كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان البري والجوي على قطاع غزة، وتتسارع عمليات التدمير في قلب القطاع، خاصة محافظة خان يونس، بينما ما زالت تبعات العدوان تؤثر على جميع الفئات، والمجاعة وانعكاساتها تتفشى.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من قلب العدوان الإسرائيلي وتبعاته، منها مشهد يرصد تسارع تدمير المنازل والبنية التحتية في محافظة خان يونس، ومشهد آخر يُوثق حدوث ارتفاع حاد على أسعار الحطب، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على "أزمة الفكة" في غزة، وانعكاساتها على التعاملات التجارية في الأسواق.
تسارع التدمير في خان يونس
شهدت عمليات تدمير المنازل والبنية التحتية في محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، تسارعاً كبيراً خلال الفترة الماضية، خاصة في مناطق شرق ووسط وجنوب المحافظة، وهي مناطق شهدت موجة تدمير واسعة بداية العام 2024.
وعلى مدار الساعة تُسمع أصوات تفجيرات ضخمة، غالبيتها ينجم عن انفجار "روبوتات" مُفخخة، ونسف منازل ومربعات سكنية، بعد زرع متفجرات مُسبقاً فيها.
وقال مواطنون وشهود عيان، إن وتيرة التدمير في خان يونس تسارعت على نحو كبير وغير مسبوق، ولم تعد عشوائية كما في السابق، بل باتت منظمة، تنتقل من حيّ إلى حيّ، ومن شارع إلى شارع، وآلة الدمار الإسرائيلية لا تُغادر المنطقة إلا بعد تحويلها إلى كومة من الركام.
وأشار المواطن محمد القدرة، إلى أنه استطاع التسلل إلى الحي الذي يقطن فيه في منطقة السطر الغربي، لجلب بعض الاحتياجات من منزله، وبمجرد وصوله صُدم من هول المشهد، فقد أحالت جرافات الاحتلال المنازل إلى أكوام من الركام، ولم يجد في حارته بيتاً واحداً سليماً.
وأكد القدرة أنه شاهد من بعيد عشرات الجرافات الكبيرة والمتوسطة منها جرافات مدنية، تقوم بهدم متسارع وواسع للمنازل في مناطق وسط وجنوب وشرق خان يونس، حيث تعمل تلك الجرافات بالتناغم مع فرق هندسية، تقوم الأخيرة بتفجير منازل وعمارات كبيرة، لا تستطيع الجرافات هدمها، أو أن هدمها بالطريقة التقليدية يستغرق وقتاً طويلاً.
ولفت إلى أنه وبعد انسحاب قوات الاحتلال من خان يونس، سيعود المواطنون إلى بيوتهم ولن يجدوا بيتاً واحداً سليماً، وأن الجميع سيتفاجؤون من هول الدمار وحجمه، ويبدو أن الاحتلال يسعى إلى تحويل مدينة خان يونس إلى نموذج مُشابه تماماً لما حدث في رفح.
ووفق تقديرات القدرة، فإن العدوان على خان يونس ربما يكون في نهايته، لذلك فسر التسارع في عمليات التدمير، "ويبدو أننا متجهون إلى وقف الحرب على غزة، أو نقل ثقل العمليات الإسرائيلية إلى منطقة أخرى، لاستكمال مهمة التدمير".
بينما تناقل شهود عيان روايات مُتطابقة عن دمار كبير في أحياء شرق خان يونس، خاصة عبسان الجديدة، وبني سهيلة، وخزاعة، إضافة إلى دمار مماثل في أحياء قيزان النجار، والمنارة، والسلام، والبطن السمين، جنوب المحافظة.
ارتفاع أسعار الحطب
شهدت أسعار الحطب ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق، وصل إلى 8 شواكل للكيلو غرام الواحد، بعد أن كان قبل الحرب لا يتجاوز 1 شيكل فقط.
وبعد أن أصبح الحطب والخشب الوقود الوحيد المتوفر في قطاع غزة، وأن شراءه أمر ضروري لكل العائلات، بات الجميع يشتكون من ارتفاع أسعاره، والبعض لجأ إلى حرق مواد بلاستيكية خطيرة، لمحاولة توفير الوقت.
وذكر المواطن خالد عمر من سكان مدينة رفح، أنه وبعد عودته إلى رفح في نهاية كانون الثاني الماضي، كان الحطب متوفراً في رفح جراء تجريف بساتين، ولم يكن أحد يشتريه، فكان الحصول عليه مجاناً، لكن ومنذ النزوح باتجاه خان يونس، بداية نيسان الماضي، بدأ وغيره من المواطنين بشراء الحطب، لإنضاج الخبز، وطهي الطعام، وكان في البداية ثمن كيلو الحطب 2 شيكل، ثم بدأت الأسعار بالارتفاع التدريجي حتى وصلت إلى 8 شواكل للكيلو الواحد، وسط توقعات بأن تصل إلى 10 شواكل قريباً.
وبيّن عمر أنه وبسبب منع توريد جميع أنواع الوقود إلى قطاع غزة، وفي مقدمتها غاز الطهي، لا يوجد بديل أمام المواطنين سوى إشعال الحطب والخشب، والأخير مورد محدود في القطاع، يجري استنزافه منذ أكثر من 20 شهراً، لذلك من الطبيعي أن يتناقص في القطاع ويرتفع ثمنه، لكنه مُجبر على جلبه والبحث عنه باستمرار، وشرائه مهما ارتفعت أسعاره.
وجراء ارتفاع أسعار الحطب والخشب، بدأت العشرات من أفران الطين بالتوقف، بينما ارتفعت تعرفة إنضاج الخبز فيما تبقى من أفران، ووصلت إلى نصف شيكل للرغيف الواحد، بعد أن كانت لا تتجاوز 15 أغورة في السابق.
وقال المواطن محمود عرفات، إنه لم يعد قادراً على تشغيل فرن الطين الذي يمتلكه كما في السابق، ويعتمد في تشغيله على توفر الخشب والوقود، وفي سبيل ذلك يتجول في المواصي ساعات طويلة، حتى يستطيع تأمين وقود يكفيه ليوم أو يومين.
وأوضح أنه في السابق كان يحتاج 50 شيكلاً ليوفر كمية من الخشب والحطب تكفيه لتشغيل الفرن يوماً كاملاً، لكنه الآن بحاجة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف هذا المبلغ ليعمل فرنه، مبيناً أنه اضطر لرفع التسعيرة، ويعتصر ألماً لأنه يشعر بمعاناة المواطنين، فبالكاد يستطيعون توفير كمية محدودة من الطحين، وهم بحاجة إلى المزيد من المال من أجل إنضاج وتجهيز الخبز، وهذا عبء إضافي جديد على العائلات.
أزمة الفكة في القطاع
بعد أزمة العُملات البالية والتالفة، التي يرفض الباعة قبولها، وما أسهمت به من خلق مشكلات في قطاع غزة، وإسهامها في خنق التعاملات التجارية، ظهرت مؤخراً مشكلة جديدة، ربما لا تقل خطورة عن سابقتها، وتتمثل في تناقص كبير بالفئات النقدية الصغيرة، خاصة فئات 1 و2 و5 شواكل، ما أضاف مزيداً ممن التعقيدات على عمليات البيع والشراء في الأسواق.
وبعد وقف كلي للتعامل بفئات نقدية مثل نصف شيكل و10 شواكل، والتعامل الجزئي بفئة 20 شيكلاً، باتت أزمة الفكة واحدة من أكبر الأزمات التي تعيشها أسواق القطاع.
وقال المواطن إسماعيل عطا الله، إنه توجه إلى السوق لشراء بعض الحاجيات، وكان معه ورقتان نقديتان من فئتي 100 و200 شيكل، وكلما أراد شراء شيء اشترط عليه البائع إعطاءه فكة، وظل يتجول في السوق لساعة كاملة، لم يستطع خلالها شراء أي شيء، واضطر في النهاية للعودة إلى خيمته.
وتساءل عطا الله عن سبب الأزمة، ولماذا يتعمد الناس التضييق على أنفسهم من خلال خلق ظواهر تجارية تزيد من معاناتهم، وتُعطّل عمليات البيع والشراء في الأسواق، خاصة في ظل الحرب، وشح السيولة النقدية.
بينما قال البائع خالد نصر إن "البائع الذي يمتلك فكة يستطيع البيع، ومن لا يمتلكها لا يبيع إلا القليل، لذلك يحرص على توفرها، وقد وصل به الأمر إلى شراء كل 95 شيكلاً من الفكة مقابل 100 شيكل، حتى يستطيع العمل في ظل الأزمة الحالية، وللأسف يبدو أن هناك مَن يحتكرون السيولة الصغيرة بشكل متعمد".
وتساءل نصر غاضباً عن المشكلة المالية المقبلة التي ستواجه أسواق قطاع غزة، ففي كل فترة تظهر مشكلة جديدة، وكأن هناك من بتلاعب في الأسواق، ويعمد إلى زيادة معاناة المواطنين.
وأرجع بعض التجار والمختصين أسباب الأزمة الجديدة، إلى استمرار منع الاحتلال إدخال نقد جديد للقطاع، واستمرار اهتراء العملات الورقية، وشائعات حول نية إسرائيل إلغاء الورقة النقدية من فئة 200 شيكل في قطاع غزة، وخوف الناس من التوقف عن التعامل بأوراق نقدية جديدة، وهذا جعلهم يثقون بالعملات المعدية بشكل أكبر، على حساب العملات الورقية، وبالتالي جمعها، ما قلل المتوفر منها في الأسواق.
وأكدوا أن الحل الوحيد للأزمات المالية في قطاع غزة، يكمن في استبدال العملات التالفة أولاً، وضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية في الأسواق.
أخبار متعلقة :