشر استمرارية خدمات التشخيص المخبري ونقل الدم، في وقتٍ يواجه فيه القطاع كارثة صحية مع ارتفاع أعداد الجرحى، وتدهور الوضع الإنساني.
وأكدت أن الاحتلال يتعمد تدمير الأجهزة المخبرية داخل المرافق الصحية، بما يشل قدرة المنظومة الصحية والكوادر الطبية على تشخيص المرضى والجرحى، إذ بلغت نسبة تدمير مختبرات المستشفيات نحو 50%، فيما بلغت نسبة تدمير مختبرات الرعاية الأولية نحو 60%، لافتةً إلى خروج 514 جهازاً مخبرياً عن الخدمة.
ودعت غانم الجهات الدولية والإنسانية إلى التحرك العاجل لتوفير الدعم اللازم، وضمان استمرار عمل المختبرات وبنوك الدم، بما يُسعف إنقاذ الحد الأدنى من الخدمات الطبية الأساسية للمرضى والجرحى في قطاع غزة.
عزل متواصل للقطاع
منذ الجمعة ما قبل الماضية، لجأ الاحتلال لسياسة ممنهجة ومقصودة، تهدف لمحاولة عزل قطاع غزة عن محيطه، عبر استهداف مسارات خطوط الإنترنت، وقطع الخدمة عن القطاع.
واستهدف الاحتلال خطوط ومسارات الإنترنت في مناطق وسط، وجنوب، وشمال القطاع عدة مرات خلال الفترات الماضية، ما تسبب بفصل الخدمة لساعات طويلة.
ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الفرق الفنية التابعة لشركة الاتصالات الفلسطينية، ونجاحها أكثر من مرة في إصلاح الأعطال، إلا أن الاحتلال يعود ويستهدف المسارات مجدداً، ويتسبب بقطع الخدمة، ما يُهدد استمرارها مُستقبلاً.
وأكد مواطنون أن ما يحدث أمر مقصود وغير مبرر، وهدفه عزل القطاع عن محيطه، ومنع المواطنين في غزة من معرفة ما يدور حولهم من أحداث، خاصة بعد قطع الكهرباء منذ أكثر من 20 شهراً، وتعذر تشغيل أجهزة التلفاز، وتحول شبكة الإنترنت كمصدر وحيد للمعرفة والأخبار في غزة وخارجها.
وأثر انقطاع خدمات الإنترنت عن قطاع غزة، في نقل الأخبار والأحداث للخارج، حيث لم يستطع الصحافيون العاملون في القطاع من تأدية عملهم كما يجب، ما حال دون كشف جرائم ومجازر الاحتلال في قطاع غزة.
وأكد مركز حماية الصحافيين الفلسطينيين (PJPC)، أن الاحتلال يقطع شبكات الإنترنت والاتصالات عن قطاع غزة بشكل متعمَّد ومتكرر، ويمنع الطواقم الفنية من إصلاح الأضرار الناجمة عن القصف، ما أدى إلى شلل شبه كامل في خدمات الاتصال، وأثّر على عمل الصحافيين ووسائل الإعلام.
وأكد المركز أن قطع الإنترنت في غزة ليس خللا فنيا، بل جريمة متعمدة تهدف إلى إخفاء جرائم حرب بحق المدنيين، وعرقلة عمل الصحافيين والطواقم الإغاثية.
وأكد المركز أنه ومنذ السابع من تشرين الأول العام 2023 عطّل الاحتلال الإنترنت 11 مرة، في محاولة لعزل غزة عن العالم ومنع توثيق الانتهاكات، وقد اعتبر المركز أن قطع الاتصالات يُعدّ هجوما مباشرا على حرية العمل الصحافي، وحق الجمهور في المعرفة، ويجعل الصحافيين يعملون في عزلة خطيرة دون قدرة على إرسال تقاريرهم أو التواصل مع مؤسساتهم الإعلامية.
وكانت شركة الاتصالات الفلسطينية أكدت أن طواقمها تجد صعوبات كبيرة في إعادة وصل نفس المقاطع عدة مرات، حيث وصلت بعض المقاطع لمرحلة التلف التام جراء تكرار الاستهدافات والصيانات.
من جهتها، أكدت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الفلسطينية، أن هذا التصعيد الخطير ضد البنية التحتية للاتصالات، يهدد بفصل قطاع غزة بالكامل عن العالم الخارجي، ويمنع المواطنين من الوصول إلى خدمات أساسية تمثل خدمات حيوية في ظل الظروف الراهنة، بما في ذلك الخدمات الإغاثية، والصحية، والإعلامية، والتعليمية.
أخبار متعلقة :